فيمن ادعى دعوى وذكر أن بينته بالبعد وفيما لو طلب حبس المدعي عليه .
مسألة : قال ومن ادعى دعوى وذكر أن بينته بالبعد منه فحلف المدعي عليه ثم أحضر المدعي بينته حكم ولم تكن اليمين مزيلة للحق .
وجملته أن المدعي إذا ذكر أن بينته بعيدة عنه أو لا يمكنه إحضارها أو لا يريد إقامتها فطلب اليمين من المدعى عليه أحلف له ثم أحضر المدعي ببينة حكم له وبهذا قال شريح و الشعبي و مالك و الثوري و الليث و الشافعي و أبو حنيفة و أبو يوسف و إسحاق وحكى عن أبن أبي ليلى و داود أن بينته لا تسمع لأن اليمين حجة المدعى عليه فلا تسمع بعدها حجة المدعي كما لا تسمع يمين المدعى عليه بعد البينة المدعي .
ولنا قول عمر Bه : البينة الصادقة أحب إلي من اليمين الفاجرة وظاهر هذه البينة الصدق ويلزم من صدقها فجور اليمين المتقدمة فتكون أولى ولأن كل حالة يجب عليه الحق فيها بإقراره يجب عليه بالبينة كما قبل اليمين وما ذكروه لا يصح لأن البينة الأصل واليمين بدل عنها ولهذا لا تشرع إلا عند تعذرها والبدل يبطل بالقدرة على المبدل كبطلان التيمم بالقدرة على الماء ولا يبطل الأصل بالقدرة على البدل ويدل على الفرق بينهما أنهما حال اجتماعها وإمكان سماعهما تسمع البينة ويحكم بها ولا تسمع اليمين ولا يسأل عنها .
فصل : فإن طلب المدعي حبس المدعى عليه أو إقامة كفيل به إلى أن تحضر بينته البعيدة لم يقبل منه ولم يكن ملازمة خصمه نص عليه أحمد لأنه لم يثبت له قبله حق يحبس به ولا يقيم به كفيل ولأن الحبس عذاب فلا يلزم معصوما لم يتوجب عليه حق ولأنه لو جاز ذلك لتمكن كل ظالم من حبس من شاء بغير حق وإن كانت بينته قريبة فله ملازمته حتى يحضرها لأن ذلك من ضرورة إقامتها فإنه لو لم يتمكن من ملازمته لذهب من مجلس الحاكم ولا تمكن إقامتها إلا بحضرته ولأنه لما تمكن من إحضار مجلس الحاكم ليقيم البينة عليه تمكن من ملازمته فيه حتى تحضر البينة وتفارق البينة البعيدة أو من لا يمكن حضورها فإنه إلزامه الإقامة إلى حين حضورها يحتاج إلى حبس أو ما تفارق أو ما يقوم مقامة ولا سبيل إليه .
فصل : ولو أقام المدعي شاهدا واحدا ولم يحلف معه وطلب يمين المدعى عليه أحلف له ثم إن أحضر شاهدا آخر بعد ذلك كملت بينته وقضي بها لما ذكرنا في التي قبلها وإن فال المدعي : لي بينة حاضرة وأريد إحلاف المدعى عليه ثم أقيم البينة عليه ففيه وجهان : .
أحدهما : له ذلك ويستحلف خصمه لأنه يملك استحلافه إذا كانت بينته بعيدة فكذلك إذا كانت قريبة ولأنه لو قال أريد إقامة بينتي القريبة ملك استحلافه فكذلك إذا راد إقامتها .
الثاني : لا يملك استحلافه لأن في البينة غنية عن اليمين فلم تشرع معها ولأن البينة أصل واليمين بدل فلا يجمع بين البدل والأصل كاليتيم مع الماء وفارق البعيدة فإنها في الحال كالمعدومة للعجز عنها وكذلك التي يريد إقامتها لأنه قد تكون عليه مشقة في إحضارها أو عليها في الحضور مشقة فيسقط ذلك للمشقة بخلاف التي يريد إقامتها