مسألة وفصلان حكم من نذر أن يتصدق بماله كله أو قسم منه .
مسألة : قال : ومن نذر أن يتصدق بماله كله أجزأه أن يتصدق بثلثه كما [ روي عن النبي A أنه قال لأبي لبلبة حين قال إن من توبتي يا رسول الله إن أنخلع من مالي فقال رسول الله A يجزئك الثلث ] .
وجملة ذلك أن من نذر أن يتصدق بماله كله أجزأه ثلثه وبهذا قال الزهري و مالك وروى الحسين بن إسحاق الخرقي عن أحمد قال سألته عن رجل قال جميع ما أملك في المساكين صدقة قال كفارته كفارة اليمين قال وسئل عن رجل قال ما يرث عن فلان فهو للمساكين فذكروا أنه قال يطعم عشرة مساكين وقال ربيعة يتصدق منه بقدر الزكاة لأن المطلق محمول على معهود الشرع ولا يجب في الشرع إلا قدر الزكاة وعن جابر بن زيد قال إن كان كثيرا وهو ألفان تصدق بعشرة وإن كان متوسطا وهو ألف تصدق بسبعة وإن كان قليلا وهو خمسمائة تصدق بخمسة وقال أبو حنيفة يتصدق بالمال الزكوي كله وعنه في غيره روايتان : .
إحداهما : يتصدق به والثانية : لا يلزمه منه شيء وقال النخعي والبتي والشافعي يتصدق بماله كله لقول النبي A [ من نذر ان يطيع الله فليطعمه ] ولأنه نذر طاعة فلزمه الوفاء به كنذر الصلاة والصيام .
[ ولنا قول النبي A لأبي لبابة حين قال إن من توبتي أن انخلع من مالي صدقة إلى الله وإلى رسول فقال : يجزئك الثلث ] [ وعن كعب بن مالك قال قلت يا رسول الله ان من توبتي ان اخلع من مالي صدقة الى الله وإلى رسوله فقال رسول الله A : أمسك عليك بعض مالك ] متفق عليه ولـ أبي داود [ يجزئك عنك الثلث ] فإن قالوا هذا ليس بنذر وإنما أراد الصدقة بجميعه فأمره النبي A بالاقتصار على ثلثه كما أمر سعدا حين أراد الوصية بجميع ماله بالاقتصار على الوصية بثلثه وليس هذا محل النزاع فيمن نذر الصدقة بجميعه فلنا عنه جوابان : .
أحدهما : ان قوله : [ يجزئ عنك الثلث ] دليل على انه أتى بلقظ يقتضي الايجاب لانها إنما تستعمل غالبا في الواجبات ولو كان مخيرا بارادة الصدقة لما لزمه شيء يجزئ عنه بعضه .
الثاني : ان منعه من الصدقة بزيادة على الثلث دليل على انه ليس يقربه لان النبي A لا يمنع أصحابه من القرب ونذر ما ليس بقربة لا يلزم الوفاء به وما قاله أبو حنيفة فقد سبق الكلام عليه وما قاله ربيعة لا يصح فان هذا ليس بزكاة ولا في معناها فان الصدقة وجبت لا غناء الفقراء ومواستهم وهذه صدقة تبرع بها صاحبها تقربا الى الله تعالى ثم ان المحمول على معهود الشرع المطلق وهذه صدقة معينة غير مطلقة ثم تبطل بما لو نذر صياما فانه لا يحمل على صوم رمضان وكذلك الصلاة وما ذكره جابر بن زيد تحكم بغير دليل .
فصل : وإذا نذر الصدقة بمعين من ماله أو بمقدار كألف فروي عن أحمد انه يجوز ثلثه لأنه مال نذر الصدقة به فأجزأه ثلثة كجميع المال والصحيح في المذهب لزوم الصدقة بجميعه لانه منذور وهو قربة فيلزمه الوفاء به كسائر المنذورات .
ولعموم قوله تعالى : { يوفون بالنذر } وإنما خولف هذا في جميع المال للاثر فيه ولما في الصدقة بجميع المال من الضرر اللاحق به اللهم الا ان يكون المنذور ههنا يستغرق جميع المال فيكون كنذر ذلك ويحتمل انه ان كان المنذور ثلث المال فما دون لزمه وفاء نذره وان زاد على الثلث لزمه الصدقة بقدر الثلث منه لانه حكم يعتبر فيه الثلث فأشبه الوصية به .
فصل : وإذا نذر الصدقة بقدر المال فابرأ غريمه من قدره يقصد به وفاء النذر لم يجزئه وإن كان الغريم من اهل الصدقة قال احمد : لا يجزئه حتى يقبضه وذلك لان الصدقة تقتضي التمليك وهذا إسقاط فلم يجزئه كما في الزكاة .
وقال احمد فيمن نذر ان يتصدق بمال وفي نفسه أنه ألف اجزأه ان يخرج ما شاء وذلك لان اسم المال يقع على القليل وما نواه زيادة على ما تناوله الاسم والنذر لا يلزم بالنية والقياس ان يلزمه ما نواه لأنه نوى بكلامه ما يحتمله فتعلق الحكم به كاليمين وقد نص احمد فيمن نوى صوما او صلاة وفي نفسه اكثر مما يتناوله لفظه أنه يلزمه ذلك وهذا كذلك والله أعلم