مسألة وفصلان حكم صيد المجوسي وذبيحته وطعامه وحكم سائر الكفار والزنادقة .
مسألة : قال : ولا يؤكل صيد المجوسي وذبيحته إلا ما كان من حوت فإنه لا ذكاة له .
أجمع أهل العلم على تحريم صيد المجوسي وذبيحته إلا ما ذكاة له كالسمك والجراد فإنهم أجمعوا على إباحته غير أن مالكا و الليث و أبا ثور شذوا عن الجماعة وأفرطوا : فأما مالك و الليث فقالا لا نرى أن يؤكل الجراد إذا صاده المجوسي ورخصا في السمك و أبو ثور أباح صيده وذبيحته ل [ قول النبي A : سنوا بهم سنة أهل الكتاب ] ولأنهم يقرون بالجزية فيباح صيدهم وذبائحهم كاليهود والنصارى واحتج برواية عن سعيد بن المسيب وهذا قول يخالف الإجماع فلا عبرة به قال إبراهيم الحربي خرق أبو ثور الإجماع قال أحمد ههنا قوم لا يرون بذبائح المجوس بأسا ما أعجب هذا ! يعرض بـ أبي ثور وممن رويت عنه كراهية ذبائحهم ابن مسعود وابن عباس وعلي وجابر وأبو بردة و سعيد بن المسيب وعكرمة و الحسن بن محمد و عطاء و مجاهد و عبد الرحمن بن أبي ليلى و سعيد بن جبير ومرة الهمذاني و ألزهري و مالك و الثوري و الشافعي و أصحاب الرأي قال أحمد ولا أعلم أحدا قال بخلافه إلا أن يكون صاحب بدعة ولأن الله تعالى قال : { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } فمفهومه تحريم طعام غيرهم من الكفار ولأنهم لا كتاب لهم فلم تحل ذبائحهم كأهل الأوثان .
وقد روى الإمام أحمد بإسناده [ عن قيس بن سكن الأسدي قال : قال رسول الله A : إنكم نزلتم بفارس من النبط فإذا اشتريتم لحما فإن كان من يهودي أو نصراني فكلوا وإن كانت ذبيحة مجوسي فلا تأكلوا ] ولأن كفرهم مع كونهم غير أهل كتاب يقتضي تحريم ذبائحهم ونسائهم بدليل سائر الكفار من غير أهل الكتاب وإنما أخذت منهم الجزية لأن شبهة الكتاب تقتضي التحريم لدمائهم فلما غلبت في التحريم لدمائهم فيجب أن يغلب عدم الكتاب في تحريم الذبائح والنساء احتياطا للتحريم في الموضعين ولأنه إجماع فإنه قول من سمينا ولا مخالف لهم في عصرهم ولا فيمن بعدهم إلا رواية عن سعيد روي عنه خلافها ولا خلاف في إباحة ما صادوه من الحيتان حكي عن الحسن البصري أنه قال رأيت سبعين من الصحابة يأكلون صيد المجوسي من لا يختلج في صدورهم شيء من ذلك رواه سعيد بن منصور والجراد كالحيتان في ذلك لأنه لا ذكاة له ولأنه تباح ميتته فلم يحرم بصيد كالحوت .
فصل : وحكم سائر الكفار من عبدة الأوثان والزنادقة وغيرهم حكم المجوس في تحريم ذبائحهم وصيدهم إلا الحيتان والجراد وسائر ما تباح ميتته فإن ما صادوه مباح لأنه لا يزيد بذلك عن موته بغير سبب وقد قال النبي A : [ أحلت لما ميتتان السمك والجراد ] وقال في البحر : [ هو الطهور ماؤه الحل ميتته ] .
فصل : قال أحمد وطعام المجوس ليس به بأس أن يؤكل وإذا أهدي إليه أن يقبل أنما تكره ذبائحهم أو شيء فيه دسم يعني من اللحم ولم ير بالسمن والخبز بأسا وسئل عما يصنع المجوس لأمواتهم ويزمزمون عليهم أياما عشرا ثم يقتسمون ذلك في الجيران قال لا بأس بذلك وعن الشعبي : كل مع المجوسي وإن زمزم .
وروى أحمد أن سعيد بن جبير كان يأكل من كواميخ المجوس وأعجبه ذلك وروى هشام عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا بطعام المجوس في المصر ولا بشواريزهم ولا بكواميخهم .
مسألة : قال : وكذلك كل ما مات من الحيتان في الماء وإن طفا .
قوله طفا يعني ارتفع على وجه الماء قال عبد الله بن رواحة : .
( وأن العرش فوق الماء طاف ... وفوق العرش رب العالمينا ) .
وجملة ذلك أن السمك وغيره من ذوات الماء التي لا تعيش إلا فيه إذا ماتت فهي حلال سواء ماتت بسبب أو غير سبب ل [ قول النبي A : هو الطهور ماؤه الحل ميتته ] قال أحمد هذا خير من مائه حديث وأما ما مات بسبب مثل أن صاده إنسان أو نبذه البحر أو جزر عنه فإن العلماء أجمعوا على إباحته وكذلك ما حبس في الماء بحظيرة حتى يموت فلا خلاف أيضا في حله قال أحمد الطافي يؤكل وما جزر عنه الماء أجود والسمك الذي نبذه البحر لم يختلف الناس فيه وإنما اختلفوا في الطافي وليس به بأس وممن أباح الطافي من السمك أبو بكر الصديق وأبو أيوب Bهما وبه قال مالك و الشافعي وممن أباح ما وجد من الحيتان عطاء و مكحول و الثوري و النخعي وكره الطافي جابر و طاوس و ابن سيرين و جابر بن زيد وأصحاب الرأي لأن جابرا قال قال رسول الله A : [ ما ألقى البحر أو جزر عنه فكلوه وما مات فيه فطفا فلا تأكلوه ] رواه أبو داود .
ولنا قول الله تعالى : { أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم وللسيارة } قال ابن عباس طعامه ما مات فيه وأيضا الحديث الذي قدمناه وقال أبو بكر الصديق Bه الطافي حلال ولأنه لو مات في البر أبيح فإذا مات في البحر أبيح كالجراد فأما حديث جابر فإنما هو موقوف عليه كذلك قال أبو داود رواه الثقات فأقفوه على جابر وقد أسند من وجه ضعيف وإن صح فنحمله على نهي الكراهة لأنه إذا مات رسب في أسفله فإذا انتن طفا فكرهه لنتنه لا لتحريمه