الحكم في زواج المكاتب وتسرية وتزويج عبيده وإمائه وإعتاق رقيقه وأحكام التصرف في ماله وحجة وبيعه .
مسألة : قال : وليس له أن يتزوج إلا بإذن سيده .
وهذا قول الحسن و مالك و الليث و ابن أبي ليلى و أبي حنيفة و الشافعي و أبى يوسف وقال الحسن بن صالح : له ذلك لأنه عقد معاوضة أشبه البيع .
ولنا قول النبي A [ أيما عبد تزوج بغير إذن مواليه فهو عاهر ] ولأن على السيد فيه ضررا لأنه ربما عجز فيرجع إليه ناقص القيمة ويحتاج أن يؤدي المهر والنفقة من كسبه فيعجز عن تأدية نجومه فيمنع من ذلك كالتبرع به .
إذا ثبت هذا فإنه إذا تزوج لم يصح تزويجه وقال الثوري : نكاحه موقوف إن أدى تبينا أنه كان صحيحا وإن عجز فنكاحه باطل .
ولنا الخبر ولأنه تصرف منع منه للضرر فلم يصح كالهبة وما ذكره لا أصل له فإذا ثبت هذا فإنه يفرق بينهما فإن كان قبل الدخول فلا مهر لها وإن كان بعده فعليه مهر مثلها يؤدى من كسبه لأنه بمنزلة جنايته وإن أتت بولد نسبه لأنه من وطء في نكاح فاسد فإن كانت المرأة حر فهو حر وإن كانت أمه فولدها رقيق لسيدها فإما إن أذن له سيده في النكاح صح منه في قولهم جميعا فإن الخبر يدل بمفهومه على صحة تزويجه إذا أذن له ولأن المنع من نكاحه لحق سيده فإذا أذن له زال المانع ولأنه لو أذن لعبده القن في النكاح صح منه فالمكاتب أولى .
فصل : وليس له التسري بغير إذن سيده لأن ملكه غير تام وقال الزهري : لا ينبغي لأهله أن يمنعوه من التسري .
ولنا أن ملكه ناقص وعلى السيد فيه ضرر فيمنع منه كالتزويج وبيان الضرر فيه أنه ربما أحبلها والحبل مخوف في بنات آدم وربما تلفت وربما ولدت فصارت أم ولد فيمتنع عليه بيعها في أداء كتابتها وإن عجزت رجعت إلى السيد ناقصة فإذا منع من التزويج لضرره فهذا أولى فأما إن أذن له سيده في التسري جاز له .
وقال الشافعي : لا يجوز له ذلك وإن أذن فيه سيده في أحد القولين لأنه أمر يضر به وربما أفضى إلى منعه من العتق فلم يجز وإن أذن فيه سيده ولأنه ناقص الملك فلم يجز له التسري كوطء الجارية المشتركة .
ولنا أنه لو أذن لعبده القن في التسري جاز فالمكاتب أولى ولأن المنع كان لأجل الضرر بالسيد فجاز تأديبه كالتزويج إذا ثبت هذا فإنه إذا تسرى بإذن سيده أو غير إذنه فلا حد عليه لشبهة الملك ولا مهر عليه لأنه لو وجب لوجب له ولا يجب على الإنسان شيء لنفسه وإن حبلت فالنسب لا حق به لأن الحد إذا سقط بالشبهة لحقه النسب ويكون الولد مملوكا له لأنه ابن أمته ولا يعتق عليه لأن ملكه غير تام وليس له بيعه لأنه ولده ويكون موقوفا على كتابته فإن أدى عتق وعتق الولد لأنه ملك لأبيه الحر وإن عجز وعاد إلى الرق فولده رقيق أيضا ويكونان مملوكين للسيد فأما الأمة فإن ولدت قبل عتقه وعجزت فإنها تصير أم ولد للمكاتب وليس له بيعها نص عليه أحمد لأن ولدها له حرمة الحرية ولا يجوز بيعه ويعتق بعتق أبيه فكذلك أمه فعلى هذا لا يجوز بيعها وتكون موقوفة على المكاتب إن عتق فهي أو ولده وإن رق رقت .
