مسألة و فصولفي أحكام الذبح والنحر .
مسألة : قال : فإن ذبح ما ينحر أو نحر ما يذبح فجائز .
هذا قول أكثر أهل العلم منهم عطاء و الزهري و قتادة و مالك و الليث و الثوري و ابو حنيفة و الشافعي و إسحاق و أبو ثور وحكي عن داود أن الإبل لا تباح إلا بالنحر ولا يباح غيرها إلا بالذبح لأن الله تعالى قال : { إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة } والأمر يقتضي الوجوب وقال تعالى : { فصل لربك وانحر } ولأن النبي A نحر البدن وذبح الغنم وإنما تؤخذ الأحكام من جهته وحكي عن مالك أنه لا يجزىء في الإبل إلا النحر لأن أعناقها طويلة فإذا ذبح تعذب بخروج روحه قال ابن المنذر إنما كرهه ولم يحرمه .
ولنا قول النبي A : [ امرر الدم بما شئت ] [ وقالت أسماء نحرنا فرسا على عهد رسول الله A فأكلناه ونحن بالمدينة ] [ عن عائشة قالت : نحر رسول الله A في حجة الوداع بقرة واحدة ] ولأنه ذكاة في محل الذكاة فجاز أكله كالحيوان الآخر .
مسألة : قال : وإذا ذبح فأتى على المقاتل فلم تخرج الروح حتى وقعت في الماء أو وطىء عليها شيء لم تؤكل .
يعني إذا وطىء عليها شيء يقتلها مثله غالبا وهذا الذي ذكره الخرقي نص عليه أحمد وقال أكثر أصحابنا المتأخرين لا يحرم بهذا وهو قول أكثر الفقهاء لأنها إذا ذبحت فقد صارت في حكم الميت وكذلك لو أبين رأسها بعد الذبح لم تحرم نص عليه أحمد ولو ذبح إنسان ثم ضرب آخر عنقه أو غرقه لم يلزمه قصاص ولا دية ووجه قول الخرقي قول النبي A في حديث عدي بن حاتم : [ وإن وقعت في الماء فلا تأكل ] وقال ابن مسعود : من رمى طائرا فوقع في الماء فغرق فيه فلا تأكله ولأن الغرق سبب يقتل فإذا اجتمع مع الذبح فقد اجتمع ما يبيح ويحرم فيغلب الحظر ولأنه لا يؤمن أن يعين على خروج الروح فتكون قد خرجت بفعلين مبيح ومحرم فأشبه ما لو وجد الأمران في حال واحدة أو رماه ومجوسي فمات .
مسألة : قال : وإذا ذبحها من قفاها وهو مخطىء فأتت السكين على موضع ذبحها وهي في الحياة أكلت .
قال القاضي معنى الخطأ أن تلتوي الذبيحة عليه فتأتي السكين على القفا لأنها مع التوائها معجوز عن ذبحها فسقط اعتبار المحل كالمتردية في بئر فأما مع عدم التوائها فلا تباح بذلك لأن الجرح في القفا سبب للزهوق وهو في غير محل الذبح فإذا اجتمع مع الذبح منع حله كما لو بقر بطنها وقد روي عن أحمد ما يدل على هذا المعنى فإن الفضل ابن زياد قال : سألت أبا عبد الله عمن ذبح في القفا قال عامدا أو غير عامد ؟ قلت عامدا قال : لا تؤكل فإذا كان غير عامد كأن التوى عليه فلا بأس .
فصل : فإن ذبحها من قفاها اختيارا فقد ذكرنا عن أحمد أنها لا تؤكل وهو مفهوم كلام الخرقي وحكي هذا عن علي و سعيد بن المسيب و مالك و إسحاق قال إبراهيم النخعي تسمى هذه الذبيحة القفينة وقال القاضي إن بقيت فيها حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء حلت وإلا فلا ويعتبر ذلك بالحركة القوية وهذا مذهب الشافعي وهذا أصح لأن الذبح إذا أتى على ما فيه حياة مستقرة أحله كأكيلة السبع والمتردية والنطيحة ولو ضرب عنقها بالسيف فأطار رأسها حلت بذلك نص عليه أحمد فقال : لو أن رجلا ضرب رأس بطة أو شاة بالسيف يريد بذلك الذبيحة كان له أن يأكله .
وروي عن علي Bه أنه قال تلك ذكاة وحية وأفتى بأكلها عمران بن حصين وبه قال الشعبي و أبو حنيفة و الثوري و قال أبو بكر : لبي عبد الله فيها قولان والصحيح أنها مباحة لأنه اجتمع قطع ما تبقى الحياة معه مع الذبح فأبيح كما ذكرنا مع قول من ذكرنا قوله من الصحابة من غير مخالف .
فصل : فإن ذبحها من قفاها فلم يعلم هل كانت فيها حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء أو لا ؟ نظرت فإن كان الغالب بقاء ذلك لحدة الآلة وسرعة القتل فالأولى إباحته لأنه بمنزلة ما قطعت عنقه بضربة السيف وإن كانت الآلة كالة وأبطأ قطعه وطال تعذيبه لم يبح لأنه مشكوك في وجود ما يحله فيحرم كما لو أرسل كلبه على الصيد فوجد معه كلبا آخر لا يعرفه