مسألتان : حكم استقبال القبلة في صلاة شدة الخوف .
مسألة : قال : إذا اشتد الخوف وهو مطلوب ابتدأ الصلاة إلى القبلة وصلى إلى غيرها راجلا وراكبا يومىء إيماء على قدر الطاقة ويجعل سجوده أخفض من ركوعه .
وجملة ذلك أنه إذا اشتد الخوف بحيث لا يتمكن من الصلاة إلى القبلة أو أحتاج إلى المشي أو عجز عن بعض أركان الصلاة إما لهرب مباح من عدو أو سيل أو حريق أو نحو ذلك مما لا يمكنه التخلص منه إلا بالهرب أو المسابقة أو التحام الحرب والحاجة إلى الكر والفر والطعن والضرب والمطاردة فله أن يصلي على حسب حاله راجلا وراكبا إلى القبلة إن أمكن أو إلى غيرها إن لم يمكن وإذا عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما وينحني إلى السجود أكثر من الركوع على قدر طاقته وإن عجز عن الإيماء سقط وإن عجز عن القيام أو القعود أو غيرهما سقط وأن احتاج إلى الطعن والضرب والكر والفر فعل ذلك ولا يؤخر الصلاة عن وقتها لقول الله تعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } وروى مالك عن نافع عن ابن عمر قال : فإن كان خوفا هو أشد من ذلك صلوا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبله وغير مستقبليها قال نافع : لا أرى ابن عمر حدثه إلا عن رسول الله A وإذا أمكن افتتاح الصلاة إلى القبلة فهل يجيب ذلك ؟ قال أبو بكر : فيه روايتان إحداهما لا يجب لأنه جزء من أجزاء الصلاة فلم يجب الاستقبال فيه كبقية أجزائها قال : وبه أقول والثانية يجب لما روى أنس بن مالك أن رسول الله A كان إذا كان في السفر فأراد أن يصلي على راحلته إستقبل القبلة ثم كبر ثم صلى حيث توجهت به رواه الدارقطني ولأنه أمكنه ابتداء الصلاة مستقبلا فلم يجز بدونه كما لو أمكنه ذلك في ركعة كاملة وتمام شرح هذه الصلاة نذكره في باب صلاة الخوف إن شاء الله .
مسألة : قال : وسواء كان مطلوبا أو طالبا يخشى فوات العدو وعن أبي عبد الله C رواية أخرى أنه أن كان طالبا فلا يجزئه أن يصلي إلا صلاة آمن .
إختلفت الرواية عن أبي عبد الله C في طالب العدو الذي يخاف فواته فروي أنه يصلي على حسب حاله كالمطلوب سواء روي ذلك عن شرحبيل بن حسنة وهو قول الأوزاعي وعن أحمد أنه لا يصلي إلا صلاة آمن وهو قول أكثر أهل العلم لأن الله تعالى قال : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } فشرط الخوف وهذا غير خائف ولأنه آمن فلزمته صلاة الآمن كما لو لم يخش فوتهم وهذا الخلاف فيمن يأمن رجوعهم عليه أن تشاغل بالصلاة ويأمن على أصحابه فأما الخائف من ذلك فحكمه حكم المطلوب ولنا ما روى أبو داود في سننه [ عن عبد الله بن أنيس قال : بعثني رسول الله A إلى خالد بن سفيان الهذلي وكان نحو عرفة أو عرفات قال ك اذهب فاقتله فرأيته وحضرت صلاة العصر ففلت اني لأخاف أن يكون بيني وبينه ما يؤخر الصلاة فانطلقت أمشي وأنا أصلي أومىء إيماء نحوه فلما دنوت منه قال لي من أنت ؟ قلت رجل من العرب بلغني أنك تجمع لهذا الرجل فجئتك لذلك قال أني لعلى ذلك فمشيت معه ساعة حتى إذا أمكنني علوته بسيفي حتى برد وظاهر حاله أنه أخبر بذلك النبي A أو كان قد علم جواز ذلك من قبله فأنه لا يظن به أنه يفعل مثل ذلك مخطئا وهو رسول الله A ثم لا يخبره به ولا يسأله عن حكمه ] وروى الأوزاعي عن سابق البريدي عن كتاب الحسن أن الطالب ينزل فيصلي بالأرض فقال الأوزاعي : وجدنا الأمر على غير ذلك قال شرحبيل بن حسنة : لا تصلوا الصبح إلا على ظهر فنزل الاشتر فصلى على الأرض فمر به شرحبيل فقال : مخالف خالف الله به قال : فخرج الأشتر في الفتنة وكان الأوزاعي يأخذ بهذا في طلب العدو ولأنها إحدى حالتي الحرب أشبه حالة الحرب والآية لا دلالة فيها على محل النزاع لأن مدلولها إباحة القصر وقد أبيح القصر حالة الأمن بغير خلاف وهو أيضا غير محل النزاع ثم وأن دلت على محل النزاع فقد أبيحت صلاة الخوف من غير خوف فتنة الكفار للخوف من سبع أو سيل أو حريق لوجود معنى المنطوق فيها وهذا في معناه لأن فوات الكفار ضرر عظيم فأبيحت صلاة الخوف عند فوته كالحالة الأخرى