مسألة وفصلان إذا كان الحانث عبدا لم يكفر بغير الصوم وحكم ما لو أعتق العبد عبدا .
مسألة : قال : ولو كان الحانث عبدا لم يكفر بغير الصوم .
لا خلاف في أن العبد يجزئه الصيام في الكفارة لأن ذلك فرض المعسر من الأحرار وهو أحسن حالا من العبد فإنه يملك في الجملة ولأن العبد داخل في قوله تعالى : { فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام } وإن أذن السيد لعبده في التكفير بالمال لم يلزمه لأنه ليس بمالك لما أذن له فيه وظاهر كلام الخرقي أنه لا يجزئه التكفير بغير الصيام وقد قال غيره من أصحابنا فيما إذن له سيده في التكفير بالمال روايتان .
احداهما : يجوز تكفيره به والأخرى : لا يجوز إلا بالصيام وقد ذكرنا علل ذلك في الظهار والاختلاف فيه .
وذكر القاضي أن أصل هذا عنده الروايتان في ملك العبد بالتمليك إن قلنا يملك بالتمليك فملكه سيده وأذن له بالتكفير بالمال جاز لأنه مالك لما يكفر به وإن قلنا لا يملك بالتمليك ففرضه الصيام لأنه لا يملك شيئا يكفر به وكذلك إن قلنا يملك ولم يأذن له سيده بالتكفير في المال ففرضه الصيام وإن ملك لأنه محجور عليه ممنوع من التصرف فيما في يديه قال وأصحابنا يجعلون في العبد روايتين مطلقا سواء قلنا يملك أو لا يملك ثم على الرواية التي تجيز له التكفير بالمال له إن يطعم وهل له أن يعتق ؟ على روايتين .
إحداهما : ليس له ذلك لأن العتق يقتضي الولاء والولاية والإرث وليس ذلك للعبد ولكن يكفر بالإطعام وهذا رواية عن مالك وبه قال الشافعي على القول الذي يجيز له التكفير بالمال .
والثانية : له التكفير بالعتق لأن من صح تكفيره بالمال صح بالعتق كالحر ولأنه يملك العبد فصح تكفيره بإعتاقه كالحر وقولهم أن العتق يقتضي الولاء والولاية لا نسلم ذلك في العتق في الكفارة على ما أسلفناه وإن سلمنا فتخلف بعض الأحكام لا يمنع ثبوت المقتضي فإن الحكم يتخلف بتخلف سببه لا لتخلف أحكامه كما أنه يثبت لوجود سببه ولأن تخلف بعض الأحكام مع وجود المقتضي إنما يكون لمانع منعها ويجوز أن يختص المنع بها دون غيرها ولهذا السبب المقتضي لهذه الأحكام لا يمنع ثبوته تخلفها عنه في الرقيق على أن الولاء يثبت بإعتاق العبد لكن لا يرث به كما لو اختلف ديناهما وهذا اختيار أبي بكر وفرع عليه إذا أذن له سيده فأعتق نفسه ففيه قولان .
أحدهما : يجزئه لأنه رقبة تجزىء عن غيره فأجزأت عن نفسه كغيره والآخر لا يجزئه لأن الإذن له في الإعتاق ينصرف إلى إعتاق غيره وهذا التعليل يدل على أن سيده لو أذن له في إعتاق نفسه عن كفارته جاز فأما ان أطلق الإذن في الإعتاق فليس له أن يعتق إلا أقل رقبة تجزىء عن الواجب وليس له إعتاق نفسه إذا كانت أفضل مما يجزىء وهذا من أبي بكر يقتضي أنه لا يعتبر في التكفير أن يملكه سيده ما يكفر به لأنه لا يملك نفسه بل متى أذن له في التكفير بالعتق أو الإطعام أجزأه لأنه لو اعتبر التمليك لما صح له أن يعتق نفسه لأنه لا يملكها ولأن التمليك لا يكون إلا في معين ولا يصح أن يأذن فيه مطلقا .
فصل : وإذا أعتق العبد عبدا عن كفارته بإذن سيده وقلنا إن الإعتاق في الكفارة يثبت به الولاء لمعتقه ثبت ولاؤه للعبد الذي أعتقه لقول النبي A : [ إنما الولاء للمعتق ] ولا يرث لأنه ليس من أهل الميراث ولا يمتنع ثبوت الولاء مع انتفاء الإرث كما لو اختلف دينهما أو قتل المعتق عتيقه فإنه لا يرثه مع ثبوت الولاء له عليه فإن عتق المعتق له ورث بالولاء لزوال المانع كما إذا كانا مختلفي الدين فاسلم الكافر منهما ذكر هذا طلحة العاقولي ومقتضى هذا أن سيد العبد لا يرث عتيقه في حياة عبده كما لا يرث ولد عبده فإن أعتق عبده ثم مات ورث السيد مولى عبده لأنه مولى مولاه كما أنه لو أعتق العبد وله ولد عليه الولاء لمولى أمه يجر ولاءه ويرثه سيده إذا مات أبوه .
فصل : وليس للسيد منع عبده من التكفير بالصيام سواء كان الحلف أو الحنث بإذنه أو بغير إذنه وسواء أضر به الصيام أو لم يضر به وقال الشافعي أن حنث بغير إذنه والصوم يضر به فله منعه لأن السيد لم يأذن له فيما ألزمه نفسه مما يتعلق به ضرر على السيد فكان له منعه وتحليله كما لو أحرم بالحج بغير إذنه .
ولنا أنه صوم واجب لحق الله تعالى فلم يكن لسيده منعه منه كصيام رمضان وقضائه ويفارق الحج لأن ضرره كثير لطول مدته وغيبته عن سيده وتفويف خدمته ولهذا ملك تحليل زوجته منه ولم يملك منعها صوم الكفارة فأما صوم التطوع فإن كان فيه ضرر عليه فللسيد منعه منه لأنه يفوت حقه بما ليس بواجب عليه وإن كان لا يضر به لم يكن لسيده منعه منه لأنه يعبد ربه بما لا مضرة فيه فأشبه ذكر الله تعالى وصلاة النافلة في غير وقت خدمته وللزوج منع زوجته منه في كل حال لأنه يفوت حقه من الإستمتاع ويمنعه منه