مسألتان وفصول الإختلاف في وقت التضحية وحكم ما لو فات الوقت ولم يذبح أو ذبح قبل الوقت .
مسألة : قال : وإذا مضى من نهار يوم الأضحى مقدار صلاة العيد وخطبته فقد حل الذبح إلى آخر يومين من أيام التشريق نهارا ولا يجوز ليلا .
الكلام في وقت الذبح في ثلاثة أشياء : أوله وآخره وعموم وقته أو خصوصه أما أوله فظاهر كلام الخرقي أنه إذا مضى من نهار يوم العيد قدر تحل فيه الصلاة وقدر الصلاة والخطبتين تامتين في أخف ما يكون فقد حل وقت الذبح ولا تعتبر نفس الصلاة لا فرق في هذا بين أهل المصر وغيرهم وهذا مذهب الشافعي و ابن المنذر وظاهر كلام أحمد أن من شرط جواز التضحية في حق أهل المصر صلاة الإمام وخطبته وروي نحو هذا عن الحسن و الأوزاعي و مالك و أبي حنيفة و إسحاق لما روى جندب بن عبد الله البجلي أن النبي A قال : [ من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ] .
وعن البراء قال : قال رسول الله عليه وسلم : [ من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك ومن ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ] متفق عليه وفي لفظ قال : [ إن أول نسكنا في يومنا هذا الصلاة ثم الذبح فمن ذبح قبل الصلاة فتلك شاة لحم قدمها لأهله ليس من النسك في شيء ] وظاهر هذا اعتبار نفس الصلاة .
وقال عطاء وقتها إذا طلعت الشمس لأنها عبادة يتعلق آخرها بالوقت فتعلق أولها بالوقت كالصيام وهذا وجه قول الخرقي ومن وافقه والصحيح إن شاء الله تعالى أن وقتها في الموضع الذي يصلي فيه بعد الصلاة لظاهر الخبر والعمل بظاهره أولى فأما غير أهل الأمصار والقرى فأول وقتها في حقهم قدر الصلاة والخطبة بعد الصلاة لأنه لا صلاة في حقهم تعتبر فوجب الإعتبار بقدرها وقال أبو حنيفة : أول وقتها في حقهم إذا طلع الفجر الثاني لأنه من يوم النحر فكان وقتها كسائر اليوم .
ولنا أنها عبادة وقتها في حق أهل المصر بعد إشراق الشمس فلا تتقدم وقتها في حق غيرهم كصلاة العيد وما ذكروه يبطل بأهل الأمصار فإن لم يصل الإمام في المصر لم يجز الذبح حتى تزول الشمس لأنها حينئذ تسقط فكأنه قد صلى وسواء ترك الصلاة عمدا أو غير عمد لعذر أو غيره فأما الذبح في اليوم الثاني فهو في أول النهار لأن الصلاة فيه غير واجبة ولأن الوقت قد دخل في اليوم الأول وهذا من اثنائه فلا تعتبر فيه صلاة ولا غيرها وإن صلى الإمام في المصلى واستخلف من صلى في المسجد فمتى صلوا في أحد الموضعين جاز الذبح لوجود الصلاة التي يسقط بها الفرض عن سائر الناس فإن ذبح بعد الصلاة قبل الخطبة أجزأ في ظاهر كلام أحمد لأن النبي A علق المنع على فعل الصلاة فلا يتعلق بغيره ولأنه الخطبة غير واجبة وهذا قول الثوري .
الثاني : آخر الوقت وآخره اليوم الثاني من أيام التشريق فتكون أيام النحر ثلاثة : يوم العيد ويومان بعده وهذا قول عمر وعلي وابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأنس قال أحمد أيام النحر ثلاثة عن غير واحد من أصحاب رسول الله A وفي رواية قال خمسة من أصحاب رسول الله A ولم يذكر أنسا وهو قول مالك و الثوري و أبي حنيفة وروي عن علي : آخر أيام التشريق وهو مذهب الشافعي وقول عطاء و الحسن لأنه روي عن جبير بن مطعم أن النبي A قال : [ أيام منى كلها منحر ] ولأنها أيام تكبير وإفطار فكانت محلا للنحر كالأولين وقال ابن سيرين لا تجوز إلا في يوم النحر خاصة لأنها وظيفة عيد فلا تجوز إلا في يوم واحد كاداء الفطرة يوم الفطر وقال سعيد بن جبير وجابر بن زيد كقول ابن سيرين في اهل الأمصار وقولنا في أهل منى وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن و عطاء بن يسار تجوز التضحية إلى هلال المحرم وقال أبو أمامة بن سهل بن حنيف كان الرجل من المسلمين يشتري أضحية فيسمنها حتى يكون آخر ذي الحجة فيضحي بها رواه الإمام أحمد بإسناده وقال : هذا الحديث عجيب وقال أيام الأضحى التي أجمع عليها ثلاثة ايام .
