مسألة وفصول : حكم الآذان .
مسألة : قال : ومن صلى بلا أذان ولا إقامة كرهنا له ذلك ولا يعيد .
يكره ترك الآذان للصلوات الخمس لأن النبي A كان صلواته بأذان وإقامة والأئمة بعده وأمر به [ قال مالك بن الحويرث : أتيت النبي A أنا ورجل نودعه فقال : إذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكما وليؤمكما أكبركما ] متفق عليه وظاهر كلام الخرقي أن الآذان سنة مؤكدة وليس بوادب - لأنه جعل تركه مكروها وهذا قول أبي حنيفة و الشافعي لأنه دعاء إلى الصلاة فأشبه قوله : الصلاة جامعة وقال أبو بكر بن عبد العزيز : هو من فروض الكفايات وهذا قول أكثر أصحابنا وقول بعض أصحاب مالك وقال عطاء و مجاهد و الأوزاعي : هو فرض لأن النبي A أمر به مالكا وصاحبه وداوم عليه هو وخلفاؤه وأصحابه والأمر يقتضي الوجوب ومداومته على فعله دليل على وجوبه ولأنه من شعائر الإسلام الظاهرة فكان فرضا كالجهاد على قول أصحابنا إذا قام به من تحصل به الكفاية سقط عن الباقين لأن بلال كان يؤذن للنبي A فيكتفي به وإن صلى مصلى بغير أذان ولا إقامة فالصلاة صحيحة على القولين لما روي عن علقمة والاسود أنهما قالا : دخلنا على عبد الله فصلى بنا بلا أذان ولا إقامة رواه الأثرم ولا أعلم أحدا خالف في ذلك إلا عطاء قال : ومن نسي الإقامة يعيد و الأوزاعي قال : مرة يعيد ما دام في الوقت فان مضى الوقت فلا إعادة عليه وهذا شذوذ والصحيح قول الجمهور لما ذكرنا ولأن الإقامة أحد الآذانين فلم تفسد الصلاة بتركها كالآخر .
فصل : ومن أوجب الاذان من أصحابنا فانما أوجبه على أهل المصر كذلك قال القاضي : لا يجب على أهل غير المصر من المسافرين وقال مالك : إنما يجب النداء في مساجد الجماعة التي يجمع فيها للصلاة وذلك لأن الآذان إنما شرع في الأصل للإعلام بالوقت ليجتمع الناس إلى الصلاة ويدركوا الجماعة ويكفي في المصر أذان واحد إذا كان بحيث يسمعهم وقال ابن عقيل : يكفي أذان واحد في المحلة ويجترىء بقيتهم بالإقامة وقال أحمد في الذي يصلي في بيته يجزئه أذان المصر وهو قول الأسود وأبي مجلز و مجاهد و الشعبي و النخعي و عكرمة وأصحاب الرأي وقال ميمون بن مهران و الأوزاعي و مالك : تكفيه الإقامه وقال الحسن و ابن سيرين : إن شاء أقام ووجه ذلك [ أن النبي A قال للذي علمه الصلاة : إذا أردت الصلاة فأحسن الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ] ولم يأمره بالاذان وفي لفظ رواه النسائي [ فأقم ثم كبر ] وحديث ابن مسعود والأفضل لكل مصل أن يؤذن ويقيم إلا أنه إن كان يصلي قضاء أو في غير وقت الأذان لم يجهر به وإن كان في الوقت في بادية أو نحوها استحب له الجهر بالاذان لقول أبي سعيد [ إذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فانه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا أنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ] قال أبو سعيد : سمعت ذلك من رسول الله A وعن أنس [ أن رسول الله A كان يغير إذا طلع الفجر وكان إذا سمع إذانا أمسك وإلا أغار فسمع رجلا يقول : الله أكبر الله الله أكبر فقال رسول الله A على : على الفطرة فقال : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله فقال رسول الله A : خرجت من النار فنظروا فإذا صاحب معز ] أخرجه مسلم .
فصل : ومن فاتته صلوات استحب له أن يؤذن للأولىثم يقيم لكل صلاة إقامة وإن لم يؤذن فلا بأس قال الأثرم : سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل يقضي صلاة كيف يصنع في الأذان ؟ فذكر حديث هشيم بن الزبير عن نافع بن جبير عن أبي عبيدة بن عبد الله عن أبيه أن المشركين شغلوا النبي A عن ربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله قال : فأمر بلالا فأذن وأقام وصلى الظهر ثم أمره فأقام فصلى العصر ثم أمره فأقام فصلى المغرب ثم أمره فأقام فصلى العشاء قال أبو عبد الله وهشام الدستوائي لم يقل كما قال هشيم جعلها إقامة قلت : فكأنك تختار حديث هشيم ؟ قال : نعم هو زيادة أي شيء يضره وهذا في الجماعة فان كان يقضي وحده كان استحباب ذلك أدنى في حقه لأن الأذان والإقامة للإعلام ولا حاجة إلى الإعلام ههنا وقد روي عن أحمد في رجل فاتته صلوات فقضاها ليؤذن ويقيم مرة واحدة يصليها كلها فسهل في ذلك ورأه حسنا وقال الشافعي : نحو ذلك وله قولان آخران أحدهما أنه يقيم ولا يؤذن وهذا قول مالك لما روى أبو سعيد قال : حبسنا يوم الخندق عن الصلاة حتى كان بعد المغرب يهوي من الليل قال : فدعا رسول الله A بلالا فأمره فأقام الظهر فصلاها ثم أمره فأقام العصر فصلاها ولأن الأذان للإعلام بالوقت وقد فات والقول الثالث إن رجي اجتماع الناس أذن وإلا فلا لأن الأذان مشروع للإعلام فلا يشرع إلا مع الحاجة وقال أبو حنيفة : يؤذن لكل صلاة ويقيم لأن ماسن للصلاة في أدائها سن في قضائها كسائر المسنونات .
