حكم ولد المكاتبة بالعتق وولد ولدها .
مسألة : قال : وولد المكاتبة الذين ولدتهم في الكتابة يعتقون بعتقها .
وجملته أنه يصح مكاتبة الأمة كما تصح مكاتبة العبد لا خلاف بين أهل العلم فيه وقد دل عليه حديث بريرة وحديث جويرية بنت الحارث ولأنها داخلة في عموم قوله { والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا } ولأنها يمكنها التكسب والأداء فهي كالعبد وإذا أتت المكاتبة بولد من غير سيدها إما من نكاح أو غيره فهو تابع لها موقوف على عتقها فإن عتقت بالأداء أو الإبراء عتق وإن فسخت كتابتها وعادت إلى الرق عاد رقيقا .
وهذا قول شريح و مالك و أبي حنيفة و الثوري و إسحاق وسواء في هذا ما كان حملا حال الكتابة وما حدث بعدها وقال أبو ثور و ابن المنذر : هو عبد قن لا يتبع أمه و للشافعي قولان كالمذهبين واحتجوا بأن الكتابة غير لازمة من جهة العبد فلا تسري إلى الولد كالتعليق بالصفة .
ولنا أن الكتابة سبب ثابت للعتق لا يجوز إبطاله فسرى إلى الولد كالاستيلاد ويفارق التعليق بالصفة فإن السيد يملك إبطاله بالبيع إذا ثبت هذا فالكلام في الولد في فصول أربعة في قيمته إذا تلف وفي كسبه وفي نفقته وفي عتقه أما قيمته إذا تلف فقال أبو بكر : هو لأمه تستعين بها على كتابتها لأن السيد لا يملك التصرف فيه مع كونه عبدا فلا يستحق قيمته ولأنه بمنزلة جزء منها ولو جني على جزء منها كان أرشه لها كذلك ولدها وإذا لم يستحقها هو كانت لأمه لأن الحق لا يخرج عنهما ولأن ولدها لو ملكته بهبة أو شراء كانت قيمته لها فكذلك لو تبعها يحققه أنه إذا تبعها صار حكمه حكمها ولا يثبت ملك السيد في منافعه ولا في أرش الجناية عليه كما لا يثبت له ذلك فيها وقال الشافعي في أحد قوليه : تكون القيمة لسيدها لأنها لو قتلت كانت قيمتها لسيدها فكذلك ولدها والفرق بينهما أن الكتابة تبطل بقتلها فيصير مالها لسيدها بخلاف ولدها فإن العقد باق بعد قتله فنظير هذا إتلاف بعض أعضائها والحكم في إتلاف بعض أعضائها كالحكم في إتلافه .
أما كسبه وأرش الجناية عليه فينبغي أيضا أن يكون لأمه لأن ولدها جزء منها تابع لها فأشبه بقية أجزائها ولأن أداءها لكتابتها سبب لعتقه وحصول الحرية له فينبغي أن يصرف فيه بمنزلة صرفه إليه إذ في عجزها رقه وفوات كسبه عليه وإما نفقته فعلى أمه لأنها تابعة لكسبه وكسبه لها فنفقه عليها وأما عتقه فإنه يعتق بأدائها أو إبرائها ويرق بعجزها لأنه تابع لها وإن ماتت المكاتبة على كتابتها بطلت كتابتها وعاد رقيقا قنا إلا أن تخلف وفاء فيكون على الروايتين وإن عتقها سيدها لم يعتق ولدها لأنه إنما تبعها في حكم الكتابة وهو العتق بالأداء وما حصل الأداء وإنما حصل عتقها بأمر لا يتبعها فيه فأشبه ما لو لم تكن مكاتبة ومقتضى قول أصحابنا الذين قالوا تبطل كتابتها بعتقها أن يعود ولدها رقيقا ومقتضى قولنا أنه يبقى على حكم الكتابة ويعتق بالأداء لأن العقد لم يوجد ما يبطله وإنما سقط الأداء عنها لحصول الحرية بدونه فإذا لم يكن لها ولد يتبعها في الكتابة ولا في يدها مال يأخذه لم يظهر حكم بقاء العقد ولم يكن في بقائه فائدة فانتفى لانتفاء فائدته وفي مسألتنا في بقائه فائدة لإفضائه إلى عتق ولدها فينبغي أن يبقى .
ويحتمل أن يعتق بإعتاقها لأنه جرى مجرى إبرائها من مال الكتابة والحكم فيما إذا عتق بالاستيلاد أو تدبير أو تعليق بصفة كالحكم فيما إذا عتقها لأنها بغير الكتابة وإن عتق السيد الولد دونها صح عتقه نص أحمد في رواية مهنا لأن مملوك فصح عتقه كأمه ولأنه لو أعتقه معها لصح ومن صح عتقه مع غيره صح مفردا كسائر مماليكه .
وقال القاضي : وقد كان يجب أن لا ينفذ عتقه لأن فيه ضررا بأمه بتفويت كسبه عليها لأنها كانت تستعين به في كتابتها ولعل أحمد نفذ عتقه تغليبا للعتق والصحيح أنه يعتق وما ذكره القاضي من الضرر لا يصح لوجوه : أحدها : أن الضرر إنما يحصل في حق من له كسب بفضل عن نفقته فأما من لا كسب له فتخليصها من نفقته نفع محض فلا ضرر في إعتاقه لأنه لا يفضل لها من كسبه شيء ينتفع به فكان ينبغي أن لا يقيد الحكم الذي ذكره بهذا القيد الثاني : أن النفع بسكبها ليس بواجب لها بدليل أنه لا يملك إجباره على الكسب فلم يكن الضرر بفواته معتبرا في حقها الثالث : أن مطلق الضرر لا يكفي في منع العتق الذي تحقق مقتضيه ما لم يكن له أصل يشهد بالاعتبار ولم يذكر له أصلا ثم هو ملغي بعتق المفلس والراهن وسراية العتق إلى ملك الشريك فإنه يعتق مع وجود الضرر بتفويت الحق اللازم فهذا أولى .
فصل : فأما ولد ولدها فإن حكمه حكم أمه لأن ولد المكاتب لا يتعبه وأما ولد بنتها فهو كبنتها وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة : لا تسري الكتابة إليه لأن السراية إنما تكون مع الاتصال وهذا ولد منفصل فلا تسري إليه بدليل أن ولد أم الولد قبل أن يستولدها لا يسري إليه الاستيلاد وهذا الولد اتصل بأمه دون جدته .
ولنا أن ابنتها ثبت لها حكمها تبعا فيجب أن يثبت لابنتها حكمها تبعا كما يثبت حكم أمها ولأن البنت تبعت أمها فيجب أن يتبعها ولدها لأن عليه اتباعها لأنها موجودة في ولدها ولأن البنت تعلق بها حق العتق فيجب أن يسري إلى ولدها كالمكاتبة وهذا الخلاف في ولد البنت التابعة لأمها في الكتابة فأما المولودة قبل الكتابة فلا تدخل في الكتابة فابنتها أولى