فصول ومسائل : في جناية الدواب .
مسألة : قال : وما جنت الدابة بيدها ضمن راكبها ما أصابت من نفس أو جرح أو مال وكذلك إن قادها أو ساقها .
وهذا قول شريح و أبي حنيفة و الشافعي وقال مالك : لا ضمان عليه لقول النبي A : [ العجماء جرحها جبار ] ولأنه جناية بهيمة فلم يضمنها كما لو لم تكن يده عليها .
ولنا قول النبي A : [ الرجل جبار ] رواه سعيد باسناده عن هزيل بن شرحبيل عن النبي A وروي عن أبي هريرة عن النبي A وتخصيص الرجل بكونه جبارا دليل على وجوب الضمان في جناية غيرها ولأنه يمكنه حفظها عن الجناية إذا كان راكبها أو يده عليها بخلاف من لا يد له عليها وحديثه محمول على من لا يد له عليها .
مسألة : قال : وما جنت برجلها فلا ضمان عليه .
وبهذا قال ابو حنيفة وعن أحمد رواية أخرى أنه يضمنها وهو قول شريح و الشافعي لأنه من جناية بهيمة يده عليها فيضمنها كجناية يده .
ولنا قول النبي A : [ الرجل جبار ] ولأنه لا يمكنه حفظ رجلها عن الجناية فلم يضمنها كما لو لم تكن يده عليها فأما إن كانت جنايتها بفعله مثل أن كبحها بلجامها أو ضربها في وجهها ونحو ذلك ضمن جناية رجلها لأنه السبب في جنايتها فكان ضمانها عليه ولو كان السبب في جنايتها غيره مثل أن نخسها أو نفرها فالضمان على من فعل ذلك دون راكبها أو سائقها أو قائدها لأن ذلك هو السبب في جنايتها .
فصل : فان كان على الدابة راكبان فالضمان على الأول منهما لأنه المتصرف فيها القادر على كفها إلا أن يكون الأول منهما صغيرا أو مريضا أو نحوهما ويكون الثاني المتولي لتدبيرها فيكون الضمان عليه وإن كان مع الدابة قائد ووسائق فالضمان عليهما لأن كل واحد لو انفرد ضمن فاذا اجتمعا ضمنا وان كان معهما أو مع أحدهما راكب ففيه وجهان : أحدهما الضمان عليهم جميعا لذلك والثاني على الراكب لأنه أقوى يدا وتصرفا ويحتمل أن يكون على القائد لأنه لا حكم للراكب مع القائد .
فصل : والجمل المقطور على الجمل الذي عليه راكب يضمن جنايته لأنه في حكم القائد فأما الجمل المقطور على الجمل الثاني فينبغي أن لا تضمن جنايته إلا أن يكون له سائق لان الراكب الأول لا يمكنه حفظه عن الجناية ولو كان مع الدابة ولدها لم تضمن جنايته لأنه لا يمكنه حفظه .
فصل وان وقفت الدابة في طريق ضيق ضمن ما جنت بيد أو رجل أو فم لانه متعد بوقفها فيه وان كان الطريق واسعا ففيه روايتان : .
إحداهما : يضمن وهو مذهب الشافعي لأن انتفاعه بالطريق مشروط بالسلامة وكذلك لو ترك في الطريق طينا فزلق به إنسان ضمنه .
والثانية : لا يضمن لأنه متعد بوقفها في الطريق الواسع فلم يضمن كما لو وقفها في موات وفارق الطين لأنه متعد بتركه في الطريق .
مسألة : قال : واذا اصطدم الفارسان فماتت الدابتان ضمن كل واحد منهما قيمة دابة الآخر .
وجملته أن على كل واحد من المصطدمين ضمان ماتلف من الآخر من نفس أو دابة أو مال سواء كانت الدابتان فرسين أو بغلين أو حمارين أو جملين أو كان أحدهما فرسا والآخر غيره سواء كانا مقبلين أو مدبرين ويهذا قال أبو حنيفة وصاحباه و اسحاق وقال مالك و الشافعي : على كل واحد منهما نصف قيمة ما تلف من الآخر لأن التلف حصل بفعلهما فكان الضمان منقسما عليهما كما لو جرح إنسان حقه وجرحه غيره فمات منهما .
