فصول فيما إذا ولى الإمام قاضيا .
فصل : إذا ولى الإمام قاضيا ثم مات لم ينعزل لأن الخلفاء Bهم ولوا حكاما في زمنهم فلم ينعزلوا بموتهم ولأن في عزله بموت الإمام ضررا على المسلمين فإن البلدان تتعطل من الحاكم وتقف أحكام الناس إلى أن يولي الإمام الثاني حاكما وفيه ضرر عظيم وكذلك لا ينعزل القاضي إذا عزل الإمام لما ذكرنا فأما إن عزله الإمام الذي ولاه أو غيره ففيه وجهان : .
أحدهما : لا ينعزل وهو مذهب الشافعي لأنه عقده لمصلحه المسلمين فلم يملك عزله مع سداد حاله كما لو عقد النكاح على موليته لم يكن له فسخه .
والثاني : له عزله لما روي عن عمر Bه أنه قال لأعزلن أبا مريم وأولين رجلا إذا رآه الفاجر فرقه فعزله عن قضاء البصرة وولى كعب بن سوار مكانه وولى علي Bه أبا الأسود ثم عزل فقال لم عزلتني وما خنت ولا جنيت ؟ فقال إني رأيتك يعلو كلامك على الخصمين ولأنه يملك عزل أمرائه وولاته على البلدان فكذلك قضاته .
وقد كان عمر Bه يولي ويعزل فعزل شرحبيل بن حسنة عن ولايته في الشام وولى معاوية فقال له شرحبيل أمن جبن عزلتني أو خيانة ؟ قال من كل لا ولكن أردت رجلا أقوى من رجل وعزل خالد بن الوليد وولى أبا عبيدة وقد كان يولي بعض الولاة الحكم مع الإمارة فولى أبا موسى البصرة قضاءها وأمرتها ثم كان يعزلهم هو ومن لم يعزله عزله عثمان بعده إلا القليل منهم فعزل القاضي أولى ويفارق عزله بموت من ولاه أو عزله لأن فيه ضررا وههنا لا ضرر فيه لأنه لا يعزل قاضيا حتى آخر مكانه ولهذا لا ينعزل الوالي بموت الإمام وينعزل بعزله وقد ذكر أبو الخطاب في عزله بالموت أيضا وجهين والأول إن شاء الله تعالى ما ذكرناه .
فأما إن تغيرت حال القاضي بفسق أو زوال عقل أو مرض يمنعه من القضاء أو اختل فيه بعض شروطه فإنه ينعزل بذلك ويتعين على الإمام عزله وجها واحدا .
فصل : وللإمام تولية القضاء في بلده وغيره لأن النبي A ولى عمر بن الخطاب القضاء وولى عليا ومعاذا وقال عثمان بن عفان لابن عمر : إن أباك قد كان يقضي وهو خير منك قال إن أبي قد كان يقضي وإن أشكل عليه شيء سأل عنه رسول الله A وذكر الحديث رواه عمر بن شبة في كتاب قضاة البصرة .
[ وروى سعيد في سننه عن عمرو بن العاص قال جاء خصمان إلى رسول الله A فقال لي : يا عمرو اقض بينهما قلت أنت أولى بذلك مني يا رسول الله قال : إن أصبت القضاء بينهما فلك عشر حسنات وإن أخطأت فلك حسنة ] وعن عقبة بن عامر مثله ولأن الإمام يشتغل بأشياء كثيرة من مصالح المسلمين فلا يتفرغ للقضاء بينهم فإذا ولى قاضيا استحب أن يجعل له أن يستحلف لأنه قد يحتاج إلى ذلك فإذا أذن له في الاستخلاف جاز له بلا خلاف نعلمه وإن نهاه عنه لم يكن له أن يستخلف لأن ولايته بإذنه فلم يكن له ما نهاه عنه كالوكيل وإن أطلق فله الاستخلاف ويحتمل أن لا يكون له ذلك لأنه يتصرف بالإذن فلم يكن له ما لم يأذن فيه كالوكيل ولأصحاب الشافعي في هذا وجهان .
