مسألة وفصول : ما يستحب في المؤذن وفيما يعمله .
مسألة : قال : ولا يستحب أبو عبد الله أن يؤذن إلا طاهرا فأن أذن جنبا عاد .
المستحب للمؤذن أن يكون متطهرا من الحدث الأصغر والجنابة جميعا لما روى أبو هريرة أن النبي A قال : [ لا يؤذن إلا متوضىء ] وروي موقوفا على أبي هريرة وهو أصح من المرفوع فان أذن محدثا جاز لأنه لا يزيد على قراءة القرآن والطهارة غير مشروطة له وأن أذن جنبا فعلى روايتين إحداهما لا يعتد به وهو قول إسحاق والأخرى يعتد به قال أبو الحسن الآمدي وهو المنصوص عن أحمد وقول أكثر أهل العلم لأنه أحد الحدثين فلم يمنع صحته كالآخر .
ووجه الأول ما روي عن وائل بن حجر [ أن النبي A قال : حق وسنة أن لا يؤذن أحد إلا وهو طاهر ] ولأنه ذكر مشروع للصلاة فأشبه القرآن والخطبة .
فصل : ولا يصح الأذان إلا من مسلم عاقل ذكر فأما الكافر والمجنون فلا يصح منهما لانهما ليسا من أهل العبادات ولا يعتد بأذان المرأة لأنها ليست ممن يشرع له الاذان فأشبهت المجنون ولا الخنثى لأنه لا يعلم كونه رجلا وهذا كله مذهب الشافعي ولا نعلم فيه خلافا وهل يشترط العدالة والبلوغ للاعتقاد به ؟ على روايتين في الصبي ووجهين في الفاسق إحداهما يشترط ذلك ولا يعتد بأذان صبي ولا فاسق لأنه مشروع للإعلام ولا يحصل الاعلام بقولهما لأنهما ممن لا يقبل خبره ولا روايته ولأنه قد روي : ليؤذن لكم خياركم والثانية يعتد بأذانه وهو قول عطاء و الشعبي و ابن أبي ليلى و الشافعي وروى ابن المنذر باسناده عن عبد الله بن أبي بكر بن أنس قال : كان عمومتي يأمرونني أن أوذن لهم وأنا غلام ولم احتلم وأنس بن مالك شاهد لم ينكر ذلك وهذا مما يظهر ولا يخفى ولم ينكر فيكون إجماعا ولأنه ذكر تصح صلاته فاعتد بأذانه كالعدل البالغ ولا خلاف في الاعتداد بأذان من هو مستور الحال وإنما الخلاف فيمن هو ظاهر الفسق ويستحب أن يكون المؤذن عدلا أمينا بالغا لأنه مؤتمن يرجع إليه في الصلاة والصيام فلا يؤمن أن يغرهم بأذانه إذا لم يكن كذلك ولأنه على موضع عال فلا يؤمن منه النظر إلى العورات وفي الاذان الملحن وجهان أحدهما يصح لأن المقصود يحصل منه فهو كغير الملحن والآخر لا يصح لما روى الدارقطني باسناده عن ابن عباس قال : [ كان للنبي A مؤذن يطرب فقال رسول الله A : إن الاذان سهل سمح فان كان أذانك سهلا سمحا وإلا فلا تؤذن ] .
فصل : ويستحب أن يكون المؤذن بصيرا لأن الأعمى لا يعرف الوقت فربما غلط فان أذن الأعمى صح أذانه فان ابن أم مكتوم كان يؤذن للنبي A قال ابن عمرو : كان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له : أصبحت أصبحت رواه البخاري ويستحب أن يكون معه بصير يعرفه الوقت أو يؤذن بعد مؤذن بصير كما كان ابن أم مكتوم يؤذن بعد أذان بلال ويستحب أن يكون عالما بالأوقات ليتحراها فيؤذن في أولها وإذا لم يكن عالما فربما غلظ وأخطأ فأن أذن الجاهل صح أذانه فانه إذا صح أذان الأعمى فالجاهل أولى ويتسحب أن يكون صيتا يسمع الناس واختار النبي A أبا محذورة للأذان لكونه صيتا وفي حديث عبد الله بن زيد [ أن النبي A قال له : ألقه على بلال فانه أندى صوتا منك ] ويستحب أن يكون حسن الصوت لأنه أرق لسامعه