ولنا أن كل واحد منهما مات من صدمة صاحبه وإنما هو قربها إلى محل الجناية فلزم الآخر ضمانها كما لو كانت واقفة بخلاف الجراحة إذا ثبت هذا فإن قيمة الدابتين إن تساوتا تقاصا وسقطتا وان كانت إحداهما أكثر من الاخرى فلصاحبها الزيادة وإن ماتت إحدى الدابتين فعلى الآخر قيمتها وان نقصت فعليه نقصها .
فصل : فان كان أحدهما يسير بين يدي الآخر فأدركه الثاني فصدمه فماتت الدابتان أو إحداهما فالضمان على اللاحق لأنه الصادم والآخر مصدوم فهو بمنزلة الواقف .
مسألة : قال : وان كان أحدهما يسير والآخر واقفا فعلى السائر قيمة دابة الواقف .
نص أحمد على هذا لأن السائر هو الصادم المتلف فكان الضمان عليه وان مات هو أو دابته فهو هدر لأنه أتلف نفسه ودابته وان انحرف الواقف فصادفت الصدمة انحرافه فهما كالسائرين لأن التلف حصل من فعلهما وان كان الواقف متعديا بوقوفه مثل أن يقف في طريق ضيق فالضمان عليه دون السائر لان التلف حصل بتعديه فكان الضمان عليه كما لو وضع حجرا في الطريق أو جلس في طريق ضيق فعثر به انسان .
مسألة : قال : وان تصادم نفسان يمشيان فماتا فعلى عاقلة كل واحد منهما دية الآخر .
روي هذا عن علي Bه والخلاف ههنا في الضمان كالخلاف فيما إذا اصطدم الفارسان إلا أنه لا تقاص ههنا في الضمان لأنه على غير من له الحق لكون الضمان على عاقلة كل واحد منهما وان اتفق أن يكون الضمان على من له الحق مثل أن تكون العاقلة هي الوارثة أو يكون الضمان على المتصا دمين تقاصا ولا يجب القصاص سواء كان اصطدامهما عمدا أو خطأ لأن الصدمة لا تقتل غالبا فالقتل الحاصل بها مع العمد عمد الخطأ ولا فرق بين البصيرين والاعميين والبصير والاعمى فان كانتا امرأتين حاملتين فهما كالرجلين فان أسقطت كل واحدة منهما جنينا فعلى كل واحدة نصف ضمان جنينها ونصف ضمان جنين صاحبتها لأنهما اشتركتا في قتله وعلى كل واحدة منهما عتق ثلاث رقاب واحدة لقتل صاحبتها واثنتان لمشاركتها في الجنين وإن أسقطت إحداهما دون الأخرى اشتركتا في ضمانه وعلى كل واحدة عتق رقبتين وإن أسقطتا معا ولم تمت المرأتان ففي مال كل واحدة ضمان نصف الجنينين بغرة إذا سقطا ميتين وعتق رقبتين وان اصطدم راكب وماش فهو كما لو كانا ماشيين وإن اصطدم راكبان فماتا فهو كما لو كانا ماشيين .
فصل : وإن اصطدم عبدان فماتا هدرت قيمتهما لأن قيمة كل واحد منهما تعلقت برقبة الآخر فسقطت بتلفه وإن مات أحدهما تعلقت قيمته برقبة الحي فان هلك قبل استيفاء القيمة سقطت لفوات محلها وإن تصادم حر وعبد فماتا تعلقت دية الحر برقبة العبد ثم انتقلت إلى قيمة العبد ووجبت قيمة العبد في تركة الحر فيتقاصان فإن كانت دية الحر أكثر من قيمة العبد سقطت الزيادة لأنها لا متعلق لها وإن كانت قيمة العبد أكثر أخذ الفضل من تركة الجاني وفي مال الحر عتق رقبة ولا شيء على العبد لأن تكفيره بالصوم فيفوت بفواته وإن مات العبد وحده فقيمته في ذمة الحر لأن العاقلة لا تحمل العبد وإن مات الحر وحده تعلقت ديته برقبة العبد وعليه صيام شهرين متتابعين وإن مات العبد قبل استيفاء الدية سقطت وإن قتله أجنبي فعليه قيمته ويتحول ما كان متعلقا برقبته الى قيمته لأنها بدله وقائمة مقامه وتستوفى ممن وجبت عليه