مسائل وفصول في العقيقة .
مسألة : قال : والعقيقة سنة عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة .
العقيقة الذبيحة التي تذبح عن المولود وقيل هي الطعام الذي يصنع ويدعى إليه من أجل المولود قال أبو عبيد في العقيقة الشعر الذي على المولود وجمعها عقائق ومنها قول الشاعر .
( أيا هند لا تنكحي بوهة ... عليه عقيقته أحسبا ) .
ثم أن العرب سمت الذبيحة عند حلق شعره عقيقة على عاداتهم في تسمية الشيء باسم سببه أو مما جاوره ثم اشتهر ذلك حتى صار من الأسماء العرفية وصارت الحقيقة مغمورة فيه فلا يفهم من العقيقة عند الإطلاق إلا الذبيحة وقال ابن عبد البر أنكر أحمد هذا التفسير وقال ان العقيقة الذبح نفسه ووجهه أن أصل العق القطع ومنه عق والديه إذا قطعهما والذبح قطع الحلقوم والمريء والودجين والعقيقة سنة في قول عامة أهل العلم منهم ابن عباس وابن عمر وعائشة وفقهاء التابعين وأئمة الأمصار إلا أصحاب الرأي قالوا ليست سنة وهي من أمر الجاهلية [ وروي عن النبي A أنه سئل عن العقيقة فقال : إن الله تعالى لا يحب العقوق ] فكأنه كره الاسم وقال : [ من ولد له مولود فأحب أن ينسك عنه فليفعل ] رواه مالك في موطئه وقال الحسن و داود هي واجبة وروي عن بريدة أن الناس يعرضون عليها كم يعرضون على الصلوات الخمس لما روى سمرة بن جندب أن النبي A قال : [ كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه وتحلق رأسه ] وعن أبي هريرة مثله قال أحمد اسناده جيد وروى حديث سمرة الأثرم و أبو داود [ وعن عائشة أن رسول الله A أمرهم عن الغلام بشاتين وعن الجارية بشاة ] وظاهر الأمر الوجوب .
ولنا على استحبابها هذه الأحاديث وعن أم كرز الكعبية قالت سمعت رسول الله A يقول : [ عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة ] وفي لفظ : [ عن الغلام شاتان مثلان وعن الجارية شاة ] رواه أبو داود وفي رواية قال : [ العقيقة عن الغلام شاتان ] والإجماع قال أبو الزناد العقيقة من أمر الناس كانوا يكرهون تركه وقال أحمد العقيقة سنة عن رسول الله A قد عق عن الحسن و الحسين وفعله أصحابه وقال النبي A : [ الغلام مرتهن بعقيقته ] وهو اسناد جيد يرويه أبو هريرة عن النبي A وجعلها أبو حنيفة من أمر الجاهلية وذلك لقلة علمه ومعرفته بالأخبار وأما بيان كونها غير واجبة فدليله ما احتج به أصحاب الرأي من الخبر وما رووه محمول على تأكيد الأستحباب جمعا بين الأخبار ولأنها ذبيحة لسرور حادق فلم تكن واجبة كالوليمة والنقيعة .
فصل : والعقيقة أفضل من الصدقة بقيمتها نص عليه أحمد وقال إذا لم يكن عنده ما يعق فاستقرض رجوت أن يخلف الله عليه احياء السنة قال ابن المنذر : صدق أحمد احياء السنن واتباعها أفضل وقد ورد فيها من التأكيد في الأخبار التي رويناها ما لم يرد في غيرها ولأنها ذبيحة أمر النبي A بها فكانت أولى كالوليمة والأضحية .
مسألة : قال : عن الغلام وعن الجارية شاة .
هذا قول أكثر القائلين بها وبه قال ابن عباس وعائشة و الشافعي و إسحاق و أبو ثور وكان ابن عمر يقول : [ شاة عن الغلام والجارية لما روي عن النبي A أنه عق عن الحسن شاة وعن الحسين شاة ] رواه أبو داود كان الحسن و قتادة لا يريان عن الجارية عقيقة لأن العقيقة شكر للنعمة الحاصلة بالولد والجارية لا يحصل بها سرور فلا يشرع لها عقيقة .
