مسائل وفصول : ما يستحب في المؤذن عمله .
مسألة : قال : ويجعل أصابعه مضمومة على أذنيه .
المشهور عن أحمد أنه يجعل اصبعه في أذنيه وعليه العمل عند أهل العلم يستحبون أن يجعل المؤذن اصبعه في أذنيه قال الترمذي لما روى أبو جحيفة أن بلالا أذن ووضع اصبعيه في أذنيه متفق عليه وعن سعد مؤذن رسول الله A [ أن رسول الله A أمر بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه قال : أنه أرفع لصوتك ] وروى أبو طالب عن أحمد أنه قال أحب إلي أن يجعل يديه على أذنيه على حديث أبي محذورة وضم أصابعه الأربع ووضعها على أذنيه وحكى أبو حفص عن ابن بطة قال : سألت أبا القاسم الخرقي عن صفة ذلك فأرانيه بيديه جميعا فضم أصابعه على راحتيه ووضعهما على أذنيه وأحتج لذلك القاضي بما روى أبو حفص بإسناده عن ابن عمر أنه كان إذا بعث مؤذنا يقول له أضمم أصابعك مع كفيك واجعلها مضمومة على أذنيك وبما روى الإمام أحمد عن أبي محذورة أنه كان يضم أصابعه والأول أصح لصحة الحديث وشهرته وعمل أهل العلم به وأيهما فعل فحسن وإن ترك الكل فلا بأس .
فصل : ويستحب رفع الصوت بالأذان ليكون أبلغ في إعلامه وأعظم لثوابه كما ذكر في خبر أبي سعيد ولا يجهد نفسه في رفع صوته زيادة على طاقته لئلا يضر بنفسه وينقطع صوته فإن أذن لعامة الناس جهر بجميع الأذان ولا يجهر ببعض يخافت ببعض لئلا يفوت مقصود الأذان وهو الإعلام وإن أذن لنفسه أو لجماعة خاصة حاضرين جاز أن يخافت ويجهر وأن يخافت ببعض ويجهر ببعض إلا أن يكون في وقت الأذان فلا يجهر بشيء منه لئلا يغر الناس بأذانه .
فصل : وينبغي أن يؤذن قائما قال ابن المنذر أجمع كل من أحفظ من أهل العلم أن السنة أن يؤذن قائما وفي حديث أبي قتادة الذي رويناه [ أن النبي A قال لبلال قم فأذن ] وكان مؤذنو رسول الله A يؤذنون قياما وإن كان له عذر فلا بأس أن يؤذن قاعدا قال الحسن العبدي رأيت أبا زيد صاحب رسول الله A وكانت رجله أصيبت في سبيل الله يؤذن قاعدا رواه الأثرم فإن أذن قاعدا لغير عذر فقد كرهه أهل العلم ويصح فإنه ليس بآكد من الخطبة وتصح من القاعد قال الأثرم وسمعت أبا عبد الله يسأل عن الأذان على الراحلة فسهل فيه وقال أمر الأذان عندي سهل وروي عن ابن عمر أنه كان يؤذن على الراحلة ثم ينزل فيقيم وإذا أبيح التنفل على الراحلة فالأذان أولى .
فصل : ويستحب أن يؤذن على شيء مرتفع ليكون أبلغ لتأدية صوته وقد روى أبو داود عن عروة بن الزبير عن امرأة من بني النجار قالت : كان بيتي من أطول بيت حول المسجد وكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر فإذا رآه تمطى ثم قال : اللهم إني استعينك وأستعديك على قريش أن يقيموا دينك قالت ثم يؤذن وفي حديث بدء الأذان فقال رجل من الأنصار يا رسول الله رأيت رجلا كان عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذن ثم قعد قعدة ثم قام فقال مثلها إلا أنه يقول قد قامت الصلاة .
