لعب النردشير والقمار والشطرنج والحمام يرد الشهادة .
فصل : في اللعب كل لعب فيه قمار فهو محرم أي لعب كان وهو من الميسر الذي أمر الله تعالى باجتنابه ومن تكرر منه ذلك ردت شهادته وما خلا من القمار وهو اللعب الذي لا عوض فيه من الجانبين ولا من أحدهما فمنه ما هو محرم ومنه ما هو مباح فأما المحرم فاللعب بالنرد وهذا قول أبي حنيفة وأكثر أصحاب الشافعي قال بعضهم : وهم مكروه غير محرم .
ولنا ما روى أبو موسى قال : سمعت رسول الله A قال : [ من لعب بالنردشير فقد عصى الله ورسوله ] وروى بريدة أن النبي A قال [ من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم الخنزير ودمه ] رواهما أبو داود وكان سعيد بن جبير إذا مر على أصحاب النردشير لم يسلم عليهم .
إذا ثبت هذا فمن تكرر منه اللعب به لم تقبل شهادته سواء لعب قمارا أو غير قمار وهذا قول أبي حنيفة و مالك وظاهر مذهب الشافعي قال مالك : من لعب بالنرد فلا أرى شهادته طائلة لأن الله تعالى قال : { فماذا بعد الحق إلا الضلال ؟ } وهذا ليس من الحق فيكون من الضلال .
فصل : فأما الشطرنج فهو كالنرد في التحريم إلا أن النرد آكد منه في التحريم لورود النص في تحريمه ولكن هذا في معناه فيثبت فيه حكمه قياسا عليه .
وذكر القاضي أبو حسين ممن ذهب إلى تحريمه علي ابن أبي طالب وابن عمر وابن عباس وسعيد بن المسيب و القاسم و سالما و عروة و محمد بن علي بن الحسين و مطر الوراق و مالكا وهو قول أبي حنيفة وذهب الشافعي إلى إباحته وحكى ذلك أصحابه عن أبي هريرة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير واحتجوا بأن الأصل الإباحة ولم يرد بتحريمها نص ولا هي في المعنى المنصوص عليه فتبقى على الإباحة ويفارق الشطرنج النرد من وجهين : .
أحدهما : أن الشطرنج تدبير الحرب فأشبه اللعب بالحراب والرمي بالنشاب والمسابقة بالخيل .
والثاني : أن المعول في النرد على ما يخرجه الكعبتان فأشبه الأزلام والمعول في الشطرنج على حذقه بتدبيره فأشبه المسابقة بالسهام .
ولنا قول الله تعالى : { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } قال علي Bه : الشطرنج من الميسر ومر علي Bه على قوم يلعبون بالشطرنج فقال ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون ؟ قال أحمد أصح ما في الشطرنج قول علي Bه .
وروى واثلة بن الأسقع Bه قال : قال رسول الله A : [ إن شاء الله D ينظر في كل يوم ثلاثمائة وستين ليس لصاحب الشاه فيها نصيب ] رواه أبو بكر بإسناده ولأنه لعب يصد عن ذكر الله تعالى وعن الصلاة فأشبه اللعب بالنرد .
وقولهم : لا نص فيها قد ذكرنا فيها نصا وهي أيضا في المعنى النرد المنصوص على تحريمه وقولهم إن فيها تدبير الحرب قلنا : لا يقصد هذا منها وأكثر اللاعبين بها إنما يقصدون منها اللعب أو القمار وقولهم : إن المعول فيها على تدبيره فهو أبلغ في اشتغاله بها وصدها عن ذكر الله والصلاة .
إذا ثبت هذا فقال أحمد : النرد أشد من الشطرنج وإنما قال لورود النص في النرد والإجماع على تحريمها بخلاف الشطرنج وإذا ثبتتحريمها فقال القاضي : هوكالنرد في رد الشهادة به وهذا قول مالك و أبو حنيفة لأنه محرم مثله .
وقال أبو بكر : إن فعله من يعتقد تحريمه فهو كالنرد في حقه وإن فعله من يعتقد إباحته لم ترد شهادته إلا أن يشغله عن الصلاة في أوقاتها أو يخرجه إلى الحلف الكاذب ونحوه من المحرمات أو يلعب بها على الطريق أو يفعل في لعبه ما يستخف به من أجله ونحو هذا مما يخرجه عن المروءة وهذا مذهب الشافعي وذلك لأنه مختلف فيه فأشبه سائر المختلف فيه .
فصل : واللاعب بالحمام يطيرها لا شهادة له وهذا قول أصحاب الرأي وكان شريح لا يجيز شهادة صاحب حمام ولا حمام وذلك لأنه سفه ودناءة وقلة مروءة ويتضمن أذى الجيران بطيره وإشرافه على دورهم ورميه إياها بالحجارة .
وقد رأى النبي A رجلا يتبع حماما فقال : [ شيطان يتبع شيطانه ] وإن اتخذ الحمام لطلب فراخها أو لحمل الكتب أو للأنس بها من غير أذى يتعدى إلى الناس لم ترد شهادته وقد روى عبادة بن الصامت [ أن رجلا جاء إلى النبي A فشكا إليه الوحشة فقال اتخذ زوجا من الحمام ]