ولنا حديث عائشة وأم كرز وهذا نص وما روه محمول على الجواز [ إذا ثبت هذا فالمستحب أن تكون الشاتان متماثلتين لقول النبي A : شاتان مكافئتان ] وفي رواية [ مثلان ] قال أحمد يعني متقاربتين أو متساويتين لما جاء من الحديث فيه ويجوز فيها الذكر والأنثى لما روي في حديث أم كرز أنها سمعت رسول الله A يقول : [ عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة ولا بأس أن يكون ذكورا أو إناثا ] رواه أبو سعيد و أبو داود والذكر أفضل لأن النبي A عق عن الحسن بكبش كبش وضحى بكبشين أقرنين والعقيقة تجري مجرى الأضحية والأفضل في لونها البياض على ما ذكرنا في الأضحية لأنها تشبهها ويستحب استسمانها واستعظامها واستحسانها كذلك وإن خالف ذلك أو عق بكبش واحد أجزأ لما روينا من حديث الحسن و الحسين .
مسألة : قال : ويذبح يوم السابع .
قال أصحابنا السنة أن تذبح يوم السابع فإن فات ففي أربع عشرة فإن فات ففي إحدى وعشرين ويروى هذا عن عائشة وبه قال إسحاق وعن مالك في الرجل يريد أن يعق عن ولده فقال ما علمت هذا من أمر الناس وما يعجبني ولا نعلم خلافا بين أهل العلم القائلين بمشروعيتها في استحباب ذبحها يوم السابع والأصل فيه حديث سمرة عن النبي A أنه قال : [ كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه ] وأما كونه في أربع عشرة ثم في إحدى وعشرين فالحجة فيه قول عائشة Bها وهذا تقدير الظاهر أنها لا تقوله إلا توقيفا وإن ذبح قبل ذلك أو بعده أجزأه لأن المقصود يحصل وإن تجاوز أحدا وعشرين احتمل أن يستحب في كل سابع فيجعله في ثمانية وعشرين فإن لم يكن فقي خمسة وثلاثين وعلى هذا قياسا على ما قبله واحتمل أن يجوز في كل وقت لأن هذا قضاء فائت فلم يتوقف كقضاء الأضحية وغيرها وإن لم يعق أصلا فبلغ الغلام وكسب فلا عقيقة عليه وسئل أحمد عن هذه المسألة فقال ذلك على الوالد يعني لا يعق عن نفسه لأن السنة في في حق غيره وقال عطاء و الحسن يعق عن نفسه لأنها مشروعة عنه ولأنه مرتهن بها فينبغي أن يشرع له فكاك نفسه .
ولنا أنها مشروعة في حق الوالد فلا يفعلها غيره كالأجنبي وكصدقة الفطر .
فصل : ويستحب أن يحلق رأس الصبي يوم السابع ويسمى لحديث سمرة وإن تصدق بزنة شعره فضة فحسن لما [ روى أن النبي A قال لفاطمة لما ولدت الحسن : احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة على المساكين والأفاوض ] يعني أهل الصفة رواه الإمام أحمد وروى سعيد في سننه عن محمد بن علي [ أن رسول الله A عق عن الحسن والحسين بكبش كبش وأنه تصدق بوزن شعورهما ورقا ] وإن فاطمة كانت إذا ولدت ولدا حلقت شعره وتصدقت بوزنه ورقا [ وإن سماه قبل السابع جاز لأن النبي A قال : ولد الليلة لي غلام فسميته باسم أبي إبراهيم ] وسمى الغلام الذي جاءه به أنس بن مالك فحنكه وسماه عبد الله [ ويستحب أن يحسن اسمه لأنه روي عن النبي A أنه قال : أنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فاحسنوا أسماءكم ] وقال عليه السلام : [ أحب الأسماء إلي عبد الله وعبد الرحمن ] حديث صحيح .
وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال : أحب الأسماء إلى الله تعالى أسماء الأنبياء وقال النبي A [ تسموا باسم ولا تكنوا بكنيتي ] وفي رواية [ لا تجمعوا بين اسمي وبين كنيتي ] .
