مسألة فصلان ما يستحب وما يجوز في الأضحية .
فصل : واختلفت الرواية هل تجوز التضحية عن اليتيم من ماله ؟ فروي أنه ليس للولي ذلك لأنه إخراج شيء من ماله بغير فلم يجز كالصدقة والهدية وهذا مذهب الشافعي وروي أن للولي أن يضحي عنه إذا كان موسرا وهذا قول أبي حنيفة و مالك قال مالك : إذا كان له ثلاثون دينارا يضحي عنه بالشاة بنصف دينار لأنه إخراج مال يتعلق بيوم العيد فجاز إخراجه من مال اليتيم كصدقة الفطر فعلى هذا يكون هذا يكون إخراجها من ماله على سبيل التوسعة عليه والتطييب لقلبه واشراكه لامثاله في مثل هذا اليوم كما يشتري له الثياب الرفيعة للتجمل والطعام الطيب ويوسع عليه في النفقة وإن لم يجب ذلك ويحتمل أن يحمل كلام أحمد في الروايتين على حالين فالموضع الذي منع التضحية إذا كان اليتيم طفلا لا يعقل التضحية ولا يفرح بها ولا يكسر قلبه بتركها لعدم الفائدة فيها فيحصل إخراج ثمنها تضييع مال لا فائدة فيه والموضع الذي أجازها إذا كان اليتيم يعقلها وينجبر قلبه بها وينكسر بتركها لحصول الفائدة منها والضرر بتفويتها واستدل أبو الخطاب بقول أحمد : يضحي عنه على وجوب الأضحية والصحيح إن شاء الله تعالى ما ذكرناه وعلى كل حال متى ضحى عن اليتيم لم يتصدق بشيء منها ويوفرها لنفسه لأنه لا يجوز الصدقة بشيء من مال اليتيم تطوعا .
مسألة : قال : والاستحباب أن يأكل ثلث أضحيته ويهدي ثلثها ويتصدق بثلثها ولو أكل أكثر جاز .
قال أحمد نحن نذهب إلى حديث عبد الله يأكل هو الثلث ويطعم من أراد الثلث ويتصدق على المساكين بالثلث قال علقمة : بعث معي عبد الله بهدية فأمرني أن آكل ثلثا وإن أرسل إلى أهل أخيه عتبة بثلث وإن تصدق بثلث وعن ابن عمر قال الضحايا والهدايا ثلث لك وثلث لأهلك وثلث للمساكين وهذا قول إسحاق وأحد قولي الشافعي وقال في الآخر يجعلها نصفين يأكل نصفا ويتصدق بنصف لقول الله تعالى : { فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير } وقال أصحاب الرأي : [ ما كثر من الصدقة فهو أفضل لأن النبي A أهدى مائة بدنة وأمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فأكل هو وعلي من لحمها وحسيا من مرقها ونحو خمس بدنات أو ست بدنات وقال : من شاء فليتقطع ولم يأكل منهن شيئا ] .
ولنا ماروي عن ان عباس في صفة أضحيه النبي A قال ويطعم أهل بيته الثلث ويطعم فقراء جيرانه الثلث ويتصدق على السؤال بالثلث رواه الحافظ أبو موسى الأصفهاني في الوظائف وقال حديث حسن ولأنه قول ابن مسعود وابن عمر ولم نعرف لهما مخالفا في الصحابة فكان إجماعا ولأن الله تعالى قال : { فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر } والقانع السائل يقال قنع قنوعا إذا سأل وقنع قناعة إذا رضي قال الشاعر : .
( لمال المرء يصلحه فيغني ... مفاقره أعف من القنوع ) .
والمعتر الذي يعتريك أي ويتعرض لك لتطعمه فلا يسأل فذكر ثلاثة أصناف فينبغي أن يقسم بينهم أثلاثا وأما الآية التي احتج بها أصحاب الشافعي فإن الله تعالى لم يبين قدر المأكول منها والمتصدق به وقد نبه عليه في آيتنا وفسره النبي A بفعله وابن عمر بقوله وابن مسعود بأمره وأما خبر أصحاب الرأي فهو في الهدي والهدي يكثر فلا يتمكن الإنسان من قسمه وخذ ثلثه فتتعين الصدقة بها والأمر في هذا واسع فلو تصدق بها كلها أو بأكثرها جاز وإن أكلها كلها إلا أوقية تصدق بها جاز وقال أصحاب الشافعي يجوز أكلها كلها .
ولنا قول الله تعالى قال : { فكلوا منها وأطعموا القانع والمعتر } وقال : { وأطعموا البائس الفقير } والأمر يقتضي الوجوب وقال بعض أهل العلم يجب الأكل منها ولا تجوز الصدقة بجيمعها للأمر بالأكل منها .
ولنا [ أن النبي A نحر خمس بدنات ولم يأكل منهن شيئا وقال : من شاء فليقتطع ] ولأنها ذبيحة يتقرب إلى الله تعالى بها فلم يجب الأكل منها كالعقيقة والأمر للاستحباب أو الإباحة كالأمر بالأكل من الثمار والزرع والنظر إليها .
فصل : ويجوز ادخار لحوم الأضاحي فوق في قول عامة أهل العلم ولم يجزه علي ولا ابن عمر وBهما لأن النبي A نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث .
ولنا أن النبي A قال : [ كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الاضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم ] رواه مسلم وروت عائشة Bها أن النبي A قال : [ أنما نهيتكم للذاقة التي ذفت فكلوا وتزودوا وتصدقوا وادخروا ] وقال أحمد فيه أسانيد صحاح فأما علي وابن عمر فلم يبلغهما ترخيص رسول الله A وقد كانوا سمعوا النهي فرووا على ما سمعوا .
فصل : ويجوز أن يطعم منها كافرا وبهذا قال الحسن و أبو ثور وأصحاب الرأي وقال مالك غيرهم أحب إلينا وكره مالك و الليث إعطاء النصراني جلد الأضحية .
ولنا أنه طعام له أكله فجاز إطعامه للذمي كسائر طعامه ولأنه صدقة تطوع فجاز إطعامها الذمي والأسير كسائر صدقة التطوع فأما الصدقة الواجبة منها فلا يجزىء دفعها إلى كافر لأنها صدقة واجبة فأشبهت الزكاة وكفارة اليمين