مسائل : بيان الضرب في سلئر الحدود .
مسألة قال : ويضرب الرجل في سائر الحدود قائما بسوط لا خلق ولا جديد ولا يمد ولا يربط ويتقى وجهه .
وقوله في سائر الحدود يعني جميع الحدود التي فيها الضرب وفي هذه المسألة ثلاث مسائل : .
المسألة الأولى أن الرجل يضرب قائما وبه قال أبو حنيفة و الشافعي وقال مالك : يضرب جالسا رواه حنبل عن أحمد لأن الله تعالى لم يأمر بالقيام ولأنه مجلود في حد فأشبه المرأة .
ولنا قول علي Bه : لكل موضع في الجسد حظ يعني في الحد الا الوجه والفرج وقال للجلاد : اضرب واوجع واتق الرأس والوجه ولأن قيامه وسيلة إلى إعطاء كل عضو حظه من الضرب وقوله : ان الله لم يأمر بالقيام قلنا : ولم يأمر بالجلوس ولم يذكر الكيفية فعلمناها من دليل آخر ولا يصح قياس الرجل على المرأة في هذا لأن المرأة يقصد سترها ويخشى هتكها إذا ثبت هذا فان الضرب يفرق على جميع جسده ليأخذ كل عضو منه حصته ويكثر منه في مواضع اللحم كالأليتين والفخذين ويتقي المقاتل وهي الرأس والوجه والفرج من الرجل والمرأة جميعا وقال مالك : يضرب الظهر وما يقاربه وقال أبو يوسف : يضرب الرأس أيضا لأن عليا لم يستثنه .
ولنا على مالك قول علي ولأن ما عدا الأعضاء الثلاثة ليس بمقتل فأشبهت الظهر وعلى أبي يوسف أن الرأس مقتل فأشبه الوجه ولأنه ربما ضربه في رأسه فذهب بسمعه وبصره وعقله أو قتله والمقصود أدبه لا قتله وقولهم : لم يستثنه علي ممنوع فقد ذكرنا عنه أنه قال : اتق الرأس والوجه ولو لم يذكره صريحا فقد ذكره دلالة لأنه في معنى ما استثناه فيقاس عليه .
المسألة الثانية : أنه لا يمد ولا يربط ولا نعلم عنهم في هذا خلافا قال ابن مسعود : ليس في ديننا مد ولا قيد ولا تجريد وجلد أصحاب رسول الله A فلم ينقل عن أحد منهم مد ولا قيد ولا تجريد ولا تنزع عنه ثيابه بل يكون عليه الثوب والثوبان وإن كان عليه فرو أو جبة محشوة نزعت عنه لأنه لو ترك عليه ذلك لم يبال بالضرب قال أحمد : لو تركت عليه ثياب الشتاء ما بالى بالضرب وقال مالك : يجرد لأن الأمر بجلده يقتضي مباشرة جسمه .
ولنا قول ابن مسعود : ولم يعلم عن أحد من الصحابة خلافه والله تعالى لم يأمر بتجريده انما أمر بجلده ومن جلد فوق الثوب فقد جلد .
المسألة الثالثة : ان الضرب بالسوط ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في هذا في غير حد الخمر فأما حد الخمر فقال بعضهم : يقام بالايدي والنعال وأطراف الثياب وذكر بعض أصحابنا أن للامام فعل ذلك إذا رآه لما [ روى أبو هريرة أن رسول الله A أتي برجل قد شرب فقال : اضربوه قال : فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه ] رواه أبو داود .
ولنا أن النبي A قال : [ إذا شرب الخمر فاجلدوه ] والجلد إنما يفهم من إطلاقه الضرب بالسوط ولأنه أمر بجلده كما أمر الله تعالى بجلد الزاني فكان بالسوط مثله والخلفاء الراشدون ضربوا بالسياط وكذلك غيرهم فكان إجماعا فأما حديث أبي هريرة فكان في بدء الأمر ثم جلد النبي A واستقرت الأمور فقد صح أن النبي A جلد أربعين وجلد أبو بكر أربعين وجلد عمر ثمانين وجلد على الوليد بن عقبة أربعين وفي حديث جلد قدامة حين شرب أن عمر قال : ائتوني بسوط فجاءه أسلم مولاه بسوط دقيق صغير فأخذه عمر فمسحه بيده ثم قال لأسلم : أنا احدثك إنك ذكرت قرابته لأهلك ائتي بسوط غير هذا فأتاه به تاما فأمر عمر بقدامة فجلد إذا ثبت هذا فان السوط يكون وسطا لا جديدا فيجرح ولا خلقا فيقل ألمه لما [ روي أن رجلا اعترف عند رسول الله A بالزنا فدعا له رسول الله A بسوط فاتي بسوط مكسور فقال : فوق هذا فأتي بسوط جديد لم تكسر ثمرته فقال بين هذين ] رواه مالك عن زيد بن أسلم مرسلا وروي عن أبي هريرة مسندا وقد روي عن علي Bه أنه قال : ضرب من ضربين وسوط من سوطين وهكذا الضرب يكون وسطا لا شديد فيقتل ولا ضعيف فلا يردع ولا يرفع باعه كل الرفع ولا يحطه فلا يؤلم قال أحمد : لا يبدي أبطه في شيء من الحدود يعني لا يبالغ في رفع يده فان المقصود أدبه لا قتله