ما لو كانت دابة أو عين في يد غيرهما واعترف أو أنكر .
مسألة قال : ولو كانت الدابة في يد غيرهما واعترف أنه يملكها وأنها لأحدهما لا يعرفه عينا قرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وسلمت إليه .
وجملته أن رجلين إذا تداعيا عينا في يد غيرهما فأنكرهما القول قوله مع يمينه بغير خلاف نعلمه وإن اعترف أنه لا يملكها قال : لا أعرف صاحبها أو قال : هي لأحدكما لا أعرفه عينا أقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف أنها له وسلمت إليه لما [ روى أبو هريرة أن رجلين تداعيا عينا لم تكن لواحد منهم بينة فأمرهما النبي A أن يستهما على اليمين أحبا أم كرها ] رواه أبو داود ولأنهما تساويا في الدعوى ولا بينة لواحد منهما ولا يد والقرعة تميز عند التساوي كما لو اعتق عبيدا لا مال له غيرهم في مرض موته وأما إن كانت لأحدهما بينة حكم بها بغير حكم بها بغير خلاف نعلمه وإن كانت لكل واحد منهما ففيه روايتان ذكرهما أبو الخطاب : .
إحداهما : تسقط البينتان ويقترع المدعيان على اليمين كما لو لم تكن بينة وهذا الذي ذكره القاضي وهو ظاهر كلام الخرقي لأنه ذكر القرعة ولم يفرق بين أن تكون معهما بينة أو لم تكن وروي هذا عمر وابن الزبير وبه قال إسحاق و أبو عبيد وهو رواية عن مالك وقديم قولي الشافعي وبذلك لما روى ابن المسيب [ أن رجلين اختصما إلى رسول الله A في أمر وجاء مل منهما بشهود عدول على عدة واحدة فأسهم النبي A بينهما ] رواه الشافعي في مسنده ولأن البينتين حجتان تعرضتا من غير ترجيح إحداهما على الأخرى فسقطتا كالخبرين .
والرواية الثانية : تستعمل البينتان وفي كيفية استعمالهما روايتان إحداهما تقسم العين بينهما وهو قول الحارث العكلي و قتادة و ابن شبرمة و حماد و أبي حنيفة وقول الشافعي لما روى أبو موسى أن رجلين اختصما إلى رسول الله A في بعير وأقام كل واحد منهما البينة أنه له فقضى رسول الله A به بينهما نصفين ولأنهما تساويا في دعواه فيتساويان في قسمته .
والرواية الثانية : تقدم إحداهما بالقرعة وهو قول الشافعي وله قول رابع يوقف الأمر حتى يتبين وهو قول أبي ثور لأنه اشتبه الأمر فوجب التوقف كالحاكم إذا لم يتضح له الحكم في قضيته .
ولنا الخبران وإن تعارض الحجتين لا يوجب التوقف كالخبرين بل إذا تعذر الترجيح أسقطناهما ورجعنا إلى دليل غيرهما إذا ثبت هذا فإننا إذا قلنا إن البينتين تسقطان أقرع بينهما فمن خرجت له قرعته حلف وأخذها كما لو لم تكن لهما بينة وإن قلنا يعمل في البينتين ويقرع بينهما فمن خرجت له القرعة أخذها من غير يمين وهذا قول الشافعي لأن البينة تغني عن اليمين قال أبو الخطاب : عليه اليمين مع البينة ترجيحا لها وعلى هذا القول تكون هذه الرواية كالأولى في هذا الحكم وإنما يظهر الفرق بينهما في شيء آخر سنذكره إن شاء الله تعالى .
فصل : فإن أنكرهما من العين في يده وكانت لأحدهما بينة حكم له بها وإن أقام كل واحد منهما بينة فإن قلنا تستعمل البينتان أخذت العين من يده وقسمت بينهما على قول من يرى القسمة أو تدفع إلى من تخرج له القرعة على قول من يرى ذلك وإن قلنا تسقط البينتان حلف صاحب اليد وأقرت في يده كما لو لم تكن لهما بينة وإن اقر بها بعد ذلك لهما أو لأحدهما قبل إقراره وإن أقر بها في الابتداء لأحدهما صار منهما المقر له صاحب اليد لأن من هي في يده مقر بأن يده نائبه عن يده وإن أقر لهما جميعا فاليد لكل واحد منهما في الجزء الذي أقر به لذلك .
فصل : وإن تداعيا عينا في يد غيرهما فقال : هي لأحدكما لا أعرفه عينا أو قال : لا أعرف صاحبها أهو أحدكما أو غيركما أو قال : أودعنيها أحدكما أو رجل لا أعرفه عينا فادعى كل واحد منهما أنك تعلم أني صاحبها أو أني الذي أودعتكها أو طلبت يمينه لزمه أن يحلف له لأنه لو أقر له لزمه تسليمها إليه ومن لزمه الحق مع الإقرار لزمته اليمين مع الإنكار ويحلف على ما دعاه من نفي العلم وإن صدقاه فلا يمين عليه وإن صدقه أحدهما حلف للآخر وإن أقر بها لواحد منهما أو غير صار المقر له صاحب اليد فإن قال غير المقر له احلف لي أن العين ليست ملكي أو أني لست الذي أودعتكها لزمه اليمين على ما ادعاه من ذلك لما ذكرنا وإن نكل عن اليمين قضي عليه بقيمتها وإن اعترف بها لهما كان الحكم فيها كما لو كانت في أيديهم ابتداء وعليه اليمين لكل واحد منهما في النصف المحكوم به لصاحبه وعلى كل واحد منهما اليمين لصاحبه في النصف المحكوم له به .
فصل : وإذا كان في يد رجل دار فادعاها نفسان قال أحدهما آجرتكها وقال الآخر هي داري أعرتكها أو قال هي داري ورثتها من أبي أو قال هي داري ولم يذكر شيئا آخر فأنكرها صاحب اليد وقال : هي داري فالقول قوله مع يمينه وإن كان لأحدهما بينة حكم له بها وإن أقام كل واحد منهما بما ادعاه بينة تعارضتا وكان الحكم على ما ذكرنا فيما مضى إلا على الرواية التي تقدم فيها البينة الشاهدة بالسبب فإن بينة من ادعى أنه ورثها مقدمة لشهادتها بالسبب وإن أقام أحدهما بينة أنه غصبها منه وأقام الآخر بينة أنه أقر له بها فهي للمغصوب منه ولا تعارض بينهما لأن الجمع بينهما ممكن بأن يكون غصبها من هذا وأقر بها لغيره وإقرار الغاصب باطل وهذا مذهب الشافعي فتدفع إلى المغصوب منه ولا يغرم للمقر له شيئا لأنه ما حاب بينه وبينها وإنما حالت البينة بينهما ولو أقر بها لأحدهما أو أقر أنه غصبها من غيره لزمه تسليمها إلى من أقر له بها أولا ولزمه غرامتها للآخر لأنه حال بينه وبينها بإقراره الأول .
فصل : نقل ابن منصور عن أحمد في رجل أخذ من رجلين ثوبين أحدهما بعشرة والآخر بعشرين ثم لم يدر أيهما ثوب هذا من ثوب هذا فادعى أحدهما ثوبا من هذين الثوبين يعني وادعاه الآخر يقرع بينهما فأيهما أصابته القرعة حلف وكان الثوب الجيد له والآخر للآخر وإنما قال ذلك لأنهما تنازعا عينا في يد غيرهما