فصل : ويكره أن يلطخ رأسه بدم كره ذلك أحمد و الزهري و مالك و الشافعي و ابن المنذر و حكي عن الحسن و قتادة أنه مستحب لما روي في حديث سمرة عن النبي A قال : [ الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويدمى ] رواه همام عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال ابن عبد البر : لا أعلم أحدا قال هذا إلا الحسن و قتادة وأنكر أهل العلم وكرهوه لأن النبي A قال : [ مع الغلام عقيقته فهر يقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى ] رواه ابو داود وهذا يقتضي أن لا يمس بدم لأنه أذى .
وروى يزيد بن عبد المزني عن أبيه أن النبي A قال : [ يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم ] قال مهنا ذكرت هذا الحديث ل أحمد فقال ما أظرفه ورواه ابن ماجة ولم يقل عن أبيه ولأن هذا تنجيس له فلا يشرع كلطخه بغيره من النجاسات .
وقال بريدة كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ويلطخ رأسه بدمها فلما جاء الإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران رواه أبو داود فأما رواية من روى [ ويدمى ] فقال أبو داود ويسمى أصح هكذا قال سلام ابن أبي مطيع عن قتادة وإياس بن دغفل عن الحسن : وهم همام فقال ويدمى قال أحمد قال فيه ابن أبي عروبة يسمى وقال همام يدمى وما أراه إلا أخطأ وقد قيل هو تصحيف من الراوي .
مسألة : قال : ويجتنب فيها من العيب ما يجتنب في الأضحية .
وجملته أن حكم العقيقة حكم الأضحية في سنها وإنه يمنع فيها من العيب ما يمنع ويستحب فيها من الصفة ما يستحب فيها وكانت عائشة تقول ائتوني به أعين أقرن وقال عطاء : لذكر أحب إلي من الأنثى : والضأن أحب من المعز فلا يجزىء فيها أقل من الجذع من الضأن والثني من المعز ولا تجوز فيها العوراء البين عورها والعرجاء البين ظلعها والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقي والعضباء التي ذهب أكثر من نصف أذنها أو قرنها وتكره فيه الشرقاء والخرقاء والمقابلة والمدابرة ويستحب استشراف العين والأذن كما ذكرنا في الأضحية سواء لأنها تشبهها فتقاس عليها .
مسألة : قال : وسبيلها في الأكل والهدية والصدقة سبيلها لا أنها تطبخ أجدالا .
وبهذا قال الشافعي وقال ابن سيرين اصنع بلحمها كيف شئت وقال ابن جريج تطبخ بما وملح وتهدى الجيران والصديق ولا يتصدق منها بشيء وسئل أحمد عنها فحكى قول ابن سيرين وهذا يدل على أنه ذهب إليه وسئل هل يأكلها كلها ؟ قال لم أقل يأكلها كلها ولا يتصدق منها بشيء والأشبه قياسها على الأضحية لأنها نسيكة مشروعة غير واجبة فأشبهت الأضحية ولأنها أشبهتها في صفاتها وسنها وقدرها وشروطها فأشبهتها في مصرفها وإن طبخها ودعا إخوانه فأكلوها فحسن ويستحب أن تفصل أعضاؤها ولا تكسر عظامها لما روي عن عائشة أنها قالت : السنة شاتان مكافئتان عن الغلام وعن الجارية شاة تطبخ جدولا ولا يكسر عظم ويأكل ويطعم ويتصدق وذلك يوم السابع .
قال أبو عبيد الهروي في العقيقة تطبخ جدولا لا يكسر لها عظم أي عضوا عضوا وهو الجدال بالدال غير المعجمة والأرب والشلو والعضو والوصل كله واحد وإنما فعل بها ذلك لأنها أول ذبيحة ذبحت عن المولود فاستحب فيها ذلك تفاؤلا بالسلامة كذلك قالت عائشة وروي أيضا عن عطاء و ابن جريج وبه قال الشافعي .
