مسألة وفصول وجوب العدل بين الخصوم وحكم سماع الدعاوى .
مسألة : قال : ويعدل بين الخصمين في الدخول عليه والمجلس والخطاب .
وجملته أن على القاضي العدل بين الخصمين في كل شيء من المجلس والخطاب واللحظ واللفظ والدخول عليه والإنصات إليهما والاستمتاع منهما وهذا قول شريح و أبي حنيفة و الشافعي ولا أعلم فيه مخالفا وقد روى عمر بن شبة في كتاب قضاة البصرة بإسناده عن أم سلمة أن النبي A قال : [ من بلي بالقضاء بين المسلمين فليعدل بينهم في لفظه وإشارته ومقعده ولا يرفع صوته على أحد الخصمين ما لا يرفعه على الآخر ] وفي رواية : [ فليسو بينهم في النظر والمجلس والإشارة ] وكتب عمر Bه إلى أبي سو بين الناس في مجلسك وعدلك حتى لا ييأس الضعيف من عدلك ولا يطمع شريف في حيفك وقال سعيد ثنا هشيم ثنا سيار ثنا الشعبي قال كان بين عمر بن الخطاب Bه وأبي بن كعب بدار في شيء فجعلا بينهما زيد ابن ثابت فأتياه في منزله فقال له عمر أتيناك لتحكم بيننا في بينة تؤتي الحاكم فوسع له زيد عن صدر فراشه فقال ههنا يا أمير المؤمنين فقال له عمر جرت في أول القضاء ولكن اجلس مع خصمي فجلسا بين يديه فادعى أبي وأنكر عمر فقال زيد أبي اعف أمير المؤمنين من اليمين وماكنت لأسألها لأحد غيره فحلف عمر ثم أقسم لا يدرك زيد باب القضاء حتى يكون عمر ورجل من عرض المسلمين عنده سواء ورواه عمر بن شبة وفيه فلما أتيا باب زيد خرج فقال السلام عليك يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلى لأتيتك قال في بينة تؤتي الحكم فلما دخلا عليه قال ههنا يا أمير المؤمنين قال بل اجلس مع خصمي فادعى أبي وأنكر عمر ولم تكن لأبي بينة فقال زيد اعف أمير المؤمنين من اليمين فقال عمر تالله إن زلت ظالما السلام عليك يا أمير المؤمنين ههنا يا أمير المؤمنين اعف أمير المؤمنين ؟ إن كان لي حق استحققته بيميني وإلا تركته والله الذي لا إله إلا هو أن النخل لنخلي وما لأبي فيها حق ثم أقسم عمر لا يصيب زيد وجه القضاء حتى يكون عمر وغيره من الناس عنده سواء فلما خرجا وهب النخل لأبي فقيل له يا أمير المؤمنين فهلا كان هذا قبل أن تحلف ؟ قال خفت أن أترك اليمين فتصير سنة فلا يحلف الناس على حقوقهم وقال إبراهيم : جاء رحل إلى شريح وعنده السري بن وقاص فقال الرجل لـ شريح أعني على هذا الجالس عندك فقال شريح للسري قم فاجلس مع خصمك قال إني أسمعك من مكاني قال لا قم فاجلس مع خصمك فأبى أن يسمع منه حتى أجلسه مع خصمه .
وفي رواية قال ان مجلسك يريبه وإني لا أدع النصرة وأنا عليها قادر ولما تحاكم علي Bه واليهودي إلى شريح قال علي إن خصمي لو كان ميلما لجلست معه بين يديك ولأن الحاكم إذ ميز أحد الخصمين على ألآخر حصر وانكسر قلبه وربما لم تقم حجته فأدى ذلك إلى ظلمه وإن أذن أحد الخصمين للحاكم في رفع الخصم الآخر عليه في المجلس جاز لأن الحق له ولا ينكسر قلبه إذا كان هو الذي رفعه .
