فصول في الأضحية وحكم ما لو اشترى أضحية فلم يوجبها حتى علم بها عيبا .
مسألة : قال : ولو أوجبها سليمة فنابت عنده ذبحها وكانت أضحية .
وجملته أنه إذا أوجب أضحية صحيحة سليمة من العيوب ثم حدث بها عيب بمنع الأجزاء ذبحها وأجزأته روي هذا عن عطاء و الحسن و الزهري و الثوري و مالك و الشافعي و إسحاق وقال أصحاب الرأي لا تجزئه لأن الأضحية عندهم واجبة فلا يبرأ منها إلا بإراقة دمها سليمة كما لو أوجبها في ذمته ثم عينها فعابت .
ولنا ما [ روى أبو سعيد قال : ابتعنا كبشا نضحي به فأصاب الذئب من الميتة فسألنا النبي A فأمرنا أن نضحي به ] رواه ابن ماجة ولأنه عيب حدث في الأضحية الواجبة فلم يمنع الأجزاء كما لو حدث بها عيب بمعالجة الذبح ولا نسلم أنها واجبة في الذمة وإنما تعلق الوجوب بعينها فلما أن تعيبت بفعله فعليه بدلها وبه قال الشافعي وقال أبو حنيفة : إذا عالج ذحبها فقلعت السكين عينها أجزأت استحسانا .
ولنا أنه عيب أحدثه بها قبل ذبحها فلم تجزئه كما لو كان قبل معالجة الذبح .
فصل : وإن نذر أضحية في ذمته ثم عينها في شاة تعين فإن عابت تلك الشاة قبل ذبحها لم تجزىء لأن ذمته لا تبرأ إلا بذبح شاة سليمة كما لو نذر رقبة أو كان عليه عتق رقبة في كفارة فاشتراها ثم عابت عنده لم تجزئه وإن قال لله علي عتق هذ العبد فعاب أجزأ عنه .
فصل : وإذا أتلف الأضحية الواجبة فعليه قيمتها لأنها من المتقومات وتعتبر القيمة يوم أتلفها فإن غلت الغنم فصار مثلها خيرا من قيمتها فقال أبو الخطاب يلزمه مثلها لأنه أكثر الأمرين ولأنه تعلق بها حق الله تعالى في ذبحها فوجب عليه مثلها كما لو لم تتعيب بخلاف الآدمي وهذا مذهب الشافعي وظاهر قول القاضي أنه لا يلزمه إلا القيمة يوم أتلافها وهو قول أبي حنيفة لأنه إتلاف أوجب القيمة فلم يجب أكثر من القمية يوم الإتلاف كما لو أتلفها أجنبي وكسائر المضمونات فإن رخصت الغنم فزادت فيمتها على مثلها مثل أن كانت قيمتها عند إتلافها عشرة فصارت قيمة مثلها خمسة فعليه عشرة وجها واحدا فإن شاء اشترى بها أضحية واحدة تساوي عشرة وإن شاء اشترى اثنتين وإن شاء اشترى أضحية واحدة فإن فضل من العشرة ما لا يجيء به أضحية اشترى به شركا في بدنة فإن لم يتسع لذلك أو لم تمكنه المشاركة ففيه وجهان .
أحدهما : يشتري لحما ويتصدق به لأن الذبح وتفرقة اللحم مقصودان فإذا تعذر أحدهما وجب الآخر .
والثاني : يتصدق بالفضل لأنه إذا لم يحصل له التقرب بإراقة الدم كان اللحم وثمنه سواء فإن كان المتلف أجنبيا فعليه قيمتها يوم أتلفها وجها واحدا ويلزمه دفعها إلى صاحبها فإن زاد على ثمن مثلها فحكمه حكم ما لو أتلفها صاحبها وإن لم تبلغ القيمة ثمن أضحية فالحكم فيه على ما مضى فيما زاد على ثمن الأضحية في حق المضحي فإن تلفت الأضحية في يده بغير تفريط أو سرقت أو ضلت فلا شيء عليه لأنها أمانة في يده فلم يضمنها إذا لم يفرط كالوديعة .
فصل : وإن اشترى أضحية فلم يوجبها حتى علم بها عيبا فله ردها إن شاء وإن شاء أخذ أرشها ثم إن كان عيبها يمنع إجزاءها لم يكن له التضحية بها وإلا فله أن يضحي بها ولا أرش له وإن أوجبها ثم علم أنها معيبة فذكر القاضي أنه مخير بين ردها وأخذ أرشها فإن أخذ أرشها فحكمه حكم الزائد عن قيمة الأضحية على ما ذكرناه ويحتمل أن يكون الأرش له لأن إيجابها إنما صادفها بدون هذا الذي أخذ أرشه فلم يتعلق الإيجاب بالأرش ولا بمبدله فأشبه ما لو تصدق بها ثم أخذ أرشها وعلى قول أبي الخطاب لا يملك ردها لأنه قد زال ملكه عنها بإيجابها فأشبه ما لو اشترى عبدا معيبا فأعتقه ثم علم عيبه وهذا مذهب الشافعي فعلى هذا يتعين أخذ الأرش وفي كون الأرش للمشتري ووجوبه في التضحية وجهان ثم ننظر فإن كان عيبها لا يمنع أجزاءها فقد صح إيجابها والتضحية بها وإن كان عيبها يمنع إجزاءها فحكمه حكم ما لو أوجبها عاملا بعيبها على ما سنذكره في موضعه إن شاء الله تعالى