مسائل وفصول في أحكام عامة في الكفارة والإعتاق .
مسألة : قال : وإن أعتق نصفي عبدين أو نصفي أمتين أو نصفي عبد وأمة أجزأ عنه .
قال الشريف أبو جعفر هذا قول أكثرهم يعني أكثر الفقهاء وقال أبو بكر بن جعفر لا يجزىء لأن المقصود من العتق تكميل الأحكام ولا يحصل من إعتاق نصفين واختلف أصحاب الشافعي على ثلاثة أوجه فمنهم من قال كقول الخرقي ومنهم من قال كقول أبي بكر ومنهم من قال إن كان نصف الرقيق حرا أجزأ لأنه يحصل تكميل الأحكام وإن كان رقيقا لم يجز لأنه لا يحصل .
ولنا أن الأشقاص كالأشخاص فيما لا يمنع منه العيب اليسير دليله الزكاة ونعني به إذا كان له نصف ثمانين شاة مشاعا وجبت الزكاة كما لو ملك أربعين منفردة وكالهدايا والضحايا إذا اشتركوا فيها والأولى أنه لا يجزىء إعتاق نصفين اذا لم يكن الباقي بينهما حرا لأن اطلاق الرقبة إنما ينصرف إلى إعتاق الكاملة ولا يحصل من الشقصين ما يحصل من الرقبة الكاملة من تكميل الأحكام وتخليص الآدمي من ضرر الرق وشقصه فلا يثبت به من الأحكام ما يثبت بإعتاق رقبة كاملة ويمتنع قياس الشقصين على الرقبة الكاملة ولهذا لو أمر انسانا بشراء رقبة أو بيعها أو بإهداء حيوان أو بالصدقة به لم يكن له أن يشقصه كذا ههنا .
مسألة : قال : وإن أعتق نصف عبد وأطعم خمسة مساكين أو كساهم لم يجزئه .
لا نعلم في هذا خلافا وذلك لأن مقصودهما مختلف متباين إذ كان الفصد من العتق تكميل الأحكام وتخليص المعتق من الرق والقصد من الإطعام والكسوة سد الخلة وإبقاء النفس بدفع المجاعة في الطعام وستر العورة ودفع ضرر الحر والبرد في الكسوة فلتقارب معناهما واتحاد مصرفهما جريا مجريا الجنس الواحد فكملت الكفارة من أحدهما بالآخر ولذلك سوي بين عددهما ولتباعد قصد العتق منهما واختلاف مصرفهما ومباينتهما له لم يجريا مجرى الجنس الواحد فلم يكمل به واحد منهما ولذلك خالف عدده عددهما .
فصل : ولو أطعم المساكين أو كساهم أو أعتق نصف عبد ولم يكن له ما يتم به الكفارة فصام عن الباقي لم يجزئه ولأنه يدل في الكفارة فلم تكمل به كسائر الإبدال مع مبدلاتها ولأن الصوم من الطعام والكسوة أبعد من العتق فإذا لم يجز تكميل أحد نوعي المبدل من الآخر فتكميله بالبدل أولى فإن قيل يبطل هذا بالغسل والوضوء مع التيمم قلنا التيمم لا يأتي ببعضه بدلا عن بعض الطهارة وإنما يأتي به بكماله وههنا لو أتى بالصيام جميعه أجزأه .
مسألة : قال : ومن دخل في الصوم ثم أيسر لم يكن عليه الخروج من الصوم إلى العتق أو الإطعام إلا أن يشاء .
مسألة : قال : في هذه المسألة فصلان الفصل الأول : أنه إذا شرع في الصوم ثم قدر على العتق أو الإطعام أو الكسوة لم يلزمه الرجوع إليها وروي ذلك عن الحسن و قتادة وبه قال مالك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر وروي عن النخعي و الحكم أنه يلزمه الرجوع إلى أحدها وبه قال الثوري وأصحاب الرأي لأنه قدر على المبدل قبل إتمام البدل فلزمه الرجوع كالمتيمم إذا قدر على الماء قبل إتمام صلاته .
ولنا أنه بدل لا يبطل بالقدرة على المبدل فلم يلزمه الرجوع إلى المبدل بعد الشروع فيه كما لو شرع المتمتع العاجز عن الهدي في صوم السبعة الأيام فإنه لا يخرج بلا خلاف .
والدليل على أن البدل لا يبطل أن البدل الصوم وهو صحيح مع قدرته اتفاقا وفارق التيمم فإنه يبطل بالقدرة على الماء بعد فراغه منه ولأن الرجوع إلى طهارة الماء لا مشقة فيه ليسره والكفارة يشق الجمع فيها بين خصلتين وإيجاب الرجوع يفضي إن ذلك فإن قيل ينتقض دليلكم بما إذا شرع المتمتع في صوم الثلاثة قلنا إذا قدر على الهدي في صوم الثلاثة تبينا أنه ليس بعادم له في وقته لأن وقت الهدي يوم النحر بخلاف مسألتنا .
الفصل الثاني : أنه أن واجب الإنتقال إلى الأعلى فله ذلك في قول أكثرهم ولا نعلم خلافا إلا في العبد إذا حنث ثم عتق .
وقال أبو الخطاب لا يجوز الإنتقال في مسألتنا محتجا بقول الخرقي إذا حنث وهو عبد فلم يكفر حتى عتق قال وهو ظاهر كلام أحمد لقوله في العبد إنما يكفر ما وجب عليه .
ولنا أن العتق والإطعام الأصل فأجزأه التكفير به كما لو تكلف الفقير فاستدان وأعتق وأما العبد إذا عتق فيحتمل أنه يجوز له الإنتقال كمسألتنا ويحمل كلام أحمد على أنه لا يلزمه الإنتقال ويحتمل أنه يفرق بينه وبين الحر من حيث أن الحر كان يجزئه التكفير بالمال لو تكلفه والعبد لم يكن يجزئه إلا الصيام على رواية .
فصل : ولو وجبت الكفارة على موسر فأعسر لم يجزئه الصيام وبهذا قال الشافعي وقال أبو ثور وأصحاب الرأي يجزئه لأنه عاجز عن المبدل فجاز له العدول إلى البدل كما لو وجبت عليه الصلاة ومعه ماء فاندفق قبل الوضوء به .
ولنا أن الإطعام وجب عليه في الكفارة فلم يسقط بالعجز عنه كالإطعام في كفارة الظهار وفارق الوضوء لأن الصلاة واجبة ولا بد من أدائها فاحتيج إلى الطهارة لها في وقتها بخلاف الكفارة .
فصل : والكفارة في حق العبد والحر والرجل والمرأة والمسلم والكافر سواء لأن الله تعالى ذكر الكفارة بلفظ عام في جميع المخاطبين فدخل الكل في عمومه إلا أن الكافر لا يصح منه التكفير بالصيام لأنه عبادة وليس هو من أهلها ولا بالإعتاق لأن من شرطه الأيمان في الرقبة ولا يجوز لكافر شراء مسلم إلا أن يتفق إسلامه في يديه أو يرث مسلما فيعتقه فيصح إعتاقه وإن ل ميتفق ذلك فتكفيره بالإطعام أو الكسوة فإذا كفر به ثم أسلم لم يلزمه أعادة التكفير وإن أسلم قبل التكفير كفر بما يجب عليه في تلك الحال من إعتاق أو إطعام أو كسوة أو صيام ويحتمل على قول الخرقي إلا يجزئه الصيام لأنه إنما يكفر بما وجب عليه حين الحنث ولم يكن الصيام مما وجب عليه