تجوز شهادة أهل الكتاب في الوصية في السفر ولا تجوز في غير ذلك .
مسألة : قال : وتجوز شهادة الكفار من أهل الكتاب في الوصية في السفر إذا لم يكن غيرهم .
وجملته أنه إذا شهد بوصية المسافر الذي مات في سفره شاهدان من أهل الذمة قبلت شهادتهما إذا لم يوجد غيرهما ويستحقان بعد العصر ما خانا ولا كتما ولا اشتريا به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين .
قال ابن المنذر : وبهذا قال أكابر الماضين يعني الآية التي في سورة المائدة وممن قاله شريح و النخعي و الأوزاعي و يحيى بن حمزة وقضى بذلك ابن مسعود وأبو موسى Bهما .
وقال أبو حنيفة و مالك و الشافعي : لا تقبل لأن من تقبل شهادته على غير الوصية لا تقبل في الوصية كالفاسق ولأن الفاسق لا تقبل شهادته فالكافر أولى واختلفوا في تأويل الآية فمنهم من حملها على التحمل دون الأداء ومنهم قال : المراد بقوله من غيركم أي من غير عشيرتكم ومنهم من قال : الشهادة في الآية اليمين .
ولنا قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت } هذا نص الكتاب وقد قضى به رسول الله A وأصحابه [ فروى ابن عباس قال : خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن زيد فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم فلما قدما بتركته فقدوا جام فضة مخوصا بالذهب فأحلفهما رسول الله A ثم وجدوا الجام بمكة فقالوا : اشتريناه من تميم وعدي فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم ] فنزلت فيهم { يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم } الآية .
وعن الشعبي أن رجلا من للمسلمين حضرته الوفاة بدقوقا ولم يجد أحدا من المسلمين يشهد على وصيته فأشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة فأتيا الأشعري فأخبراه وقدما بتركته ووصيته فقال : الأشعري : هذا أمر لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله A فأحلفهما بعد العصر ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا وإنها لوصية الرجل وتركته فأمضى شهادتهما رواهما أبو داود في سننه .
وروى الخلال حديث أبي موسى بإسناده : وحمل الآية على أنه أراد من غير عشيرتكم لا يصح لأن الآية نزلت في قضية عدي وتميم بلا خلاف بين المفسرين وقد فسرها بما قلنا سعيد بن المسيب والحسن وابن سيرين وعبيده وسعيد بن جبير والشعبي وسلمان التيمي وغيرهم ودلت عليه الأحاديث التي رويناه و لأنه لو صح ما ذكروه لم تجب الأيمان لأن الشاهدين من المسلمين لا قسامة عليهم وحملها على التحمل لا يصح لأنه أمر بأحلافهم ولا أيمان في التحمل وحملها على اليمين لا يصح لقوله { فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله } الآية ولأنه عطفها على ذوي العدل من المؤمنين وهما شاهدان .
وروى أبو عبيد في الناسخ والمنسوخ أن ابن مسعود قضى بذلك في زمن عثمان قال أحمد : أهل المدينة ليس عندهم حديث أبي موسى من أين يعرفونه ؟ فقد ثبت هذا الحكم بكتاب الله وقضاء رسول الله A وقضاء الصحابة به وعملهم بما ثبت في الكتاب والسنة فتعين المصير إليه والعمل به سواء وافق القياس أو خالفه .
مسألة : قال : ولا تجوز شهادتهم في غير ذلك .
مذهب أبي عبد الله أن شهادة أهل الكتاب لا تقبل في شيء على مسلم ولا كافر غير ما ذكرنا رواه عنه نحو عشرين نفسا وممن قال لا تقبل شهادتهم الحسن و ابن أبي ليلى و الأوزاعي و مالك و الشافعي و أبو ثور ونقل حنبل عن أحمد أن شهادة بعضهم على بعض لم تقبل وخطأه الخلال في نقله هذا وكذلك صاحبه أبو بكر قال : هذا لا شك فيه وقال ابن حامد : المسألة على روايتين وقال أبو حفص البرمكي : تقبل شهادة السبي بعضهم لبعض في النسب إذا ادعى أحدهما أن الآخر أخوه والمذهب الأول والظاهر غلط من روى خلاف ذلك وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن شهادة بعض على بعض تقبل ثم اختلفوا فمنهم من قال : الكفر كله ملة واحدة فتقبل شهادة اليهودي على النصراني وشهادة النصراني على اليهودي هذا قول حماد و سوار و الثوري و البتي و أبي حنيفة وأصحابه وعن قتادة و الحكم و أبي عبيد و إسحاق : تقبل شهادة كل ملة بعضها على بعض ولا تقبل شهادة يهودي على نصراني ولا نصراني على يهودي وروي عن الزهري و الشعبي كقولنا وكقولهم واحتجوا بما روي عن جابر أن النبي A [ أجاز شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض ] ورواه ابن ماجة ولأن بعضهم يلي بعض فتقبل شهادة بعضهم على بعض كالمسلمين .
ولنا قول الله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } وقال تعالى : { واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء } والكافر ليس بذي عدل ولا هو منا ولا من رجالنا ولا ممن ترضاه ولأنه لا تقبل شهادته على غير أهل دينه فلا تقبل على أهل دينه كالحربي والخبر يرويه مجالد وهو ضعيف وإن ثبت فيحتمل أنه أراد اليمين فإنها تسمى شهادة قال الله تعالى في اللعان { فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين } وأما الولاية فمتعلقها القرابة والشفقة وقرابتهم ثابتة وشفقتهم كشفقة المسلمين وجازت لموضع الحاجة فإن غير أهل دينهم لا يلي عليهم والحاكم يتعذر عليه ذلك لكثرتهم بخلاف الشهادة فإنها ممكنة من المسلمين وقد روي عن معاذ [ أن النبي A كان لا يقبل شهادة أهل دين إلا المسلمين فإنهم عدول على أنفسهم وعلى غيرهم ]