والسنة أن يجلس الخصمان بين يدي القاضي لما روي أن النبي A قضى أن يجلس الخصمان بين يدي الحاكم رواه أبو داود وقال علي Bه لو أن خصمي مسلم لجلست معه بين يديك ولأن ذلك أمكن للحاكم في العدل بينهما والإقبال عليهما والنظر في خصومتهما وإن كان الخصمان ذميين سوى بينهما أيضا لاستوائهما في دينهما وإن كان أحدهما مسلما والآخر ذميا جاز رفع المسلم عليه لما روى إبراهيم التيمي قال : [ وجد علي كرم الله وجهه درعه مع يهودي فقال درعي سقطت وقت كذا فقال اليهودي درعي وفي يدي بيني وبينك قاض المسلمين فارتفعا إلى شريح فلما رآه شريح قام من مجلسه وأجلسه في موضعه وجلس مع اليهودي بين يديه فقال علي : ان خصمي لو كان مسلما لجلست معه بين يديك ولكني سمعت رسول الله A يقول : لا تساووهم في المجالس ] ذكره أبو نعيم في الحلية ولا ينبغي أن يضيف أحد الخصمين دون صاحبه أما أن يضيفهما معا أو يدعهما .
[ وقد روى عن علي كرم الله وجهه أنه نزل به رجل فقال له أنك خصم ؟ قال نعم قال تحول عنا فإني سمعت رسول الله A يقول : لا تضيفوا أحد الخصمين إلا ومعه خصمه ] ولأن ذلك يوهم الخصم ميل الحاكم إلى من اضافه ولا يلقن أحدهما حجته ولا ما فيه ضرر على خصمه مصل أن يريد أحدهما الإقرار فيلقنه الإنكار أو اليمين فيلقنه النكول أو المنكول فيجزئه على اليمين أو يحس من الشاهد بالتوقف فيجسره على الشهادة أو يكون مقدما على الشهادة فيوقفه عنها أو يقول لأحدهما وحده تكلم ونحو هذا مما فيه اضرار بخصمه لأن عليه العدل بينهما .
فإن قيل : فقد [ لقن النبي A السارق فقال : ما إخالك سرقت ] وقال عمر لزياد أرجو أن لا يفضح الله علي يديك رجلا من أصحاب رسول الله A قلنا لا يرد هذا الإلزام ههنا فإن هذا في حقوق الله وحدوده ولا خصم للمقر ولا للمشهود عليه فليس في تلقينه حيف على أحد الخصمين ولا ترك للعدل في أحد الجانبين والذي قلنا في المختلفين في حق من حقوق الآدميين ولا ينبغي أن يعنت الشاهد ولا يداخله في كلامه ويعنفه في الفاظه .
فصل : وإذا حضر القاضي خصوم كثيرة قدم الأول فالأول وينبغي أن يبعث من يكتب من جاء الأول فالأول فيقدمه قال ابن المنذر : الأحسن أن يتخذ خيطا ممدودا طرفه يلي مجلس الحاكم والطرف الآخر يلي مجلس الخصوم فكل من جاء كتب اسمه في رقعة وثقبها وادخلها في الخيط مما يلي مجلس الخصوم حتى يأتي على آخرهم فإذا جلس القاضي مد يده إلى الطرف الذي يليه فأخذ الرقعة التي تليه ثم التي بعدها كذلك حتى يأتي على آخرها فإن بقي منها شيء وزال الوقت الذي يقضي فيه عرف الطرف الذي يليه حين جلس فيتناول في المجلس الثاني الرقاع كفعله بالأمس والاعتبار بسبق المدعي لأن الحق له ومتى قدم رجلا لسبقه فحكم بينه وبين خصمه فقال لي دعوى أخرى لم يسمع منه لأنه قد قدمه بسبقه في خصومة فلا يقدمه بأخرى ويقول له اجلس حتى إذا لم يبق أحد من الحاضرين نظرت في دعواك الأخرى أن أمكن فإذا فرغ الكل فقال الأخير بعد فصل خصومته لي دعوى أخرى لم يسمع منه حتى يسمع دعوى الأول الثانية ثم يسمع دعواه وإن ادعى المدعى عليه على المدعي حكم بينهما لأننا إنما نعتبر الأول فالأول في الدعوى لا في المدعى عليه وإذا نقدم الثاني فادعى على المدعي الأول أو المدعى عليه الأول حكم بينهما وإن حضر اثنان أو جماعة دفعة واحدة أقرع بينهم فقدم من خرجت له القرعة لتساوي حقوقهم وإن كثر عددهم كتب أسماءهم في رقاع وتركها بين يديه ومد يده فأخذ رقعة رقعة واحدة بعد أخرى ويقدم صاحبها حسب ما يتفق .
