مسألة وفصل : وقت صلاة المغرب .
مسألة : قال : وإذا غابت الشمس وجبت المغرب ولا يستحب تأخيرها إلى أن يغيب الشفق .
أما دخول وقت المغرب بغروب الشمس فإجماع أهل العلم لا نعلم بينهم خلافا فيه والأحاديث دالة عليه وآخره مغيب الشفق وبهذا قال الثوري و إسحاق و أبو ثور وأصحاب الرأي وبعض أصحاب الشافعي وقال مالك و الأوزاعي و الشافعي : ليس لها إلا وقت واحد عند مغيب الشمس لأن جبريل عليه السلام صلاها بالنبي A في اليومين لوقت واحد في بيان مواقيت الصلاة وقال النبي A : [ لا تزال أمتي بخير ما لم يؤخروا المغرب إلى أن يشتبك النجم ] ولأن المسلمين مجمعون على فعلها في وقت واحد في أول الوقت وعن طاوس لا تفوت المغرب والعشاء حتى الفجر ونحوه عن عطاء لما ذكرناه في الظهر والعصر .
ولنا : حديث بريدة أن النبي A صلى المغرب في اليوم الثاني حين غاب الشفق وفي لفظ رواه الترمذي فأخر المغرب إلى أن يغيب الشفق وروى أبو موسى أن النبي A أخر المغرب في اليوم الثاني حتى كان عند سقوط الشفق رواه مسلم و أبو داود وفي حديث عبد الله بن عمرو [ أن النبي A قال : وقت المغرب ما لم يغب الشفق ] رواه مسلم وفي حديث أبي هريرة أن النبي A قال : [ ان للصلاة أولا وآخرا وإن وقت المغرب حين تغرب الشمس وأن آخر وقتها حين يغيب الأفق ] رواه الترمذي وهذه نصوص صحيحة لا يجوز مخالفتها بشيء محتمل ولأنها إحدى الصلوات فكان لها وقت متسع كسائر الصلوات ولأنها إحدى صلاتي جمع فكان وقتها متصلا بوقت التي تجمع إليها كالظهر والعصر ولأ ما قبل مغيب الشفق وقت لاستدامتها فكان وقتا لابتدائها كأول وقتها وأحاديثهم محمولة على الاستحباب والاختيار وكراهة التأخير ولذلك قال الخرقي : ولا يستحب تأخيرها فإن الأحاديث فيها تأكيد لفعلها في أول وقتها وأقل أحوالها تأكيد الاستحباب وأن قدر أن الأحاديث متعارضة وجب حمل أحاديثهم على أنها منسوخة لأنها في أول فرض الصلاة بمكة وأحاديثنا بالمدينة متأخرة فتكون ناسخة لما قبلها مما يخالفها والله أعلم .
مسألة : قال : فإذا غاب الشفق وهو الحمرة في السفر وفي الحضر البياض لأن في الحضر قد تنزل الحمرة فتواريها الجدران فيظن أنها قد غاب البياض فقد تيقن ووجبت عشاء الآخرة إلى ثلث الليل .
لا خلاف في دخول وقت العشاء بغيبوبة الشفق وإنما اختلفوا في الشفق ما هو ؟ فمذهب إمامنا أن الشفق الذي يخرج به وقت المغرب يدخل به وقت العشاء هو الحمرة وهذا قول ابن عمر وابن عباس و عطاء و مجاهد و سعيد بن جبير و الزهري و الثوري و ابن أبي ليلى و الشافعي و إسحاق و صاحبي أبي حنيفة وعن أنس وأبي هريرة الشفق البياض وروي ذلك عن عمر بن عبدالعريز وبه قال الأوزاعي و أبو حنيفة و ابن المنذر لـ أن النعمان بن بشير قال : [ أنا أعلم الناس بوقت هذه الصلاة صلاة العشاء كان رسول الله A يصليها لسقوط القمر الثالثة ] رواه أبو داود و [ روي عن ابن مسعود قال : رأيت رسول الله A يصلي هذه الصلاة حين يسود الأفق ] .
ولنا : ما روت عائشة Bها قالت : [ أعتم رسول الله A بالعشاء حتى ناداه عمر بالصلاة نام النساء والصبيان فخرج رسول الله A فقال ما ينتظرها أحد غيركم ] قال : ولا يصلى إلا بالمدينة وكانوا يصلون فيما بين أن يغيب الشفق الأول إلى ثلث الليل رواه البخاري والشفق الأول هو الحمرة وقال النبي A [ وقت المغرب ما لم يسقط فور الشفق ] رواه أبو داود وروى ثور الشفق و فور الشفق فورانه وسطوعه وثوره ثوران حمرته وإنما يتناول هذا الحمرة وآخر وقت المغرب وقت العشاء وروي عن ابن عمر عن النبي A أنه قال : [ الشفق الحمرة فإذا غاب الشفق وجبت العشاء ] رواه الدارقطني وما رواه لا حجة لهم فيه فقد كان النبي A يؤخر الصلاة عن أول الوقت قليلا وهو الأفضل ولاولى ولهذا [ روي عنه A أنه قال لبلال اجعل بين أذانك واقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والمتوضىء من وضوئه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ] إذا ثبت هذا فإنه إن كان في مكان يظهر له الأفق ويبين له مغيب الشفق فمتى ذهبت الحمرة وغابت دخل وقت العشاء وأن كان في مكان يستتر عنه الأفق بالجدران والجبال استظهر حتى يغيب البياض ليستدل بغيبته على مغيب الحمرة فيعتبر غيبة البياض لدلالته على مغيب الحمرة لا لنفسه