مسألة : إذا اتفق المسلمون على إمام فمن خرج عليه من المسلمين يطلب موضعه حوربوا ودفعوا بأسهل .
مسألة : قال أبو القاسم C : واذا اتفق المسلمون على إمام فمن خرج عليه من المسلمين يطلب موضعه حوربوا ودفعوا بأسهل ما يندفعون به .
وجملة الأمر أن من اتفق المسلمون على إمامته وبيعته ثبتت إمامته ووجبت معونته لما ذكرنا من الحديث والاجماع وفي معناه من ثبتت إمامته بعهد النبي A او بعهد إمام قبله اليه فان أبا بكر ثبتت امامته باجماع الصحابة على بيعته وعمر ثبتت امامته بعهد ابي بكر اليه وأجمع الصحابة على قبوله ولو خرج رجل على الامام فقهره وغلب الناس بسيفه حتى أقروا له واذعنوا بطاعته وتابعوه صار إماما يحرم قتاله والخروج عليه فان عبد الملك بن مروان خرج على ابن الزبير فقتله واستولى على البلاد وأهلها حتى بايعوه طوعا وكرها فصار إماما يحرم الخروج عليه وذلك لما في الخروج عليه من شق عصا المسلمين واراقة دمائهم وذهاب اموالهم ويدخل الخارج عليه في عموم قوله عليه السلام : [ من خرج على أمتي وهم جميع فاضربوا عنقه بالسيف كائنا من كان ] فمن خرج على من ثبتت إمامته بأحد هذه الوجوه باغيا وجب قتاله ولا يجوز قتالهم حتى يبعث اليهم من يسألهم ويكشف لهم الصواب إلا أن يخاف كلبهم فلا يمكن ذلك في حقهم فاما إن أمكن تعريفهم عرفهم ذلك وأزال ما يذكرونه من المظالم وأزال حججهم فان لجوا قاتلهم حينئذ لان الله تعالى بدأ بالامر بالاصلاح قبل القتال فقال سبحانه : { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } وروي أن عليا Bه راسل أهل البصرة قبل وقعة الجمل ثم أمر أصحابه أن لا يبدأوهم بالقتال ثم قال : إن هذا يوم من فلج فيه فلج يوم القيامة ثم سمعهم يقولون الله اكبر يا ثارات عثمان فقال : اللهم أكب قتلة عثمان لوجوههم وروى عبد الله بن شداد بن الهادي ان عليا لما اعتزلته الحرورية بعث اليهم عبد الله بن عباس فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام فرجع منهم أربعة آلاف فان أبوا الرجوع وعظهم وخوفهم القتال وإنما كان كذلك لان المقصود كفهم ودفع شرهم لا قتلهم فاذا أمكن بمجرد القول كان أولى من القتال لما فيه من الضرر بالفريقين فان سألوا الانظار نظر في حالهم وبحث عن أمرهم فان بان له أن قصدهم الرجوع إلى الطاعة ومعرفة الحق أمهلهم قال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من أحفظ عنه من أهل العلم فان كان قصدهم الاجتماع على قتاله وانتظار مدد يقوون به او خديعة الامام او ليأخذوه على غرة ويفترق عسكره لم ينظرهم وعاجلهم لانه لا يأمن من أن يصير هذا طريقا إلى قهر أهل العدل ولا يجوز هذا وان اعطوه عليه مالا لأنه لا يجوز أن يأخذ المال على إقرارهم على ما لا يجوز اقرارهم عليه وان بذل له رهائن على انظارهم لم يجز أخذها لذلك ولأن الرهائن لا يجوز قتلهم لغدر أهلهم فلا يفيد شيئا وان كان في ايديهم أسرى من أهل العدل واعطوا بدلك رهائن منهم قبلهم الامام واستظهر للمسلمين فان أطلقوا أسرى المسلمين الذين عندهم أطلقت رهائنهم وإن قتلوا من عندهم لم يجز قتل رهائنهم لانهم لا يقتلون بقتل غيرهم فاذا انقضت الحرب خلي الرهائن كما تخلى الأسارى منهم وان خاف الامام على الفئة العادلة الضعف عنهم أخر قتالهم الى أن تمكنه القوة عليهم لأنه لا يأمن الاصطلام والاستئصال فيؤخرهم حتى تقوى شوكة أهل العدل ثم يقاتلهم وان سألوه أن ينظرهم أبدا ويدعهم وما هم عليه ويكفوا عن المسلمين نظرت فان لم يعلم قوته عليهم وخاف قهرهم له إن قاتلهم تركهم وان قوي عليهم لم يجز إقرارهم على ذلك لأنه لا يجوز ان يترك بعض المسلمين طاعة الامام ولا تؤمن قوة شوكتهم بحيث يفضي إلى قهر الامام العادل ومن معه ثم ان امكن دفعهم بدون القتل لم يجز قتلهم لأن المقصود دفعهم لأهلهم ولأن المقصود إذا حصل بدون القتل لم يجز القتل من غير حاجة وإن حضر معهم من لا يقاتل لم يجز قتله وقال أصحاب الشافعي فيه وجه آخر يجوز لان عليا Bه نهى أصحابه عن قتل محمد بن طلحة السجاد وقال : إياكم وصاحب البرنس فقتله رجل وانشأ يقول : .
( وأشعث قوام بآيات ربه ... قليل الأذى فيما ترى العين مسلم ) .
( هتكت له بالرمح جيب قميصه ... فخر صريعا لليدين وللفم ) .
( على غير شيء غير أن ليس تابعا ... عليا ومن لم يتبع الحق يظلم ) .
( يناشدني حم والرمح شاجر ... فهلا تلا حم قبل التقدم ) .
وكان السجاد حامل راية أبيه ولم يكن يقاتل فلم ينكر علي قتله ولأنه صار ردءا لهم .
ولنا قول الله تعالى : { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم } و الأخبار الواردة في قتل المسلم والاجماع على تحريمه وإنما خص من ذلك ما حصل ضرورة دفع الباغي والصائل ففيما عداه يبقى على العموم والاجماع فيه ولهذا حرم قتل مدبرهم وأسيرهم والاجهاز على جريحهم مع أنهم إنما تركوا القتال عجزا عنه ومتى ما قدروا عليه عادوا اليه فمن لا يقاتل تورعا عنه مع قدرته عليه ولا يخاف منه القتال بعد ذلك أولى ولأنه مسلم لم يحتج إلى دفعه ولا صدر منه أحد الثلاثة فلم يحل دمه لقوله عليه السلام : [ لا يحل دم امرىء مسلم إلا باحدى ثلاث ] فأما حديث علي في نهيه عن قتل السجاد فهو حجة عليه فان نهي علي أولى من فعل من خالفه ولا يمتثل قول الله تعالى ولا قول رسوله ولا قول إمامة وقولهم لم ينكر قتله قلنا : لم ينقل الينا أن عليا علم حقيقة الحال في قتله ولا حضر قتله فينكره وقد جاء أن عليا Bه حين طاف في القتلى رآه فقال : السجاد ورب الكعبة هذا الذي قتله بره بأبيه وهذا يدل على أنه لم يشعر بقتله ورأى كعب بن سور فقال : يزعمون إنما خرج إلينا الرعاع وهذا الحبر بين أظهرهم ويجوز أن يكون تركه الانكار عليهم اجتزاء بالنهي المتقدم ولأن القصد من قتالهم كفهم وهذا كاف لنفسه فلم يجز قتله كالمنهزم