وقال القاضي في موضع : لا تصير أم ولد بحال وله بيعها لأنه حملت بمملوك في ملك غير تام و للشافعي قولان كهذين الوجهين وإن وضعت بعد عتقه لأقل من ستة أشهر تبينا أنها حملت به في حال رقه فالحكم على ما مضى وإن أتت به لأكثر من ستة أشهر حكمنا حملته حرا لأننا لم نتيقن وجوده في حال الرق وتكون أم ولد لأنها علقت بحر في ملكه و للشافعي من التفصيل نحو مما ذكرنا .
فصل : وليس للمكاتب أن يزوج عبيده وإماءه بغير إذن سيده وهذا قول الشافعي و ابن المنذر وذكر عن مالك أن له ذلك إذا كان على وجه النظر لأنه عقد على منفعة فملكه كالإجارة وهو الذي قال أبو الخطاب في رؤوس المسائل .
وحكي عن القاضي أنه قال في الخصال : له تزويج الأمة دون العبد وهو قول أبي حنيفة لأنه يأخذ عوضا عن تزويجها بخلاف العبد ولأنه عقد ذمة على منافعها فأشبه إجارتها .
ولنا أن على السيد فيه ضررا لأنه إن زوج العبد لزمته نفقة امرأته ومهرها وشغله بحقوق النكاح ونقص قيمته وإن زوج الأمة ملك الزواج بضعها ونقصت قيمتها وقلت الرغبات فيها وربما امتنع بيعها بالكلية وليس ذلك من جهات المكاتب فربما عجزه ذلك عن أداء نجومه وإن عجز عاد رقيقا للسيد مع ما تعلق بهم من الحقوق ولحقهم من النقص فلم يجز له كإعتاقهم وفارق إجارة الدار فإنها من جهات المكاسب عادة فعلى هذا إن وجب تزويجهم لطلبهم ذلك وحاجتهم إليه باعهم فإن العبد متى طلب التزويج خير سيده بين بيعه وتزويجه وإن أذن له السيد في ذلك جاز لأن الحق له والمنع من أجله فجاز بإذنه .
فصل : وليس له إعتاق رقيقه إلا بإذن سيده وبهذا قال الحسن و الأوزاعي و مالك و الشافعي و أبو حنيفة لأن فيه ضررا على سيده بتفويت ماله فيما لا يحصل له به فأشبه الهبة فإن أعتق لم يصح إعتاقه ويتخرج أن يصح ويقف على إذن سيده .
وقال أبو بكر : هو موقوف على آخر أمر المكاتب فإن أدى عتق معتقه وإن لم يؤد رق قال القاضي : وهذا قياس المذهب كقولنا في ذوي الأرحام : أنهم موقوفون .
ولنا أنه تبرع بماله بغير أذن سيده فكان باطلا كالهبة ولأنه تصرف تصرفا منع منه لحق سيده فكان باطلا كسائر ما يمنع منه ولا يصح قياسه على ذوي أرحامه لأن عتق ذوي أرحامه ليس بتصرف منه وإنما يعتقهم الشرع على مالكهم بملكهم والمكاتب ملكه ناقص فلم يعتق به فإذا عتق كمل ملكه فعتقوا حينئذ والمعتق إنما يعتق بالإعتاق الذي كان باطلا فلا تتيقن صحته إذا كمل الملك لأن كمال الملك في الثاني لا يوجب كونه كاملا حين الإعتاق وكذلك لا يصح سائر تبرعاته بأدائه فأما إن أذن فيه سيده صح قال الشافعي في أحد القولين : لا يصح لأن تبرعه بماله يفوق المقصود من كتابته وهو العتق الذي هو حق الله تعالى أو فيه حق له فلا يجوز تفويته ولأن العتق لا ينفك من الولاء والعبد ليس من أهله ولأن ملك المكاتب ناقص والسيد لا يملك إعتاق ما في يده ولا هبته فلم يصح لأنه فيه .
ولنا أن الحق لا يخرج عنهما فإذا اتفقا على التبرع به جاز كالراهن والمرتهن وما ذكروه يبطل بالنكاح فإنه لا يملك ولا يملكه السيد عليه وإذن له فيه جاز وأما الولاء فإنه يكون موقوفا فإن عتق المكاتب كان له وإلا فهو لسيده كما يرق مماليكه من ذوي أرحامه هذا قول القاضي وقال القاضي أبو بكر : يكون لسيده لأن إعتاقه أنا صح بإذن سيده فكان كالنائب له .