[ ولنا أن النبي A نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث ولا يجوز الذبح في وقت لا يجوز ادخار الأضحية إليه ولأن اليوم الرابع لا يجب الرمي فيه فلم تجز التضحية فيه كالذي بعده ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم إلا رواية عن علي وقد روي عنه مثل مذهبنا وحديثهم إنما هو ومنى كلها منحر ] ليس فيه ذكر الأيام والتكبير أعم من الذبح وكذلك الأفطار بدليل أول يوم النحر ويوم عرفة يوم التكبير ولا يجوز الذبح فيه .
الثالث : في زمن الذبح وهو النهار دون الليل نص عليه أحمد في رواية الأثرم وهو قول مالك وروي عن عطاء ما يدل عليه وحكي عن أحمد رواية أخرى أن الذبح يجوز ليلا وهو اختيار أصحابنا المتأخرين وقول الشافعي و إسحاق و أبي حنيفة وأصحابه لأن الليل زمن يصح فيه الرمي فأشبه النهار .
ووجه قول الخرقي قول الله تعالى : { ليذكروا اسم الله على ما رزقهم من بهيمة الأنعام } روي عن النبي A أنه نهى عن الذبح بالليل ولأنه ليل يوم يجوز الذبح فيه فأشبه ليلة يوم النحر ولأن الليل تتعذر فيه تفرقة اللحم في الغالب فلا يفرق طريا فيفوت بعض المقصود ولذا قالوا يكره الذبح فيه فعلى هذا أن ذبح ليللا لم يجزئه عن الواجب وإن كان تطوعا فذبحها كانت شاة لحم ولم تكن أضحية فإن فرقها حصلت القربة بتفريقها دون ذبحها .
فصل : إذا فات وقت الذبح ذبح الواجب قضاء وصنع به ما يصنع بالمذبوح في وقته وهو مخير في التطوع فإن فرق لحمها كانت القربة بذلك دون الذبح لأنها شاة لحم وليست أضحية وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة يسلمها إلى الفقراء ولا يذبحها فإن ذبحها فرق لحمها وعليه أرش ما نقصها الذبح لأن الذبح قد سقط بفوات وقته .
ولنا أن الذبح أحد مقصودي الأضحية فلا يسقط بفوات وقته كتفرقة اللحم وذلك أنه لو ذبحها في الأيام ثم خرجت قبل تفريقها فرقها بعد ذلك ويفارق الوقوف والرمي ولأن الأضحية لا تسقط بفواتها بخلاف ذلك .
فصل : وإذا وجبت الأضحية بإيجابه لها فضلت أو سرقت بغير تفريط منه فلا ضمان عليه لأنها أمانة في يده فإن عادت إليه ذبحها سواء كان في زمن الذبح أو فيما بعده على ما ذكرناه .
مسألة : قال : وإن ذبح قبل ذلك لم يجزئه ولزمه البدل .
وذلك لقول النبي A : [ من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى ] ولأنها نسيكة واجبة ذبحها قبل وقتها فلزمه بدلها كالهدي إذا ذبحه قبل محله ويجب أن يكون بدلها مثلها أو خيرا منها لأن ذبحها قبل محلها إتلاف لها وكلام الخرقي ومن طلق من أصحابنا محمول على الأضحية الواجبة بنذر أو تعيين فإن كانت غير واجبة بواحد من الأمرين فهي شاة لحم ولا بدل عليه إلا ان يشاء لأنه قصد التطوع فأفسده فلم يجب عليه بدله كما لو خرج بصدقة تطوع فدفعها إلى غير مستحقها والحديث يحمل على أحد أمرين إما الندب وإما على التخصيص بمن وجبت عليه بدليل ما ذكرنا فأما الشاة المذبوحة فهي شاة لحم كما وصفها النبي A ومعناه يصنع بها ما شاء كشاة ذبحها للحمها لا لغير ذلك فإن هذه إن كانت واجبة فقد لزمه إبدالها وذبح ما يقوم مقامها فخرجت هذه عن كونها واجبة كالهدي الواجب إذا عطب دون محله وإن كان تطوعا فقد أخرجها بذبحه إياها قبل محلها عن القربة فبقيت مجرد شاة لحم .
ويحتمل أن يكون حكمها حكم الأضحية كالهدي إذا عطب لا يخرج عن حكم الهدي على رواية ويكون معنى قوله شاة لحم أي في فضلها وثوابها خاصة دون ما يصنع بها