الحقوق ضربان .
فصل : والحقوق على ضربين : أحدهما : ما هو حق الآدمي والثاني : ما هو حق الله تعالى فحق الآدمي ينقسم قسمين : أحدهما : ما هو مال أو المقصود منه المال فهذه تشرع فيه اليمين بلا خلاف بين أهل العلم فإذا لم تكن للمدعي بينة حلف المدعى عليه وبرئ وقد ثبت هذا في قصة الحضرمي والكندي اللذين اختلفا في الأرض وعموم قول النبي A [ ولكن اليمين على المدعى عليه ] القسم الثاني : ما ليس بمال ولا المقصود منه المال وهو كل ما لا يثبت إلا بشاهدين كالقصاص وحد القذف والنكاح والطرق والرجعة والعتق والنسب والاستيلاء والولاء والرقة ففيه روايتان : أحدهما : لا يستحلف المدعى عليه ولا تعرض عليه اليمين قال أحمد : لم أسمع من مضى جوزوا الأيمان إلا في الأموال والعروض خاصة وهذا قول مالك ونحوه قول أبي حنيفة فإنه قال : لا يستحلف في النكاح وما يتعلق به من دعوى الرجعة والفيئة في الإيلاء ولا في الرق وما يتعلق به من الاستيلاء والولاء والنسب لأن هذه الأشياء لا يدخلها البدل وإنما تعرض اليمين فيما يدخله بدل فإن المدعى عليه يخير بين أن يحلف أو يسلم ولأن هذه الأشياء لا تثبت إلا بشاهدين ذكرين فلا تعرض فيها اليمين كالحدود والرواية الثانية : يستحلف في الطلاق والقصاص والقذف وقال الخرقي إذا قال أرجعتك فقالت انقضت عدتي قبل رجعتك فالقول قولها مع يمينها وإذا اختلفا في مضي أربعة أشهر فالقول قوله مع يمينه فيخرج من هذا أن يستحلف في كل حق لآدمي وهذا قول الشافعي و أبي يوسف و محمد لقول النبي A [ لو يعطى الناس بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه ] أخرجه مسلم وهذا عام في كل مدعى عليه وهو ظاهر في دعوى الدماء لذكرها في الدعوى مع عموم الأحاديث ولأنها دعوى صحيحة في حق لادمي فجاز أن يحلف المدعى عليه كدعوى المال الضرب الثاني : حقوق الله تعالى وهو نوعان أحدهما : الحدود فلا تشرع فيها يمين ولا نعلم في هذا خلافا لأنه لو أقر ثم رجع عن إقراره قبل منه وخلي من غير يمينه فلأن لا يستحلف مع عدم الإقرار أولى ولأنه يستحب ستره والتعريض للمقر به بالرجوع عن إقراره وللشهود بترك الشهادة والستر عليه [ قال النبي A لهزال في قصة ماعز : يا هزال لو سترته بثوبك لكان خيرا لك ] فلا تشرع فيه يمين بحال النوع الثاني : الحقوق المالية كدعوى الساعي الزكاة على رب المال وأن الحول قد تم وكمل النصاب فقال أحمد : القول قول رب المال من غير يمين ولا يستحلف الناس على صدقاتهم وقال الشافعي و أبو يوسف و محمد : يستحلف لأنها دعوى مسموعة أشبه حق الآدمي .
ولنا أنه حق لله تعالى أشبه الحد ولأن ذلك عبادة فلا يستحلف عليها كالصلاة ولو ادعى عليه أن عليه كفارة يمين أو ظاهر أو نذر صدقة أو غيرها فالقول قوله في نفي ذلك من غير يمين ولا تسمع الدعوى في هذا ولا في حد لله تعالى لأنه لا حق للمدعي فيه ولا ولاية له عليه مثل أن يدعي سرقة ماله ليضمن السارق أو يأخذ منه ما سرقه أو يدعي عليه الزنا بجاريته ليأخذ مهرها منه سمعت دعواه ويستحلف المدعى عليه لحق الآدمي دون حق الله تعالى