فصل : فإن حضر مسافرون ومقيمون فكان المسافرون قليلا بحيث لا يضر تقديمهم على المقيمين قدمهم لأنهم على جناح السفر ويشتغلون بما يصلح للرحيل وقد خفف الله عنهم الصوم وشطر الصلاة تخفيفا عنهم وفي تأخيرهم ضرر بهم فإن شاء أفرد لهم يوما يفرغ من حوائجهم فيه وإن شاء قدمهم من غير افراد يوم لهم فإن كانوا كثيرا بحيث يضر تقديمهم فهم والمقيمون سواء لأن تقديمهم مع القلة إنما كان لدفع الضرر والمختص بهم فإذا آل دفع الضرر عنهم إلى الضرر بغيرهم تساووا ولا خلاف في أكثر هذه الآداب وأنها ليست شرطا في صحة القضاء فلو قدم المسبوق أو قدم الحاضرين أو نحوه كان قضاؤه صحيحا .
فصل : وإذا تقدم إليه خصمان فإن شاء قال من المدعي منكما ؟ لأنهما حضرا لذلك وإن شاء سكت ويقول القائم على رأسه من المدعي منكما ؟ إن سكتا جميعا ولا يقول الحاكم ولا صاحبه لأحدهما تكلم لأن في افراده بذلك تفضيلا له وتركا للإنصاف .
قال عمر بن قيس : شهدت شريحا إذا جلس إليه الخصمان ورجل قائم على رأسه يقول أيكما المدعي فليتكلم ؟ وإن ذهب الآخر يشغب غمزه حتى يفرغ المدعي ثم يقول تكلم فإن بدأ أحدهما فادعي فقال خصمه أنا المدعي لم يلتفت الحاكم إليه وقال أجب عن دعواه ثم ادع بعد ما شئت فإن ادعيا معا فقياس المذهب أن يقرع بينهما وهو قياس قول الشافعي لأن أحدهما ليس بأولى من الآخر وقد تعذر الجمع بينهما فيقرع بينهما كالمرأتين إذا زفتا في ليلة واحدة واستحسن ابن المنذر أن يسمع منهما جميعا وقيل يرجىء أمرهما حتى يتبين المدعي منهما وما ذكرناه أولى لأنه لا يمكن الجمع بين الحكم في القضيتين معا وإرجاء أمرهما اضرار بها وفيما ذكرنا دفع الضرر بحسب الإمكان وله نظير في مواضع من الشرع فكان أولى .
فصل : ولا يسمع الحاكم الدعوى إلا محررة إلا في الوصية والإقرار لأن الحاكم يسأل المدعى عليه عما ادعاه فإن اعترف به لزمه ولا يمكنه أن تلزمه مجهولة ويفارق الإقرار فإن الحق عليه فلا يسقط بتركه اثباته وإنما صحت الدعوى في الوصية مجهولة لأنها تصح مجهولة فإنه لو وصى له بشيء أو سهم صح فلا يمكنه أن يدعيها إلا مجهولة كما ثبت وكذلك الإقرارلما صح أن يقر بمجهول صح لخصمه أن يدعي عليه أنه أقر له بمجهول .
