مسألة وفصول حكم من نذر صوم شهر متتابعا أو أشهر .
مسألة : قال : ومن نذر أن يصوم شهرا متتابعا ولم يسمه فمرض في بعضه فإذا عوفي بنى وكفر كفارة يمين وإن أحب أتى بشهر متتابع ولا كفارة عليه وكذلك المرأة إذا نذرت صيام شهر متتابع وحاضت فيه .
وجملته أن من نذر صياما متتابعا غير معين ثم أفطر فيه لم يخل من حالين : أحدهما : أن يفطر لعذر من حيض أو مرض ونحوهما فهذا مخير بين أن يبتدىء الصوم ولا شيء لأنه أتى بالمنذور على وجهه بين أن يبني على صيامه ويكفر لأن الكفارة تلزم لتركه المنذور وإن كان عاجزا بدليل أن النبي A أمر أخت عقبة بن عامر بالكفارة لعجزها عن المشي ولأن النذر كاليمين ولو حلف ليصومن متتابعا لم يأت به متتابعا لزمته الكفارة وإنما جوز له البناء ههنا لأن الفطر لعذر لا يقطع التتابع حكما بدليل أنه لو أفطر في صيام الشهرين المتتابعين من عذر كان له البناء فإن كان العذر يبيح الفطر كالسفر فهل يقطع التتابع ؟ فيه وجهان .
أحدهما : يقطعه لأنه يفطر بإختياره والثاني : لا يقطعه لأنه عذر في فطر رمضان فأشبه المرض .
الثاني : أن يفطر لغير عذر فهذا يلزمه استئناف الصيام ولا كفارة عليه لأنه ترك التتابع المنذور لغير عذر مع إمكان الإتيان به فلزمه فعله كما لو نذر صوما معينا فصام قبله وبهذا الفصل قال الشافعي إلا في الكفارة فإنه لا يوجبها في المنذور وقد ذكرنا دليل وجوبها .
فصل : إذا صام شهرا من أول الهلال أجزأه ناقصا كان أو تاما لأن ما بين الهلالين شهر ولذلك [ قال النبي A : إنما الشهر تسع وعشرون ] وإن بدأ من أثناء شهر لزمه شهر بالعدد ثلاثون يوما لقول رسول الله A : [ صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فاكملوا ثلاثين ] فإن صام شوال لزمه إكماله ثلاثين لأنه بدأ من أثنائه وإن كان ناقصا قضى يومين وإن كان تاما أتم يوما واحدا وإن صام ذا الحجة أفطر يوم الأضحى وأيام التشريق ولم ينقطع تتابعه كما لو أفطرت المرأة بحيض وعليه كفارة ويقضي أربعة أيام إن كان تاما وخمسة إن كان ناقصا ويحتمل أن لا لزمه إلا الأربعة وإن كان ناقصا لأنه بدأه من أوله فيقضي المتروك منه لا غير ولو صام شهرا من أول الهلال فمرض فيه أياما معلومة أو حاضت المرأة ثم طهرت قبل خروجه قضى ما أفطر منه بعدته إن كان الشهر تاما وإن كان الشهر تاما وإن كان ناقصا فهل يلزمه الإتيان بيوم آخر ؟ على وجهين بناء على ما ذكرنا في فطر العيد وأيام التشريق .
فصل : ومن نذر صيام شهر فهو مخير بين أن يصوم شهرا بالهلال وهو أن يبتدئه من أوله فيجزئه وبين أن يصومه بالعدد ثلاثين يوما وهل يلزمه التتابع ؟ فيه وجهان : .
أحدهما : يلزمه وهو قول أبي ثور لأن إطلاق الشهر يقتضي التتابع .
والثاني : لا يلزمه التتابع وهو قول الشافعي ومحمد بن الحسن لأن الشهر يقع على ما بين الهلالين وعلى ثلاثين يوما ولا خلاف أنه يجزئه ثلاثون يوما فلم يلزمه التتابع كما لو نذر ثلاثين يوما فأما إن نذر صيام ثلاثين يوما لم يلزمه التتابع فيها نص عليه أحمد .
وقد روي عن أحمد فيمن قال لله علي صيام عشرة أيام يصومها متتابعة وهذا يدل على وجوب التتابع في الأيام المنذورة وحمل بعضها أصحابنا كلام أحمد على من شرط التتابع أو نواه لأن لفظ العشرة لا يقتضي تتابعا والنذر لا يقتضيه ما لم يكن في لفظه أو نيته .
وقال بعضهم كلام أحمد على ظاهره ويلزمه التتابع في نذر العشرة دون الثلاثين شهر فلو أراد التتابع لقال شهرا فعدوله إلى العدد دليل على إرادة التفريق بخلاف العشرة والصحيح أنه يلزمه التتابع فإن عدم ما يدل على التفريق ليس بدليل على إرادة التتابع فإن الله تعالى قال في قضاء رمضان : { فعدة من أيام أخر } ولم يذكر تفريقها ولا تتابعها ولم يجب التتابع فيها بالإتفاق .
