إذا لم يؤد المكاتب نجما حتى حل نجم آخر عجزه السيد وعاد عبدا وعلى السيد أن يطالبه بأدائه حين حلوله .
مسألة : قال : وإذا لم يؤد نجما حتى حل نجم آخر عجزه السيد إن أحب وعاد عبدا غير مكاتب .
وجملته أن الكتابة عقد لازم لا يملك السيد فسخها قبل عجز المكاتب بغير خلاف نعلمه وليس له مطالبة المكاتب قبل حلول النجم لأنه إنما ثبت في العقد مؤجلا وإذا حل النجم فللسيد مطالبته بما حل من نجومه لأنه دين له حل فأشبه دينه على الأجنبي وله الصبر عليه وتأخيره به سواء كان قادرا على الأداء أو عاجزا عنه لأنه حق له سمح بتأخيره أشبه دينه على الأجنبي فإن اختار الصبر عليه لم يملك العبد الفسخ بغير خلاف نعلمه قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن المكاتب إذا حل نجم أو نجمان أو نجومه كلها فوقف السيد عن مطالبته وتركه بحاله أن الكتابة لا تنفسخ ما داما ثابتين على العقد الأول فإن أجله به ثم بدا له الرجوع فله ذلك لأن الدين الحال لا يتأجل بالتأجيل كالقرض وإن حل عليه نجمان فعجز عنهما فاختار السيد فسخ كتابته ورده إلى الرق فله ذلك بغير حضور حاكم ولا سلطان ولا تلزمه الاستنابة فعل ذلك ابن عمر وهو قول شريح و النخعي و أبي حنيفة و الشافعي وقال ابن أبي ليلى : لا يكون عجزه إلا عند قاض وحكي نحو هذا عن مالك وقال الحسن : إذا عجز استؤني بعد العجز سنتين وقال الأوزواعي : شهرين ونحو ذلك .
ولنا ما روى سعيد بإسناده عن ابن عمر أنه كاتب غلاما له على ألف دينار فأدى إليه تسعمائة دينار وعجزه عن مائة دينار فرده إلى الرق وبإسناده عن عطية العوفي عن ابن عمر أأنه كاتب عبده على عشرين ألفا فأدى عشرة آلاف ثم أتاه فقال إني قد طفت العراق والحجاز فردني في الرق فرده .
وروي عن أنه كاتب عبدا له على ثلاثين ألفا فقال له أنا عاجز فقال له امح كتابتك فقال امح أنت وروى سعيد بإسناده عن عمروا بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله A خطب فقال [ أيما رجل كاتب غلامه على مائة أوقية فعجز عن عشرة أواق فهو رقيق ] ولأنه عقد عجز عن عوضه فملك مستحقه فسخه كالسلم إذا تعذر المسلم فيه ولأنه فسخ عقد مجمع عليه فلم يفتقر إلى الحاكم كفسخ المعتقة تحت العبد فإن قيل فلم كانت الكتابة لازمة من جهة السيد غير لازمة من جهة العبد ؟ قلنا هي لازمة من جهة الطرفين ولا يملك العبد فسخها بحال وإنما له أن يعجز نفسه ويمتنع من الكسب وإنما كان له ذلك لوجهين : أحدهما : أن الكتابة تتضمن إعتاقا بصفة ومن علق عتق عبده بصفة لم يملك إبطالها ويلزم وقوع العتق بالصفة ولا يلزم العبد الإتيان بالصفة ولا يجبر عليها الثاني أن الكتابة لحظ العبد دون سيده وكان العقد لازما لم ألزم نفسه حظ غيره وصاحب الحظ بالخيار فيه كمن ضمن لغيره شيئا أو كفل له أو رهن عنده رهنا .
فصل : فأما إن حل نجم واحد فعجز عن أدائه فظاهر الكلام الخرقي أنه ليس للسيد للفسخ حتى يحل نجمان قبل أدائهما وهي إحدى الروايتين عن أحمد قال القاضي : هو ظاهر كلام أصحابنا وروي ذلك عن علي Bه وهو قول الحكم و ابن أبي ليلى و أبي يوسف و الحسن بن صالح .
وقال ابن أبي موسى : وروي عن أحمد أنه لا يعود رقيقا حتى يقول قد عجزت وقيل عنه : إذا أدى أكثر مال الكتابة لم يرد إلى الرق واتبع بما بقي .
والرواية الثانية : أنه إذا عجز عن نجم واحد فلسيده فسخ الكتابة وهو قول الحارث العكلي و أبى حنيفة و الشافعي لأن السيد دخل على أن يسلم له مال الكتابة على الوجه الذي كاتبه عليه ويدفع إليه المال في نجومه فإذا لم يسلم له لم يلزمه عتقه ولما ذكرنا في الفصل الذي قبل هذا ولأنه عجز عن أداء النجم في وقته فجاز فسخ كتابته كالنجم الأخير .
ولنا ما روي عن علي Bه أنه قال : لا يرد المكاتب في الرق حتى يتوالى عليه نجمان ولأن ما بين النجمين محل لأداء الأول فلا يتحقق العجز عنه حتى يفوت محله بحلول الثاني .
فصل : وإذا حل النجم وماله حاضر عنده طولب بأدائه ولم يجز الفسخ قبل الطلب كما لا يجوز فسخ البيع والسلم بمجرد وجوب الدفع قبل الطلب فإن طلب منه فذكر أنه غائب عن المجلس في ناحية من نواحي البلد أو قريب منه على مسافة لا تقتصر فيها الصلاة يمكن إحضاره قريبا لم يجز فسخ الكتابة وأمهل بقدر ما يأتي به إذا طلب الإمهال لأن هذا يسير لا ضرر فيه وإن كان معه مال من غير جنس مال الكتابة فطلب الإمهال ليبيعه بجنس مال الكتابة أمهل وإن كان المال غائبا أكثر من مسافة القصر لم يلزم الإمهال وهذا قول الشافعي .
وقال أبو حنيفة : إن كان له مال حاضر أو غائب يرجو قدومه استؤني يومين وثلاثة لا أزيده على ذلك لأن الثلاثة آخر حد القلة والقرب لما بينا فيما مضى وما زاد عليها في حد الكثرة وهذا كله قريب بعضه من بعض فأما إذا كان قادرا على الأداء واجدا لما يؤديه فامتنع من أدائه وقال قد عجزت فقال الشريف أبو جعفر وجماعة من أصحابنا المتأخرين : يملك السيد فسخ الكتابة وهو ظاهر كلام الخرقي لقوله : إذا حل نجم فلفم يؤده حتى حل نجم آخر عجزه السيد إن أحب فعلق جواز الفسخ على عدم الأداء وهذا مذهب الشافعي .
وقال أبو بكر بن جعفر : ليس له ذلك ويجبر على تسليم العوض وهو قول أبي حنيفة و مالك و الأوزاعي وقد ذكرنا هذا فيما تقدم فأما إن كان قادرا على أداء المال كله ففيه رواية أخرى أنه يصير حرا بملك ما يؤدي وقد سبق ذكرها