مسألة : إذا زنى الحر البكر جلد مائة وغرب عاما .
مسألة : قال : وإذا زنى الحر البكر جلد مائة وغرب عاما .
يعني لم يحصن وإن كان ثيبا وقد ذكرنا الإحصان وشروطه ولا خلاف في وجوب الجلد على الزاني إذا لم يكن محصنا وقد جاء بيان ذلك في كتاب الله تعالى بقوله سبحانه : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } وجاءت الأحاديث عن النبي A موافقة لما جاء به الكتاب ويجب مع الجلد تغريبه عاما في قول جمهور العلماء روي ذلك عن الخلفاء الراشدين وبه قال أبي وأبو داود وابن مسعود وابن عمر Bهم وإليه ذهب عطاء و طاوس و الثوري و ابن أبي ليلى و الشافعي و أسحاق و ابو ثور وقال مالك و الأوزاعي : يغرب الرجل دون المرأة لأن المرأة تحتاج إلى حفظ وصيانة ولأنها لا تخلو من التغريب بمحرم أو بغير محرم : لا يجوز التغريب بغير محرم لقول النبي خلى الله عليه وسلم : [ لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة الا مع ذي محرم ] ولأن تغريبها بغير محرم إغراء لها بالفجور وتضييع لها وإن غربت بمحرم أفضى الى تغريب من ليس بزان ونفي من لا ذنب له وإن كلفت أجرته ففي ذلك زيادة على عقوبتها بما لم يرد الشرع به كما لو زاد ذلك على الرجل والخبر الخاص في التغريب إنما هو في حق الرجل وكذلك فعل الصحابة Bهم والعام يجوز تخصيصه لأنه يلزم من العمل بعمومه مخالفة مفهومه فإنه دل بمفهومه على أنه ليس على الزاني أكثر من العقوبة المذكورة فيه وإيجاب التغريب على المرأة يلزم منه الزيادة على ذلك وفوات حكمته لأن الحد وجب زجرا عن الزنا وفي تغريبها إغراء به وتمكين منه مع أنه قد يخصص في حق الثيب باسقاط الجلد في قول الأكثرين فتخصيصه ههنا أولى وقال أبو حنيفة : و محمد بن الحسن : لا يجب التغريب لأن عليا رضي اله عنه قال : حسبهما من الفتنة أن ينفيا وعن ابن المسيب أن عمر غرب ربيعة بن أمية بن خلف في الخمر إلى خيبر فلحق بهرقل فتنصر فقال عمر : لا أغرب مسلما بعد هذا أبدا ولأن الله تعالى أمر بالجلد دون التغريب فايجاب التغريب زيادة على النص .
ولنا قول النبي A : [ البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ] و [ روى أبو هريرة وزيد بن خالد أن رجلين اختصما إلى رسول الله A فقال أحدهما : إن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بامرأته وإنني افتديت منه بمائة شاة ووليدة فسألت رجالا من أهل العلم فقالوا : إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام والرجم على امرأة هذا فقال النبي A : والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله D على ابنك جلد مائة وتغريب عام وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي إمرأة الآخر فان اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها ] متفق عليه وفي الحديث أنه قال : سألت رجالا من أهل العلم فقالوا إنما على ابنك جلد مائة وتغريب عام وهذا يدل على أن هذا كان مشهورا عندهم من حكم الله تعالى وقضاء رسوله A وقد قيل أن الذي قال له هذا هو أبو بكر وعمر Bهما ولأن التغريب فعله الخلفاء الراشدون ولا نعرف لهم في الصحابة مخالفا فكان إجماعا ولأن الخبر يدل على عقوبتين في حق الثيب وكذلك في حق البكر وما رووه عن علي لا يثبت لضعف رواته وإرساله وقول عمر لا أغرب بعده مسلما فيحتمل أنه أراد تغريبه في الخمر الذي أصابت الفتنة ربيعة فيه وقول مالك يخالف عموم الخبر والقياس لأن ما كان حدا في الرجل يكون حدا في المرأة كسائر الحدود وقول مالك فيما يقع لي أصح الأقوال وأعدلها وعموم الخبر مخصوص بخبر النهي عن سفر المرأة بغير محرم والقياس على سائر الحدود لا يصح لأنه يستوي الرجل والمرأة في الضرر الحاصل بها بخلاف هذا الحد ويمكن قلب هذا القياس بأنه حد فلا تزاد فيها المرأة على ما على الرجل كسائر الحدود