مسألة : إذا سرق ربع دينار من العين أو ثلاثة دراهم من الورق أو قيمة ثلاثة دراهم وأخرجه من الحرز قطع وشروط القطع السبعة .
مسألة : قال : أبو القاسم C : وإذا سرق ربع دينار من العين أو ثلاثة دراهم من الورق أو قيمة ثلاثة دراهم طعاما كان أو غيره وأخرجه من الحرز قطع .
وجملته أن القطع لا يجب إلا بشروط سبعة : .
أحدها : السرقة ومعنى السرقة أخذ المال على وجه الخفية والاستتار ومنه استراق السمع ومسارقة النظر إذا كان يستخفي بذلك فان اختطف أو اختلس لم يكن سارقا ولا قطع عليه عند أحد علمناه غير إياس بن معاوية قال : أقطع المختلس لأنه يستخفي بأخذه فيكون سارقا وأهل الفقه والفتوى من علماء الامصار على خلافه وقد روي عن النبي A أنه قال : [ ليس على الخائن ولا المختلس قطع ] وعن جابر قال : قال رسول الله A : [ ليس على المنتهب قطع ] رواهما أبو داود وقال : لم يسمعهما ابن جريح من أبي الزبير ولأن الواجب قطع السارق وهذا غير سارق ولأن الاختلاس نوع من الخطف والنهب وإنما يستخفي في ابتداء اختلاسه بخلاف السارق .
واختلفت الرواية عن أحمد في جاحد العارية فعنه عليه القطع وهو قول إسحاق لما [ روي عن عائشة أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي A بقطع يدها فأتى أهلها أسامة فكلموه فكلم النبي A فقال النبي A : الا أراك تكلمني في حد من حدود الله تعالى ؟ ثم قام النبي A خطيبا فقال : إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد A لقطعت يدها قالت : فقطع يدها ] قال أحمد لا أعرف شيئا يدفعه متفق عليه وعنه لا قطع عليه وهو قول الخرقي و أبي اسحاق بن شاقلا و أبي الخطاب وسائر الفقهاء وهو الصحيح إن شاء الله تعالى لقول رسول الله A : [ لا قطع على الخائن ] ولأن الواجب قطع السارق والجاحد غير سارق وإنما هو خائن فأشبه جاحد الوديعة والمرأة التي كانت تستعير المتاع إنما قطعت لسرقتها لا بجحدها ألا ترى قوله : [ إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه - وقوله - والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها ] وفي بعض ألفاظ رواية هذه القصة عن عائشة أن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت وذكرت القصة رواه البخاري وفي حديث أنها سرقت قطيفة فروى الأثرم باسناده عن مسعود بن الاسود قال : [ لما سرقت المرأة تلك القطيفة من بيت رسول الله A أعظمنا ذلك وكانت امرأة من قريش فجئنا الى رسول الله A فقلنا : نحن نفديها باربعين اوقية قال : تطهر خير لها فلما سمعنا لين قول رسول الله A أتينا أسامة فقلنا : كلم لنا رسول الله A وذكر الحديث ] نحو سياق عائشة وهذ ظاهر في أن القصة واحدة وأنها سرقت فقطعت بسرقتها وإنما عرفتها عائشة بجحدها للعارية لكونها مشهورة بذلك ولا يلزم أن يكون ذلك سببا كما لو عرفتها بصفة من صفاتها فيما ذكرنا جمع بين الأحاديث وموافقة لظاهر الأحاديث والقياس وفقهاء الأمصار فيكون أولى فأما جاحد الوديعة وغيرها من الأمانات فلا نعلم أحدا يقول بوجوب القطع عليه .
الشرط الثاني : أن يكون المسروق نصابا ولا قطع في القليل في قول الفقهاء كلهم إلا الحسن و داود و ابن بنت الشافعي والخوارج قالوا : يقطع في القليل والكثير لعموم الآية ولما روى أبو هريرة Bه أن النبي A قال : [ لعن الله السارق يسرق الحبل فتقطع يده ويسرق البيضة فتقطع يده ] متفق عليه ولأنه سارق من حرز فتقطع يده كسارق الكثير .
ولنا قول النبي A : [ لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا ] متفق عليه وإجماع الصحابة على ما سنذكره وهذا يخص عموم الآية والحبل يحتمل أن يساوي ذلك وكذلك البيضة يحتمل أن يراد بها بيضة السلاح وهي تساوي ذلك .
واختلفت الرواية عن أحمد في قدر النصاب الذي يجب القطع بسرقته فروى عنه أبو اسحاق الجوزجاني أنه ربع دينار من الذهب أو ثلاثة دراهم من الورق أو ما قيمته ثلاثة دراهم من غيرهما وهذا قول مالك و إسحاق .
وروى عنه الأثرم أنه إن سرق من غير الذهب والفضة ما قيمته ربع دينار أو ثلاثة دراهم قطع فعلى هذا يقوم غير الأثمان بأدنى الأمرين من ربع دينار أو ثلاثة دراهم وعنه أن الأصل الورق ويقوم الذهب به فان نقص ربع دينار عن ثلاثة دراهم لم يقطع سارقه وهذا يحكىة عن الليث و أبي ثور وقالت عائشة : لا قطع الا في ربع دينار فصاعدا وروي هذا عن عمر وعثمان وعلي Bهم وبه قال الفقهاء السبعة وعمر بن عبد العزيز و الأوزاعي و الشافعي و ابن المنذر لحديث عائشة Bها أن رسول الله A قال : [ لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا ] وقال عثمان البتي : تقطع اليد في درهم فما فوقه وعن أبي هريرة و أبي سعيد أن اليد تقطع في أربعة دراهم فصاعدا وعن عمر أن الخمس لا تقطع إلا في الخمس وبه قال سليمان بن يسار و ابن أبي ليلى وابن شبرمة وروي ذلك عن الحسن وقال أنس : قطع أبو بكر في مجن قيمته خمسة دراهم رواه الجوزجاني باسناده وقال عطاء و أبو حنيفة وأصحابه لا تقطع اليد إلا في دينار أو عشرة دراهم لما روى الحجاج بن أرطأة عن عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي A أنه قال : [ لا قطع إلا في عشرة دراهم ] وروى ابن عباس قال : [ قطع رسول الله A يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم ] وعن النخعي : لا تقطع اليد إلا في أربعين درهما .
ولنا ما روى ابن عمر [ أن رسول الله A قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم ] متفق عليه قال ابن عبد البر : هذا أصح حديث يروى في هذا الباب لا يحتلف أهل العلم في ذلك وحديث أبي حنيفة الأول يرويه الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف والذي يرويه عن الحجاج ضعيف أيضا والحديث الثاني لا دلالة فيه على أنه لا يقطع بما دونه فان من أوجب القطع بثلاثة دراهم أوجبه بعشرة ويدل هذا الحديث على أن العرض يقوم بالدراهم لأن المجن قوم بها ولأن ما كان الذهب فيه أصلا كان الورق فيه أصلا كنصب الزكاة والديات وقيم المتلفات وقد روى أنس أن سارقا سرق مجنا ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم أو ما يساوي ثلاثة دراهم فقطعه أبو بكر وأتي عثمان برجل قد سرق أترجة فأمر بها عثمان فاقيمت فبلغت قيمتها ربع دينار فأمر به عثمان فقطع