حكم سفر المكاتب وسؤاله .
مسألة : ولا يمنع المكاتب من السفر .
وجملته أن المكاتب لا يمنع من السفر قريبا كان أو بعيدا وهذا قول الشعبي و النخعي و سعيد بن جبير و الثوري و الحسن بن صالح و أبي حنيفة ولم يفرق أصحابنا بين السفر الطويل وغيره لكن قياس المذهب أن له منعه من سفر تحل نجوم كتابته قبله لأنه يتعذر معه استيفاء النجوم في وقتها والرجوع في وقته عند عجزه فمنع منه كالغريم الذي يحل عليه الدين قبل مدة سفره واختلف قول الشافعي فقال في موضع : له السفر وفي قول ليس له السفر فقال بعض أصحابه : فيها قولان وقال بعضهم : ليست على قولين إنما هي على اختلاف حالين فالموضع الذي قال له السفر إذا كان قصيرا لأنه في حكم الحاضر والموضع الذي منع منه إذا كان بعيدا يتعذر معه استيفاء نجومه والرجوع في رقه عند عجزه .
ولنا أن المكاتب في يد نفسه وإنما للسيد عليه دين فأشبه الحر المدين وما ذكروه لا أصل له ويبطل بالحر الغريم .
فصل : فإن شرط عليه في الكتابة أن لا يسافر فقال القاضي : الشرط باطل وهو قول الحسن و سعيد بن جبير و الشعبي و النخعي و أبي حنيفة لأنه ينافي مقتضى العقد فلم يصح شرطه كشرط ترك الاكتساب ولأنه غريم فلم يصح شرط ترك السفر عليه كما لو أقرضه رجل قرضا بشرط أن لا يسافر وقال أبو الخطاب : يصح الشرط وله منعه من السفر وهو قول أبي مالك لقول النبي A [ المسلمون على شروطهم ] ولأنه شرط له فيه فائدة فلزم كما لو شرط نقدا معلوما وبيان فائدته أنه لا يأمن إباقة وأنه لا يرجع إلى سيده فيفوت العبد الذي عليه ويفارق القرض فإنه عقد جائز من جانب المقرض متى شاء طالب بأخذه ومنع الغريم من السفر قبل إيفائه فكان المنع من السفر حاصلا بدون شرطه بخلاف الكتابة فإنه لا يمكن السيد منعه من السفر إلا بشرطه وفيه حفظ عبده وماله فلا يمنع من تحصيله وهذا أصح إن شاء الله تعالى وأولى فعلى هذا الوجه لسيده منعه من السفر فإن سافر بغير إذنه فله رده إن أمكنه وإن لم يمكنه رده احتمل أن له تعجيزه ورده إلى الرق لأنه لم يف بما شرطه عليه أشبه ما لو لم يف بأداء الكتابة وأحتمل أن لا يملك ذلك لأنه مكاتب كتابة صحيحه لم يظهر عجزه فلم يملك تعجيزه كما لو لم يشترط عليه .
فصل : وإن شرط في كتابته أن لا يسأل فقال أحمد : قال جابر بن عبد الله هم على شروطهم إن رأيته يسأل تنهاه فإن قال لا أعود لم يرده عن كتابه في مرة فظاهر هذا أن الشرط صحيح لازم وأنه إن خالف مرة لم يعجزه وإن خالف مرتين أو أكثر فله تعجيزه قال أبو بكر : إذا رآه يسأل مرة في مرة عجزه كما إذا حل نجم في نجم عجزه فاعتبر المخالفة في مرتين كحلول نجمين وإنما صح الشرط لقوله A [ المسلمون على شروطهم ] ولأن له في هذا فائدة وغرضا صحيحا وهو أن لا يكون كلا على الناس ولا يطعمه من صدقتهم وأوساخهم .
وذكر أبو الخطاب أنه لا يصح الشرط لأن الله تعالى جعل للمكاتب سهما من الصدقة بقوله تعالى { وفي الرقاب } وهم المكاتبون فلم يصح اشتراط ترك طلب ما جعله الله تعالى له