فصل : والمكاتب محجور عليه فماله فليس له استهلاكه ولا هبته وبهذا قال الحسن و مالك و الثوري و الشافعي وأصحاب الرأي ولا أعلم فيه مخالفا لأن حق سيده لم ينقطع عنه لأنه قد يعجز فيعود إليه ولأن القصد من الكتابة تحصيل العتق بالأداء وهبة ماله تفوت ذلك وإن أذن فيه سيده جاز و قال أبو حنيفة لا يجوز لأنه يفوت المقصود بالكتابة وعن الشافعي فيه كالمذهبين .
ولنا أن الحق لا يخرج عنهما فجاز باتفاقهما كالراهن والمرتهن فأما الهبة بالثواب فلا تصح وقال الشافعي في أحد قوليه : تصح لأن فيها معاوضة .
ولنا أن الاختلاف في تقدير الثواب يوجب الغرر فيها ولأن عوضها يتأخر فتكون كالبيع نسيئة وإن أذن فيها السيد جازت وإن وهب لسيده جاز لأن قبوله الهبة إذن فيها وكذلك إن وهب لابن سيده الصغير .
فصل : ولا يحابي في البيع ولا يزيد في الثمن الذي اشتري به ولا يعير دابته ولا يهدي هدية وأجاز ذلك أصحاب الرأي ويحتمل جواز إعادة دابتة وهدية المأكول ودعائه إليه لأن ذلك يجوز للمأذون له ولا ينحط المكاتب عن درجته ووجه الأول أنه تبرع بماله فلم يجز كالهبة ولا يوصي بماله ولا يحط عن المشتري شيئا ولا يقرض ولا يضمن ولا يتكفل بأحد وبه قال الشافعي وأصحاب الرأي لأن ذلك تبرع بماله فمنع منه كالهبة .
فصل : وليس له أن يحج إن احتاج إلى إنفاق ماله فيه ونقل الميموني عن أحمد للمكاتب أن يحج من المال الذي جمعه إذا لم يأت نجمه وهذا محمول على أنه يحج بإذن سيده أما بغير إذنه فلا يجوز لأنه تبرع بما ينفق مالا فيه فلم يجز كالعتق ؟ .
فأما إن أمكنه الحج من غير إنفاق ماله كالذي تبرع إنسان بإحجاجه أو يخدم من ينفق عليه فيجوز إذا لم يأت لأن هذا يجري مجرى تركة وليس للكسب وليس ذلك مما يمنع منه .
فصل : وليس للمكاتب أن يكاتب إلا بإذن سيده وهذا قول الشافعي و الحسن لأن الكتابة نوع إعتاق فلم تجز من المكاتب كالمنجز ولأنه لا يملك الإعتاق فلم يملك الكتابة كالمأذون له في التجارة واختار القاضي جواز الكتابة وهو الذي ذكره أبو خطاب في رؤوس المسائل وهو قول مالك و أبي حنيفة و الثوري و الأوزاعي لأنه نوع معاوضة فأشبه البيع وقال أبو بكر : هو موقوف كقوله في العتق المنجز فإن أذن فيها السيد صحت وقال الشافعي : فيها قولان وقد ذكرنا فيما تقدم فإذا كاتب عبده فعجزا جميعا صار رفيقين للسيد وإن أدى المكاتب الأول ثم الثاني فولاء كل واحد منهما لمكاتبه وإن أدى الأول وعجز الثاني صار رقيقا للأول وإن عجز الأول وأدى الثاني فولاءه للسيد الأول وإن أدى الثاني قبل عتق الأول عتق قال أبو بكر : وولاءه للسيد وهو قول أبي حنيفة لأن العتق لا ينفك عن الولاء والولاء لا يوقف لأنه سبب يورث به فهو كالنسب ولأن الميراث لا يقف كذلك سببه وقال القاضي : هو موقوف إن أدى عتق والولاء له وإلا فهو للسيد وهذا أحد قولي الشافعي لقول النبي A [ إنما الولاء لمن أعتق ] ولأن العبد ليس بملك له ولا يجوز أن يثبت له الولاء على من لم يعتق في ملكه من لم يعتق في ملكه وقولهم لا يجوز أن يقف كما لا يقف النسب والميراث فليس كذلك فإن النسب يقف على بلوغ الغلام وانتسابه إذا لم تلحقه القافة بأحد الواطئين وكذلك الميراث يوقف على أن الفرق بين النسب والميراث وبين الولاء أن الولاء لا يجوز أن يقع لشخص ثم ينتقل وهو ما يجره موالى الأب من مولى الأم فجاز أن يكون موقوفا والنسب والميراث بخلاف ذلك فإن مات المعتق قبل عتق المكاتب وقلنا الولاء للسيد ورثه وإن قلنا هو موقوف فميراثه أيضا موقوف .