فصل : ولا يستحب أن يتكلم في أثناء الأذان وكرهه طائفة من أهل العلم قال الأوزاعي : لم نعلم أحدا يقتدي به فعل ذلك ورخص فيه الحسن و عطاء و قتادة و سليمان بن صرد فإن تكلم بكلام يسير جاز وإن طال الكلام بطل لأنه يقطع الموالاة المشروطة في الأذان فلا يعلم أنه أذان وكذلك لو سكت سكوتا طويلا أو نام نوما طويلا أو أغمي عليه أو أصابه جنون يقطع الموالاة بطل أذانه وإن كان الكلام يسيرا محرما كالسب ونحوه فقال بعض أصحابنا فيه وجهان أحدهما لا يقطعه لأنه لا يخل بالمقصود فأشبه المباح والثاني بقطعه لأنه محرم فيه وأما الإقامة فلا ينبغي أن يتكلم فيها لأنها يستحب حدوها وأن لا يفرق بينها قال أبو داود قلت ل أحمد الرجل يتكلم في أذانه ؟ فقال نعم فقلت له يتكلم في الإقامة فقال لا .
فصل : وليس للرجل أن يبني على أذان غيره ولأنه عبادة بدنية فلا يصح من شخصين كالصلاة والردة تبطل الأذان إن وجدت في أثنائه وإن وجدت بعده فقال القاضي قياس قوله في الطهارة أن تبطل أيضا الصحيح أنها لا تبطل لأنها وجدت بعد فراغه وانقضاء حكمه بحيث لا يبطله شيء من مبطلاته فأشبه سائر العبادات إذا وجدت بعد فراغه منها بخلاف الطهارة فإنها تبطل بمبطلاتها فالأذان أشبه بالصلاة في هذا الحكم منه بالطهارة والله تعالى أعلم .
فصل : ولا يصح الأذان إلا مرتبا لأن المقصود منه يختل بعدم الترتيب وهو الإعلام فإنه إذا لم يكن مرتبا لم يعلم أنه أذان ولأنه شرع في الأصل مرتبا وعلمه النبي A أبا محذورة مرتبا .
مسألة : قال : ويدبر وجهه على يمينه إذا قال : حي على الصلاة وعلى يساره إذا قال : حي على الفلاح ولا يزيل قدميه .
المستحب أن يؤذن مستقبل القبلة لا نعلم فيه خلافا فإن مؤذني النبي كانوا يؤذنون مستقبلي القبلة ويستحب أن يدير وجهه على يمينه إذا قال حي على الصلاة وعلى يساره إذا قال حي على الفلاح ولا يزيل قدميه عن القبلة في التفاته لما روى أبوجحيفة قال : رأيت بلالا يؤذن وأتبع فاه ههنا وأصبعاه في أذنيه متفق عليه وفي لفظ قال أتيت رسول الله A وهو في قبة حمراء من أدم فخرج بلال فأذن فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح التفت يمينا وشمالا ولم يستدر رواه أبو داود وظاهر كلام الخرقي أنه لا يستدير سواء كان على الأرض أو فوق المنارة وهو قول الشافعي وذكر أصحابنا عن أحمد فيمن أذن في المنارة روايتين إحداهما لا يدور للخبر ولأنه يستدير القبلة فكره كما لو كان على وجه الأرض والثانية يدور في مجالها لأنه لا يحصل الإعلام بدونه وتحصيل المقصود بالإخلال بأدب أولى من العكس ولو أخل باستقبال القبلة أو مشي في أذانه لم يبطل فإن الخطبة آكد من الآذان ولا تبطل بهذا وسئل أحمد عن الرجل يؤذن وهو يمشي فقال نعلم أمر الأذان عندي سهل وسئل عن المؤذن يمشي وهو يقيم قال يعجبني أن يفرغ ثم يمشي وقال في رواية حرب وفي المسافر أحب إلي أن يؤذن ووجهه إلى القبلة وأرجو أن يجزىء