مسألتان وفصل : مشروعية البسملة .
مسألة : قال : ويبتدئها ببسم الله الرحمن الرحيم .
وجملة ذلك أن قراءة بسم الله الرحمن الرحيم مشروعة في الصلاة في أول الفاتحة وأول كل سورة في قول أكثر أهل العلم وقال مالك و الأوزاعي لا يقرأها في أول الفاتحة لحديث أنس وعن ابن عبد الله بن المغفل قال : سمعني أبي وأنا أقول بسم الله الرحمن الرحيم فقال : أي بني محدث ؟ إياك والحدث قال : ولم أر واحدا من أصحاب رسول الله A كان أبغض إليه الحدث في الأسلام - يعني منه - فاني صليت مع النبي A ومع أبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدا منهم يقولها فلا تقلها إذا صليت فقل الحمد لله رب العالمين أخرجه الترمذي و قال حديث حسن .
ولنا : ماروي عن نعيم المجمر أنه قال صليت وراء أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن وقال والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله A أخرجه النسائي وروى ابن المنذر أن رسول الله A قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحين وعن أم سلمة أن النبي A قرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية والحمد لله رب العالمين اثنين فأما حديث انس فقد سبق جوابه ثم نحمله على أن الذي كان يسمع منهم الحمد لله رب العالمين وقد جاء مصرحا به روى شعبة وشيبان عن قتادة قال سمعت أنس بن مالك قال صليت خلف النبي A وأبي بكر وعمر فلم أسمع أحدا منهم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وفي لفظ وكلهم يخفي بسم الله الرحمن الرحيم وفي لفظ أن رسول الله A كان يسر بسم الله الرحمن الرحيم وأبا بكر وعمر رواه ابن شاهين وحديث ابن عبد الله بن المغفل محمول على هذا أيضا جمعا بين الاخبار ولأن بسم الله الرحمن الرحيم يستفتح بها سائر السور فاستفتاح الفاتحة بها أولى لأنها أول القرآن وفاتحته وقد سلم مالك هذا فإنه قال في قيام رمضان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في أول الفاتحة ويستفتح بها بقية السور .
مسألة : قال : ولا يجهر بها .
يعني بسم الله الرحمن الرحيم ولا تختلف الرواية عن أحمد أن الجهر بها غير مسنون قال الترمذي وعليه العمل عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي A ومن بعدهم من التابعين منهم أبو بكر و عمر وعثمان وعلي وذكره ابن المنذر عن ابن مسعود وابن الزبير وعمار وبه يقول الحكم و حماد و الأوزاعي و الثوري و ابن المبارك و أصحاب الرأي ويروى عن عطاء و طاوس و مجاهد و سعيد بن جبير - الجهر بها وهومذهب الشافعي لحديث أبي هريرة أنه قرأها في الصلاة وقد صح أنه قال ما أسمعنا رسول الله A أسمعناكم وما أخفى علينا أخفيناه عليكم - متفق عليه وعن أنس أنه صلى وجهر ببسم الله الرحمن الرحيم وقال أقتدي بصلاة رسول الله A ولما تقدم من حديث أم سلمة وغيره ولأنها آية من الفاتحة فيجهر بها الإمام في صلاة الجهر كسائر آياتها .
ولنا : حديث أنس وعبد بن المغفل وعن عائشة Bها [ أن النبي A كان يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين ] متفق عليه و [ روى أبو هريرة قال : سمعت رسول الله A يقول : قال الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : الحمد لله رب العالمين قال الله حمدني عبدي ] وذكر الخبر أخرجه مسلم وهذا يدل على أنه لم يذكر بسم الله الرحمن الرحين ولم يجهر بها وحديث أبي هريرة الذي احتجوا به ليس فيه أنه جهر بها ولا يمتنع أن يسمع منه حال الاسرار كما سمع الاستفتاح والاستعاذة من النبي A مع إسراره بهما وقد روى أبو قتادة أن النبي A كان يسمعهم الآية أحيانا في صلاة الظهر متفق عليه وحديث أم سلمة ليس فيه أنه جهر بها وسائر أخبار الجهر ضعيفة فإن رواتها هم رواة الإخفاء واسناد الإخفاء صحيح ثابت بغير خلاف فيه فدل على ضعف رواية الجهر وقد بلغنا أن الدارقطني قال لم يصح في الجهر حديث .
( فصل : واختلفت الرواية عن أحمد هل هي آية من الفاتحة يجب قراءتها في الصلاة أولا ؟ فعنه أنها من الفاتحة وذهب إليها أبو عبد الله بن بطة و أبو حفص وهو قول ابن المبارك و الشافعي و إسحاق و أبي عبيد قال ابن المبارك من ترك بسم الله الرحمن الرحيم فقد ترك مائة وثلاث عشر آية وكذلك قال الشافعي : هي آية من كل سورة لحديث أم سلمة وروى أبو هريرة [ أن النبي A قال : إذا قرأتم الحمد لله رب العالمين فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها أم الكتاب وأنها السبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها ] ولأن الصحابة Bهم أثبتوها في المصاحف بخطها ولم يثبتوا بين الدفتين سوى القرآن وروي عن أحمد أنها ليست من الفاتحة ولا آية من غيرها ولا يجب قراءتها في الصلاة وهو المنصورة عند أصحابه وقول أبي حنيفة و مالك و الأوزاعي و عبد الله من معبد الرماني واختلف عن أحمد فيها فقيل عنه هي آية مفردة كانت تنزل بين سورتين فصلا بين السور وعنه إنما هي بعض آية من سورة النمل كذلك قال عبد الله بن معبد و الأوزاعي ما أنزل الله بسم الله الرحمن الرحيم إلا في سورة : { إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم } والدليل على أنها ليست من الفاتحة ما [ روى أبو هريرة قال : سمعت النبي A يقول : قال الله تعالى قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل فإذا قال العبد : الحمد الله رب العالمين قال الله تعالى حمدني عبدي فإذا قال الرحمن الرحيم قال الله أثنى علي عبدي فإذا قال : مالك يوم الدين قال الله مجدني عبدي فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين قال الله هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل فإذا قال اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضآلين قال : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ] أخرجه مسلم فلو كانت بسم الله الرحمن الرحيم آية لعدها وبدأ بها ولم يتحقق التنصيف لأن آيات الثناء تكون أربعا ونصفا وآيات الدعاء اثنتين ونصفا وعلى ما ذكرنا يتحقق التنصيف فإن قيل فقد روى عبد الله بن زياد بن سمعان يقول عبدي إذا افتتح الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم فيذكرني عبدي قلنا ابن سمعان متروك الحديث لا يحتج به قاله الدارقطني واتفاق الرواة على خلاف روايته أولى بالصواب وروي عن النبي A أنه قال [ سورة هي ثلاثون آية شفعت لقارئها ألا وهي تبارك الذي بدون بسم الله الرحمن الرحيم ] ولو كانت منها لكانت أربعا ولأن مواضع الآي تجري مجرى الآي أنفسها في أنها لا تثبت إلا بالتواتر ولم ينقل في ذلك تواتر فأما قول أم سلمة فمن رأيها ولا ينكر الاختلاف في ذلك على أننا نقول هي آية مفردة للفصل بين السور وحديث أبي هريرة موقوف عليه فإنه من رواية أبي بكر الحنفي عن عبد الحميد بن جعفر عن نوح بن أبي بلال قال : أبو بكر راجعت فيه نوحا فوقفه وهذا يدل على أن رفعه كان وهما من عبد الحميد وأما إثباتها في السور في المصحف فللفصل بينها ولذلك أفردت سطرا على حدتها