فصل : قال أحمد يباع الجلد والرأس والسقط ويتصدق به وقد نص في الأضحية على خلاف هذا وهو أقيس في مذهبه لأنها ذبيحة لله فلا يباع منها شيء كالهدي ولأنه تمكن الصدقة بذلك بعينه فلا حاجة إلى بيعه وقال أبو الخطاب يحتمل أن ينقل حكم إحداهما إلى الأخرى فيخرج في المسألتين روايتان ويحتمل أن يفرق بينهما من حيث أن الأضحية ذبيحة شرعت يوم النحر فأشبهت الهدي والعقيقة شرعت عند سرور حادث وتجدد نعمة فأشبهت الذبيحة في الوليمة ولأن الذبيحة ههنا لم تخرج عن ملكه فكان له أن يفعل بها ما شاء من بيع وغيره والصدقة بثمن ما بيع منها بمنزلة الصدقة به في فضلها وثوابها وحصول النفع به فكان له ذلك .
فصل : قال بعض أهل العلم يستحب للوالد أن يؤذن في أذن ابنه حين يولد لما روى عبد الله ابن رافع عن أمه أن النبي A أذن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة وعن عمر بن عبد العزيز أنه كان إذا ولد له مولود أخذه في خرقة فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى وسماه وروينا أن رجلا قال لرجل عند الحسن يهنئه بابن له ليهنئك الفارس فقال الحسن وما يدريك أنه فارس هو أو حمار ؟ فقال كيف نقول ؟ قال قل بورك في الموهوب وشكرت الواهب وبلغ أشده ورزقت بره [ وروي عن النبي A كان يحنك أولاد الأنصار بالتمر وروى أنس قال ذهبت بعبد الله بن طلحة إلى رسول الله A حين ولد قال : هل معك تمر ؟ فناولته تمرات فلاكهن ثم فغر فاه ثم مجه فيه فجعل يتلمظ فقال رسول الله A : حب الأنصار التمر ] وسماه عبد الله .
فصل : قال أصحابنا لا تسن الفرعة ولا العتيرة وهو قول علماء الأمصار سوى ابن سيرين فإنه كان يذبح العتيرة في رجب ويروي فيها شيئا والفرعة والفرع بفتح الراء أول ولد الناقة كانوا يذبحونه لآلهتهم في الجاهلية فنهوا عنها قال ذلك أبو عمرو الشيباني وقال أبو عبيد العتيرة : هي الرجبية كان أهل الجاهلية إذا طلب أحدهم أمرا نذر أن يذبح من غنمه شاة في رجب وهي العتائر والصحيح إن شاء الله تعالى [ أنهم كانوا يذبحونها في رجب من غير نذر جعلوا ذلك سنة فيما بينهم كالأضحية في الأضحى وكان منهم من ينذرها كما قد تنذر الأضحية بدليل قول النبي A : على كل أهل بيت أضحاة وعتيرة ] وهذا الذي قاله النبي A في بدء الإسلام تقرير لما كان في الجاهلية وهو يقتضي ثبوتها بغير نذر ثم نسخ ذلك بعد ولأن العتيرة لو كانت في المنذروة لم تكن منسوخة فإن الإنسان لو نذر ذبح شاة في أي وقت كان لزمه الوفاء بنذره والله أعلم [ وروي عن عائشة Bها قالت أمرنا رسول الله A بالفرعة من كل خمس واحدة ] قال ابن المنذر هذا حديث ثابت .
ولنا ما روى أبو هريرة أن النبي A : [ لا فرع ولا عتيرة ] متفق عليه وهذا الحديث متأخر عن الأمر بها فيكون ناسخا ودليل تأخره أمران أحدهما : أن رواية أبي هريرة وهو متأخر الإسلام فإن إسلامه في سنة فتح خيبر وهي السنة السابعة من الهجرة والثاني : أن الفرع والعتيرة كان فعلهما أمرا متقدما على الإسلام فالظاهر بقاؤهم عليه إلى حين نسخه واستمرار النسخ من غير رفع له ولو قدرنا تقدم النهي على الأمر بها لكانت قد نسخت ثم نسخ ناسخها وهذا خلاف الظاهر إذا ثبت هذا فإن المراد بالخبر نفي كونها سنة لا تحريم فعلها ولا كراهته فلو ذبح إنسان ذبيحة في رجب أو ذبح ولد الناقة لحاجته إلى ذلك أو للصدقة به وإطعامه لم يكن ذلك مكروها والله تعالى أعلم