إذا ثبت هذا فإن كان المدعى أثمانا فلا بد من ذكر ثلاثة أشياء : الجنس والنوع والقدر فيقول عشرة دنانير بصرية وإن اختلفت بالصحاح والمكسرة قال صحاح أو قال مكسرة وإن كانت الدعوى في غير الأثمان وكانت عينا تنضبط بالصفات كالحبوب والثياب والحيوان واحتاج أن يذكر الصفات التي تشترط في السلم وإن ذكر القيمة كان آكد إلا أن الصفة تغني فيه كما تغني في العقد وإن كانت جواهر ونحوها ما لا ينضبط بالصفة فلا بد من ذكر قيمتها لأنها لا تنضبط إلا بها وإن كان المدعي تالفا وهو مما له مثل كالمكيل والموزون ادعى مثله وضبطه بصفته وإن كان مما لا مثل له كالنبات والحيوان ادعى قيمته لأنها تجب بتلفه وإن كان التالف شيئا محلى بفضة أو بذهب قومه بغير جنس حليته وإن كان مخلى بذهب وفضة قومه بما شاء منهما لأنه موضع حاجة وإن كان المدعى عقارا فلا بد من بيان موضعه وحدوده فيدعي أن هذه الدار بحدودها وحقوقها لي وأنها في يده ظلما وأنا أطالبه بردها علي وإن ادعى عليه أن هذه الدار لي وأنه يمنعني منها صحت الدعوى وإن لم يقل أنها في يده لأنه يجوز أن ينازعه ويمنعه وإن لم تكن في يده وإن ادعى جراحة لها ارش معلوم كالموضحة من الحر جاز أن يدعي الجراحة ولا يذكر أرشها لأنه معلوم وإن كانت من عبد أو كانت من حر لا مقدر فيها فلا بد من ذكر أرشها وإن أدعى على أبيه دينا لم تسمع الدعوى حتى يدعي أن أباه مات وترك في يده مالا لأن الولد لا يلزمه قضاء دين والده ما لم يكن كذلك ويحتاج أن يذكر تركة أبيه ويحررها ويذكر قدرها كما يصنع في قدر الدين هكذا ذكره القاضي والصحيح أنه يحتاج إلى ذكر ثلاثة أشياء تحرير دينه وموت أبيه وأنه وصل إليه من تركة أبيه ما فيه وفاء لدينه وإن قال ما فيه وفاء لبعض دينه احتاج أن يذكر ذلك القدر والقول قول المدعى عليه في نفي تركة الأب مع يمينه وإن أنكر موت أبيه فالقول قوله مع يمينه ويكفيه أن يحلف على نفي العلم لأنه على نفي فعل الغير وقد يموت ولا يعلم به ابنه ويكفيه أن يحلف أن ما وصل إليه من تركة أبيه ما فيه وفاء حقه ولا شيء منه ولا يلزمه أن يحلف أن أباه لم يخلف شيئا لأنه قد يخلف تركة فلا تصل إليه فلا يلزمه الإيفاء منه فإن لم يحسن المدعي تحرير الدعوى فهل للحاكم أن يلقنه تحريرها ؟ يحتمل وجهين : .
أحدهما : يجوز لأنه لا ضرر على صاحبه في ذلك والثاني : لا يجوز لأن فيه إعانة أحد الخصمين في حكومته .
فصل : إذا حرر المدعي دعواه فللحاكم أن يسأل خصمه الجواب قبل أن يطلب منه المدعي ذلك لأن شاهد الحال يدل عليه لأن احضاره والدعوى أنما يراد ليسأل الحاكم المدعى عليه فقد أغنى ذلك عن سؤاله فيقول لخصمه ما تقول فيما يدعيه ؟ فإن أقر لزمه وليس للحاكم أن يحكم عليه إلا بمسألة المقر له لأن الحكم عليه حق له فلا يستوفيه إلا بمسألة مستحقة هكذا ذكر أصحابنا ويحتمل أن يجوز له الحكم عليه قبل مسألة المدعي لأن الحال تدل على إرادته ذلك فاكتفي بها كما اكتفى بها في مسألة المدعى عليه الجواب ولأن كثيرا من الناس لا يعرف مطالبة الحاكم بذلك فيترك مطالبته به لجهله فيضيع حقه فعلى هذا يجوز له الحكم قبل مسألته وعلى القول الأول ان سأله الخصم فقال احكم لي حكم عليه والحكم أن يقول قد ألزمتك ذلك أو قضيت عليك له أو يقول اخرج له منه فمتى قال له أحد هذه الثلاثة كان حكما بالحق ؟ وإن أنكر فقال لا حق لك قبلي فهذا موضع البينة قال الحاكم ألك بينة ؟ [ لما روي أن رجلين اختصما إلى النبي A حضرمي وكندي فقال الحضرمي يا رسول الله إن هذا غلبني على أرض لي فقال الكندي هي أرضي وفي يدي وليس له فيها حق فقال النبي A للحضرمي : ألك بينة ؟ قال لا قال : فلك يمينه ] وهو حديث حسن صحيح وإن كان المدعي عارفا بأنه موضع البينة فالحاكم مخير بين أن يقول ألك بينة ؟ وبين أن يسكت فإذا قال له ألك بينة ؟ وذكر أن له بينة حاضرة لم يقل له الحاكم أحضرها لأن ذلك حق له فله أن يفعل ما يرى وإذا أحضرها لم يسألها الحاكم عما عندها حتى يسأله المدعي ذلك لأنه حق له فلا يسأله ولا يتصرف فيه من غير من غير إذنه فإذا سأله المدعي سؤالها قال من كانت عنده شهادة فليذكرها إن شاء ؟ ولا يقول لهما أشهدا لأنه أمر وكان شريح يقول للشاهدين ما أنا دعوتكما ولا أنها كما إن ترجعا وما يقضي على هذا المسلم غيركما وإني بكما أقضي اليوم وبكما أتقي يوم القيامة وإن رأى الحاكم عليهما ما يوجب رد شهادتهما ردها كما روي عن شريح أنه شهد عنده شاهد وعليه قباء مخروط الكمين فقال له شريح أتحسن أن توضأ ؟ قال نعم قال فاحسر عن ذراعيك فذهب يحسر عنهما فلم يستطع فقال له شريح قم فلا شهادة لك وان أديا الشهادة على غير وجهها مثل أن يقولا بلغنا ان عليه ألفا أو سمعنا ذلك ردت شهادتهما وشهد رجل عند شريح فقال أشهد أنه أتكأ عليه بمرفقه حتى مات فقال شريح أتشهد أنه قتله ؟ قال أشهد أنه اتكأ عليه بمرفقه حتى مات قال أتشهد أنه قتله ؟ قال أشهد أنه اتكأ عليه بمرفقه حتى مات قال قم لا شهادة لك وإن كانت شهادة صحيحة وعرف الحاكم عدالتهم قال للمشهود عليه قد شهدا عليك فإن كان عندك ما يقدح في شهادتهما فبينه عندي فإن سأل الأنظار أنظره اليومين والثلاثة فإن لم يجرح حكم عليه لأن الحق قد وضح على وجه لا إشكال فيه وإن ارتاب بشهادتهم فرقهم فسأل كل واحد عن شهادته وصفتها فيقول كنت أول من شهد أو كتبت أو لم تكتب وفي أي مكان شهدت ؟ وفي أي شهر ؟ وأي يوم ؟ وهل كنت وحدك أو معك غيرك ؟ فإن اختلفوا سقطت شهادتهم وإن اتفقوا بحث عن عدالتهم ويقال أول من فعل هذا دانيال ويقال فعله سليمان وهو صغير .
وروي عن علي Bه أن سبعة نفر خرجوا ففقد واحدمنهم فأتت زوجته عليا فدعا الستة فسألهم عنه فأنكروا ففرقهم وأقام كل واحد عند سارية ووكل به من يحفظه ودعا واحدا فسأله فأنكر فقال الله أكبر فظن الباقون أنه قد اعترف فدعاهم فاعترفوا فقال للأول قد شهدوا عليك وأنا قاتلك فاعترف فقتلهم وإن لم يعرف عدالتهما بحث عنها فإن لم تثبت عدالتهما قال للمدعي زدني شهودا وإن لم تكن له بينة عرفه الحاكم أن لك يمينه وليس للحاكم أن يستحلفه قبل مسألة المدعي لأن اليمين حق له فلم يجز استيفاؤها من غير مطالبة مستحقها كنفس الحق فإن استحلفه من غير مسألة أو بادر المنكر فحلف لم يعتد بيمينه لأنه أتى به في غير وقتها وإذا سألها المدعي أعادها له لأن الأولى لم تكن يمينه وإن أمسك المدعي عن إحلاف المدعي عليه ثم أراد إحلافه بالدعوى المتقدمة جاز لأنه لم يسقط حقه منها وإنما أخرها وإن قال أبرأتك من هذه اليمين سقط حقه منها في هذه الدعوى وله أن يستأنف الدعوى لأن حقه لا يسقط بالإبراء من اليمين فإن استأنف الدعوى فأنكر المدعى عليه فله أن يحلفه لأن هذه الدعوى غير الدعوى التي أبرأه فيها من اليمين فإن حلف سقطت الدعوى ولم يكن للمدعي أن يحلفه يمينا أخرى لا في هذا المجلس ولا في غيره وإن كان الحق لجماعة فرضوا بيمين واحدة جاز وسقطت دعواهم باليمين لأنها حقهم ولأنه لما جاز ثبوت الحق بينة واحدة لجماعة جاز سقوطه بيمين واحدة .