وقال بعض أصحابنا إن نذر إعتكاف أيام لزمه التتابع ولا يلزمه مثل ذلك في الصيام لأن الإعتكاف يتصل بعضه ببعض من غير فضل والصوم يتخلله الليل فيفضل بعضه من بعض ولذلك لو نذر اعتكاف يومين متتابعين لدخل فيه الليل والصحيح التسوية لأن الواجب ما اقتضاه لفظه ولفظه لا يقتضي التتابع بدليل نذر الصوم ما ذكروه من العرف لا أثر له ومن قال يلزمه التتابع لزمته الليالي التي بين أيام الإعتكاف كما لو قال متتابعة .
فصل : إذا نذر صيام أشهر متتابعة فابتدأها من أول شهر أجزأه صومها بالأهلة بلا خلاف وإن ابتدأها من أثناء شهر كمله بالعدد وباقي الأشهر بالأهلى وهذا قول مالك و الشافعي وأحد الروايتين عن أبي حنيفة والرواية الأخرى يكمل الجميع بالعدد وروي ذلك عن أحمد وقد تقدم توجيه الروايتين .
مسألة : قال : ومن نذر أن يصوم شهرا بعينه فأفطر يوما بغير عذر ابتدأ شهرا وكفر كفارة يمين .
وجملته أنه إذا نذر صوم شهر معين فأفطر في أثنائه لم يخل من حالين أحدهما : أفطر لغير عذر ففيه روايتان : .
أحدهما : يقطع صومه ويلزمه استئنافه لأنه صوم يجب متتابعا بالنذر فأبطله الفطر لغير عذر كما لو شرط التتابع وفارق رمضان فإن تتابعه بالشرع لا بالنذر وههنا أوجبه على نفسه على صفة ثم فوتها فأشبه ما لو شرطه متتابعا .
الثاينة : لا يلزمه الاستئناف إلا أن يكون قد شرط التتابع وهذا قول الشافعي لأنه وجوب التتابع ضرورة التعيين لا بالشرط فلم يبطله الفطر في أثنائه كشهر رمضان ولأن الإستئناف يجعل الصوم في الوقت الذي لم يعينه والوفاء بنذره في غير وقته وتفويت يوم واحد ولا يوجب تفويت غيره من الأيام فعلى هذا يكفر عن فطره ويقضي يوما مكانه بعد إتمام صومه وهذا أقيس إن شاء الله تعالى وعلى الرواية الأولى يلزمه الاستئناف عقيب اليوم الذي أفطر فيه ولا يجوز تأخيره لأن باقي الشهر منذور ولا يجوز ترك الصوم فيه وتلزمه كفارة أيضا لا حلاله بصوم هذا اليوم الذي أفطره .
الحال الثاني : أفطر لعذر فإنه يبني على ما مضى من صيامه ويقضي ويكفر هذا قياس المذهب وقال أبو الخطاب فيه رواية أخرى أنه لا كفارة عليه وهذا مذهب مالك و الشافعي و أبي عبيد لأن المنذور محمول على المشروع ولو أفطر رمضان لعذر لم يلزمه شيء .
ولنا أنه فات ما نذره فلزمته كفارة ل [ قول النبي A لأخت عقبة بن عامر : ولتكفر يمينها ] وفارق رمضان فإنه لو أفطر لغير عذر لم تجب عليه كفارة إلا في الجماع .
فصل : فإن جن جميع الشهر المعين لم يلزمه قضاء ولا كفارة وقال أبو ثور يلزمه القضاء لأنه من أهل التكليف حالة نذره وقضائه فلزمه القضاء كالمغمى عليه .
ولنا أنه ليس من أهل التكليف في وقت الوجوب فلم يلزمه القضاء كما لو كان في شهر رمضان وإن حاضت المرأة جميع الزمن المعين فعليها القضاء وفي الكفارة وجهان وقال الشافعي لا كفارة عليها وفي القضاء وجهان أحدهما : لا يلزمها النذر لأن زمن الحيض لا يمكن الصوم فيه ولا يدخل في النذر كزمن رمضان .
ولنا أن المنذور يحمل على المشروع ابتداء ولو حاضت في شهر رمضان لزمها القضاء وذلك النذور .
فصل : ولو قال لله علي الحج في عامي هذا فلم يحج لعذر أو غيره فعليه القضاء والكفارة ويحتمل ألا كفارة عليه إذا كان معذورا وقال الشافعي إن تعذر عليه الحج لعدم أحد الشرئط السبعة أو منعه منه سلطان أو عدو فلا قضاء عليه وإن حدث به مرض أو أخطأ عددا أو نسي أو توانى قضاه .
ولنا أنه فاته الحج المنذور فلزمه قضاؤه كما لو مرض ولأن المنذور محمول على المشروع ابتداء ولو فاته المشروع لزمه قضاؤه كذلك المنذور .
فصل : ولو نذر صوم شهر بعينه أو الحج في عام بعينه وفعل ذلك قبله لم يجزئه وقال أبو يوسف : يجزئه كما لو حلف ليقضينه حقه في وقت فقضاه قبله .
ولنا أن المنذور محمول على المشروع ولو صام قبل رمضان لم يجزئه فكذلك إذا صام المنذور قبله ولأنه لم يأتي بالمنذور في وقته فلم يجزئه كما لو لم يفعله أصلا