مسألة وفصول : في جنايات السفن .
مسألة : قال : وإذا وقعت السفينة المنحدرة على المصاعدة فغرقتا فعلى المنحدرة قيمة السفينة المصاعدة أو ارش ما نقصت إن أخرجت إلا أن يكون قيم المنحدرة غلبته الريح فلم يقدر على ضبطها .
وجملته أن السفينتين إذا اصطدمتا لم تخلوا من حالين : أحدهما أن تكونا متساويتين كاللتين في بحر أو ماء واقف أو كانت إحداهما منحدرة والاخرى مصاعدة فنبدأ بما اذا كانت احداهما منحدرة والاخرى مصاعدة لانها مسألة الكتاب ولا يخلو من حالين : .
أحدهما : أن يكون القيم بها مفرطا بأن يكون قادرا على ضبطها أو ردها عن الأخرى فلم يفعل أو أمكنه أن يعدلها الى ناحية أخرى فلم يفعل أو لم يكمل آلتها من الحبال والرجال وغيرهما فعلى المنحدر ضمان المصاعدة لأنها تنحط عليها من علو فيكون ذلك سببا لغرقها فتنزل المنحدرة بمنزلة السائر والمصاعدة بمنزلة الواقف وإن غرقتا جميعا فلا شيء على المصعد وعلى المنحدر قيمة المصعد أو أرش ما نقصت إن لم تتلف كلها إلا أن يكون التفريط من المصعد بأن يمكنه العدول بسفينته والمنحدر غير قادر ولا مفرط فيكون الضمان على المصعد لأنه المفرط وإن لم يكن من واحد منهما تفريط لكن هاجت ريح أو كان الماء شديد الجرية فلم يمكنه ضبطها فلا ضمان عليه لأنه لا يدخل في وسعه ضبطها ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها .
الحال الثاني : أن يكونا متساويتين فان كان القيمان مفرطين ضمن كل واحد منهما سفينة الآخر بما فيها من نفس ومال كما قلنا في الفارسين يصطدمان وإن لم يكونا مفرطين فلا ضمان عليهما و للشافعي في حال عدم التفريط قولان : أحدهما عليهما الضمان لأنهما في أيديهما فلزمهما الضمان كما لو اصطدم الفارسان لغلبة الفرسين لهما .
ولنا أن الملاحين لا يسيران السفينتين بفعلهما ولا يمكنهما ضبطهما في الغالب ولا الاحتزاز من ذلك فأشبه ما لو نزلت صاعقة أحرقت السفينة ويخالف الفرسين فانه ممكن ضبطهما والاحتزاز من طردهما وإن كان أحدهما مفرطا وحده فعليه الضمان وحده فإن اختلفا في تفريط القيم فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدم التفريط وهو أمين فهو كالمودع وعند الشافعي أنهما إذا كان مفرطين فعلى كل واحد من القيمين ضمان نصف سفينته ونصف سفينة صاحبه كقوله الفارسين على ما مضى .
فصل : فان كان القيمان مالكين للسفينتين بما فيهما تقاصا وأخذ ذو الفضل فضله وإن كانا أجيرين ضمنا ولا تقاص ههنا لان من يجب له غير من يجب عليه وإن كان في السفينتين أحرار فهلكوا وكانا قد تعمدا المصادمة وذلك مما يقتل غالبا فعليهما القصاص وإن كانوا عبيدا فلا ضمان على القيمين إذا كان حرين وإن لم يتعمدا المصادمة أو كان ذلك مما لا يقتل غالبا وجبت دية الأحرار على عاقلة القيمين وقيمة العبيد في أموالهما وإن كان القيمان عبدين تعلق الضمان برقبتهما فإن تلفا جيعا سقط الضمان وأما مع عدم التفريط فلا ضمان على أحد وإن كان في السفينتين ودائع ومضاربات لم تضمن لأن الأمين لا يضمن ما لم يوجد منه تفريط أو عدوان وإن كانت السفينتان بأجرة فهما أمانة أيضا لا ضمان فيهما وإن كان فيهما مال يحملانه بأجرة إلى بلد أخر فلا ضمان لأن الهلاك بأمر غير مستطاع .
فصل : وان كانت احدى السفينتين قائمة والاخرى سائرة فلا ضمان على الواقفة وعلى السائرة ضمان الواقفة ان كان مفرطا ولا ضمان عليه ان لم يفرط على ما قدمنا .
فصل : وان خيف على السفينة الغرق فألقى بعض الركبان متاعه لتخف وتسلم من الغرق لم يضمنه أحد لأنه أتلف متاع نفسه باختياره لصلاحه وصلاح غيره وإن ألقى متاع غيره بغير أمره ضمنه وحده وإن قال لغيره : ألق متاعك فقبل منه لم يضمنه له لأنه لم يلتزم ضمانه وإن قال : ألقه وأنا ضامن له أو وعلي قيمته لزمه ضمانه له لأنه أتلف ماله بعوض لمصلحة فوجب له العوض على من التزمه كما لو قال : أعتق عبدك وعلي ثمنه وإن قال : ألقه وعلي وعلي ركبان السفينة ضمانه فألقاه : ففيه وجهان : .
أحدهما : يلزمه ضمان نفسه وهذا نص الشافعي وهو الذي ذكره أبو بكر لأنه التزم ضمانه جميعه فلزمه ما التزمه وقال القاضي : ان كان ضمان اشتراك مثل أن يقول : نحن نضمن لك أو قال : على كل واحد منا ضمان قسطه أو ربع متاعك لم يلزمه إلا ما يخصه من الضمان وهذا قول بعض أصحاب الشافعي لأنه لم يضمن إلا حصته وانما اخبر عن الباقين بالضمان فسكتوا وسكوتهم ليس بضمان وإن التزم ضمان الجميع وأخبر عن كل واحد منهم بمثل ذلك لزمه ضمان الكل وإن قال : ألقه على أن اضمنه لك أنا وركبان السفينة فقد أذنوا لي في ذلك فألقاه ثم أنكروا الإذن فهو ضامن لجميعه وإن قال : ألقي متاعي وتضمنه لي ؟ فقال : نعم فألقاه ضمنه له وإن قال : ألق متاعك وعلي ضمان نصفه وعلى أخي ضمان ما بقي فألقاه فعليه ضمان النصف وحده ولا شيء على الآخر لأنه لم يضمن .
فصل : وإذا خرق سفينة فغرقت بما فيها وكان عمدا وهو مما يغرقها غالبا ويهلك من فيها لكونهم في اللجة أو لعدم معرفتهم بالسباحة فعليه القصاص ان قتل من يجب القصاص بقتله وعليه ضمان السفينة بما فيها من مال ونفس وإن كان خطأ فعليه ضمان العبيد ودية الاحرار على عاقلته وإن كان عمد خطأ مثل أن يأخذ السفينة ليصلح موضعا فقلع لوحا أو يصلح مسمارا فنقب موضعا فهذا عمد الخطأ وذكره القاضي وهو مذهب الشافعي والصحيح أن هذا خطأ محض لأنه قصد فعلا مباحا فأفضى الى التلف لما لم يرده فأشبه ما لو رمى صيدا فأصاب آدميا ولكن إن قصد قلع اللوح في موضع الغالب أنه لا يتلفها فأتلفها فهو عمد الخطأ وفيه ما فيه والله أعلم