فصل : وليس له أن يبيع نسيئة وإن باع السلعة بأضعاف قيمتها وهذا مذهب الشافعي لأن فيه تغريرا بالمال وهو ممنوع من التغرير بالمال لتعلق حق السيد به .
قال القاضي : ويتخرج الجواز بناء على الضارب أن له البيع نسيئة في إحدى الروايتين فيخرج ههنا مثله وسواء أخذ بالثمن ضمينا أو رهنا أولم يأخذ لأن الغرر لم يزل فإن الرهن يحتمل أن يتلف ويحتمل أن يفلس الغريم والضمين ويحتمل أن يجوز مع الرهن أو الضمين لأن الوثيقة قد حصلت به والعوارض نادرة على خلاف الأصل فإن باع بأكثر مما يساوي حالا وجعل الزيادة مؤجلة جاز لأن الزيادة ربح وإن اشترى نسيئة جاز لأنه لا غرر فيه ولا يجوز أن يدفع به رهنا لأن الرهن أمانة وقد يتلف أو يجحده الغريم وليس له أن يدفع ماله سلما لأنه في معنى البيع نسيئة وله أن يستلف في ذمته لأنه في معنى الشراء نسيئة وليس له أن يقرض لأنه تبرع بالمال وفيه خطر به وله أن يقترض لأنه ينتفع بالمال وليس له أن يدفع ماله مضاربة لأنه يسلمه إلى غيره فيغرر به وله أن يأخذ المال قراضا لأنه من أنواع الكسب ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله على ما ذكرنا .
فصل : وللمكاتب أن يبيع ويشتري بإجماع من أهل العلم لأن عقد الكتابة لتحصيل العتق ولا يحصل إلا بأداء عوضه ولا يمكنه الأداء إلا بالاكتساب والبيع والشراء من أقوى جهات الاكتساب فإنه قد جاء في بعض الآثار أن تسعة أعشار الرزق في التجارة وله أن يأخذ ويعطي فيما فيه الصلاح لماله والتوفير عليه وله أن ينفق مما في يده من المال على نفسه في مأكله ومشربه وكسوته بالمعروف مما لا غناء له عنه وعلى رقيقه والحيوان الذي له وله تأديب عبيده وتعزيرهم إذا فعلوا ما يستحقون ذلك لأنه من مصلحة ملكه فملكه كالنفقة عليهم ولا يملك إقامة الحد عليهم لأن هذا موضع ولايته وليس هو من أهلها وله المطالبة بالشفعة والأخذ بها لأنه نوع شراء فإن كان المشتري للشقص سيده فله أخذه منه لأن له أن يشتري منه وإن اشترى المكاتب شقصا لسيده فيه شركة فله أخذه من المكاتب بالشفعة لأنه مع سيده في باب البيع والشراء كالأجنبي وإن وجبت للسيد على مكاتبه شفعة فادعى المكاتب أن سيده عفا عنها سمعت دعواه وإن أنكره السيد كان عليه اليمين وإن أذن السيد لمكاتبه في البيع بالمحاباة صح منه وكان لسيده الأخذ بالشفعة لأن بيعه بالمحاباة مع إذن سيده فيه صحيح و يصح إقرار المكاتب بالبيع والشراء والعيب والدين لأنه يصح تصرفه فيه بذلك ومن ملك شيئا فله الإقرار به