ولنا : حديث ابن مسعود رواه الأثرم و النسائي وغيرهما وهو متضمن للزيادة من الثقة مقبولة و [ عن أبي قتادة أنهم كانوا مع النبي A فناموا حتى طلعت الشمس فقال النبي A يا بلال : قم فأذن الناس بالصلاة ] متفق عليه ورواه عمران بن حصين أيضا قال فأمر بلالا فأذن فصلينا ركعتين ثم أمره فأقام فصلينا متفق عليه .
ولنا : على أبي حنيفة حديث ابن مسعود وأبي سعيد ولأن الثانية من الفوائت صلاة وقد أذن لما قبلها فأشبهت الثانية من المجموعتين وقياسهم منتقض بهذا .
فصل : فان جمع بين صلاتين في وقت أولاهما استحب أن يؤذن للأولى ويقيم ثم يقيم للثانية وإن جمع بينهما في وقت الثانية فهما كالفائتتين لا يتأكد الآذان لهما لأن الأولى منهما تصلى في غير وقتها والثانية مسبوقة بصلاة قبلها وإن جمع بينهما بإقامة واحدة فلا بأس وقال أبو حنيفة في المجموعتين : لا يقيم الثانية لـ [ أن ابن عمر روى أنه صلى مع رسول الله A المغرب والعشاء بمزدلفة بإقامة واحدة صحيح ] وقال ومالك : يؤذن للأولى والثانية ويقيم لأن الثانية منهما صلاة يشرع لها الأذان وهي مفعولة في وقتها فيؤذن لها كالأولى .
ولنا : على الجمع في وقت الأولى ما روى جابر أن النبي A جمع بين الظهر والعصر بعرفة وبين المغرب والعشاء بمزدلفة باذان وإقامتين رواه مسلم ولأن الأولى منهما في وقتها فيشرع لها الأذان كما لو لم يجمعهما وأما إذا كان الجمع في وقت الثانية فقد روى ابن عمر [ أن النبي A جمع بين المغرب والعشاء بجمع كل واحدة منهما باقامة ] رواه البخاري وأن جمع بينهما بإقامة فلا بأس لحديث آخر ولأن الأولى مفعولة في غير وقتها فأشبهت الفائتة والثانية منهما مسبوقة بصلاة فلا يشرع لها الاذان كالثانية من الفوائت وما دهبت إليه مالك يخالف الخبر الصحيح وقد رواه في موطئه وذهب إلى ما سواه .
فصل : ويشرع الأذان في السفر للراعي وأشباهه في قول أكثر أهل العلم وكان ابن عمر يقيم لكل صلاة إقامة إلا الصبح فإنه يؤذن لها ويقيم وكان يقول : إنما الأذان على الأمير والإقامة على الذي يجمع الناس وعنه أنه كان لا يقيم في أرض تقام فيها الصلاة وعن علي أنه قال إن شاء أذن وأقام وإن شاء أقام وبه قال عروة و الثوري وقال الحسن و ابن سيرين : تجزئه الإقامة وقال إبراهيم في المسافرين إذا كانوا رفاقا أذنوا وأقاموا وإذا كان وحده أقام للصلاة .
ولنا : أن النبي A كان يؤذن له في الحضر والسفر وقد ذكرنا ذلك في حديث أبي قتادة وعمران زياد ابن الحارص وأمر به مالك بن الحويرث وصاحبه وما نقل عن السلف في هذا فالظاهر أنهم أرادوا الواحد وحده وقد بينه إبراهيم النخعي في كلامه والأذان مع ذلك أفضل لما ذكرنا من حديث أبي سعيد وحديث أنس وروى [ عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله A يقول : يعجب ربك من راعي غنم في رأس الشظية للجبل يؤذن للصلاة ويصلي فيقول الله D : انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة ] رواه النسائي وقال سلمان الفارسي إذا كان الرجل بأرض قي فأقام الصلاة صلى خلفه ملكان فإن أذن وأقام صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى قطراه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه وكذلك قال سعيد بن المسيب إلا أنه قال : صلى خلفه من الملائكة أمثال الجبال .
فصل : ومن دخل مسجدا قد صلي فيه فإن شاء أذن وأقام نص عليه أحمد لما روى الأثرم و سعيد بن منصور عن أنس أنه دخل مسجدا قد صلوا فيه فأمر رجلا وأقام فصلى بهم في جماعة وإن شاء صلى من غير أذان ولا إقامة فإن عروة قال : إذا انتهيت إلى مسجد قد صلى فيه ناس أذنوا وأقاموا فإن أذانهم وإقامتهم تجزىء عمن جاء بعدهم وهذا قول الحسن و الشعبي و النخعي إلا أن الحسن قال : كان أحب إليهم أن يقيم وإذا أذن فالمستحب أن يخفي ذلك ولا يجهر به ليغر الناس بالأذان في غير محله