قال القاضي : ويحتمل أن لا يصح حتى يحلف لكل واحد يمينا وهو أحد الوجهين لأصحاب الشافعي لأن اليمين حجة في حق الواحد فإذا رضي بها اثنان صارت الحجة في كل واحد منهما ناقصة والحجة الناقصة لا تكمل برضا الخصم كما لو رضى أن يحكم عليه بشاهد واحد والصحيح الأول لأن الحق لهما فإذا رضيا به جاز ولا يلزم من رضاهما بيمين واحدة أن يكون لكل واحد بعض اليمين كما أن الحقوق إذا قامت بها بينة واحدة لا يكون لكل حق بعض البينة فأما أن حلفه لجميعهم يمينا واحدة بغير رضاهم لم تصح يمينه بلا خلاف نعلمه .
وقد حكى الاصطخري ان اسماعيل بن إسحاق القاضي حلف رجلا بحق لرجلين يمينا واحدة فخطأه أهل عصره وإن قال المدعي لي بينة غائبة قال له الحاكم لك يمنيه فإن شئت فاستحلفه وإن شئت أخرته إلى أن تحضر بينتك وليس لك مطالبته بكفيل ولا ملازمته حتى تحضر البينة نص عليه أحمد وهو مذهب الشافعي لقول رسول الله A : [ شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك ] فإن أحلفه ثم حضرت بينته حكم بها ولم تكن مزيلة للحق لأن اليمين إنما يصار إليها عند عدم البينة فإذا وجدت البينة بطلت اليمين وتبين كذبها وإن قال لي بينة حاضرة وأريد يمنيه ثم أقيم بينتي لم يملك ذلك وقال أبو يوسف يستحلفه وإن نكل قضى عليه لأن في الاستحلاف فائدة وهو أنه ربما نكل فقضى عليه فأغنى عن البينة .
ولنا قول عليه السلام : [ شاهداك أو يمينه ليس لك إلا ذلك ] وأو للتخيير بين شيئين فلا يكون له الجمع بينهما ولأنه أمكن فصل الخصومة بالبينة فلم يشرع غيرها مع إرادة المدعي إقامتها وحضورها كما لو لم يطلب يمينه ولأن اليمين بدل فلم يجب الجمع بينها وبين مبدلها كسائر الإبدال مع مبدلاتها وإن قال المدعي لا أريد إقامتها وإنما أريد يمينه اكتفي بها استحلف لأن البينة حقه فإذا رضي باسقاطها وترك إقامتها فله ذلك كنفس الحق فإن حلف المدعي عليه ثم اراد المدعي اقامة بينته فهل يملك ذلك ؟ يحتمل وجهين أحدهما : له ذلك لأن البينة لا تبطل بالاستحلاف كما لو كانت غائبة والثاني : ليس له ذلك لأنه قد أسقط حقه من إقامتها ولأن تجويز إقامتها يفتح باب الحيلة لأنه يقول لا اريد إقامتها ليحلف خصمه ثم يقيمها فإن كان له شاهد واحد في الأموال عرفه الحاكم أن له أن يحلف مع شاهده ويستحق فإن قال لا أحلف أنا وأرضى بيمينه استحلف له فإذا حلف سقط الحق عنه فإن عاد المدعي بعدها فقال أنا أحلف مع شاهدي لم يستحلف ولم يسمع منه ذكره القاضي وهو مذهب الشافعي لأن اليمين فعله وهو قادر عليها فأمكنه أن يسقطها بخلاف البينة وإن عاد قبل أن يحلف المدعى عليه فبذل اليمين فقال القاضي ليس له ذلك في هذا المجلس وكل موضع قلنا يستحلف المدعى عليه فإن الحاكم يقول له إن حلفت وإلا جعلتك ناكلا وقضيت عليك ثلاثا فإن حلف وإلا حكم عليه بنكوله إذا سأله المدعي ذلك فإن سكت عن جواب الدعوى فلم يقر ولم ينكر حبسه الحاكم حتى يجيب بذلك ناكلا ذكره القاضي في المجرد .
وقال أبو الخطاب : يقول له الحاكم أن أوجبت وإلا جعلتك ناكلا وحكمت عليك ويكرر ذلك عليه فإن أجاب وإلا جعله ناكلا وحكم عليه لأنه ناكل عما توجه عليه الجواب فيه فيحكم عليه بالنكول عنه كاليمين