ووجه الأول أن الغرض من القضاء الفصل بين المتخاصمين فإذا فعله بنفسه أو بغيره جاز كما لو أذن له ويفارق التوكيل لأن الإمام بولي القضاء للمسلمين لا لنفسه بخلاف التوكيل فإن استخلف في موضع ليس له الاستخلاف فحكمه حكم من لم يول .
فصل ويجوز أن يولي قاضيا عموم النظر في خصوص العمل فيقلده النظر في جميع الأحكام في بلد بعينه فينفذ حكمه فيمن سكنه ومن أتى إليه من غير سكانه ويجوز أن يقلده خصوص النظر في عموم العمل فيقول جعلت اليك حكم في المداينات خاصة في جميع ولايتي ويجوز أن يجعل حكمه في قدر من المال نحو أن يقول احكم في المائة فما دونها فلا ينفذ حكمه في أكثر منها ويجوز أن يوليه عموم النظر في عموم العمل وخصوص النظر في خصوص العمل .
ويجوز أن يولي قاضين وثلاثة في بلد واحد يجعل لكل واحد عملا فيولي أحدهم عقود الأنكحة والآخر الحكم في المداينات وآخر النظر في العقار ويجوز أن يولي كل واحد منهم عموم النظر في ناحية من نواحي البلد فإن قلد قاضيين أو أثر عملا واحدا في مكان ففيه وجهان أحدهما : لا يجوز اختاره أبو الخطاب وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأنه يؤدي إلى إيقاف الحكم والخصومات لأنهما يختلفان في الإجتهاد ويرى أحدهما ما لا يرى الآخر والآخر : يجوز ذلك وهو قول أصحاب أبي حنيفة وهو أصح إن شاء الله تعالى لأنه يجوز أن يستخلف في البلدة التي هو فيها فيكون فيها قاضيان فجاز أن يكون فيها قاضيان أصليان ولأن الغرض فصل الخصومات وإيصال الحق إلى مستحقه وهذا يحصل فأشبه القاضي ولأنه يجوز للقاضي أن يستخلف خليفتين في موضع واحد فالإمام أولى توليته أقوى .
وقولهم : يفضي إلى إيقاف الحكومات غير صحيح فإن كل حاكم يحكم بإجتهاده بين المتخاصمين إليه وليس للآخر الإعتراض عليه ولا نقض حكمه فيما خالف اجتهاده .
فصل : وإذا قال الإمام من نظر في الحكم من فلان وفلان فقد وليته لم تنعقد الولاية لمن نظر لأنه علقها على شرط ولم يعين بالولاية أحدا منهم [ ويحتمل أن تنعقد الولاية لمن نظر لأن النبي A قال : أميركم زيد فإن قتل فأميركم جعفر فإن قتل فأميركم عبد الله بن رواحة ] فعلق ولاية الإمارة على شرط فكذلك ولايو الحكم وإن قال وليت فلانا وفلانا فأيهما نظر فهو خليفتي انعقدت الولاية لمن نظر منهم لأنه عقد الولاية لهما جميعا .
فصل : ولا يجوز أن يقلد القضاء لواحد على أن يحكم بمذهب بعينه وهذا مذهب الشافعي ولم أعلم فيه خلافا لأن الله تعالى قال : { فاحكم بين الناس بالحق } والحق لا يتعين في مذهب وقد يظهر له الحق في غير ذلك المذهب فإن قلده على هذا الشرط بطل الشرط وفي فساد التولية وجهان بناء على الشروط الفاسدة في البيع .
فصل : وإن فوض الإمام إلى إنسان تولية القضاء جاز لأنه يجوز أن يتولى ذلك فجاز له التوكيل فيه كالبيع وإن فوض إليه اختيار قاض جاز ولا يجوز له اختيار نفسه ولا والده ولا ولده كما لو وكله في الصدقة بمال لم يجز له أخذه ولا دفعه إلى هذين ويحتمل أنه يجوز له اختيارهما إذا كانا صالحين للولاية لأنهما يدخلان في عموم من أذن له في الاختيار منه مع أهليتهما فأشبها الأجانب