سائل وفصول دية المأمومة والجائفة وفرج البكر والزوجة الصغيرة .
مسألة : قال : وفي المأمومة ثلث الدية وهي التي تصل إلى جلدة الدماغ وفي الآمة مثل ما في المأمومة .
المأمومة والآمة شيء واحد قال ابن عبد البر : أهل العراق يقولون لها الآمة وأهل الحجاز المأمومة وهي الجراحة الواصلة إلى أم الدماغ سميت لأنها تحوطه وتجمعه فإذا وصلت الجراحة إليها سميت آمة ومأمومة يقال أم الرجل آمة ومأمومة وأرشها ثلث الدية في قول عامة أهل العلم إلا مكحولا فإنه قال : إن كانت عمدا ففيها ثلثا الدية وإن كانت خطأ ففيها ثلثها .
ولنا قول النبي A في كتاب عمرو بن حزم : [ وفي المأمومة ثلث الدية ] وعن ابن عمر عن النبي A مثل ذلك وروي نحوه عن علي ولأنها شجة فلم يختلف أرشها بالعمد والخطأ في المقدار كسائر الشجاج .
فصل : وإن خرق جلدة الدماغ فهي الدامغة وفيها ما في المأمومة قال القاضي : لم يذكر أصحابنا الدامغة لمساواتها المأمومة في أرشها وقيل فيها مع ذلك حكومة لخرق جلدة الدماغ ويحتمل أنهم تركوا ذكرها لكونها لا يسلم صاحبها في الغالب .
فصل : فإن أوضحه رجل ثم هشه الثاني ثم جعلها الثالث منقلة ثم جعلها الرابع مأمومة فعلى الأول أرش موضحته وعلى الثاني خمس تمام أرش الهاشمة وعلى الثالث خمس تمام أرش المنقلة وعلى الرابع ثمانية عشر وثلث تمام أرش المأمومة .
مسألة : قال : وفي الجائفة ثلث الدية وهي التي تصل إلى الجوف .
وفي قول عامة أهل العلم منهم أهل المدينة وأهل الكوفة وأهل الحديث وأصحاب الراي إلا مكحولا قال فيها : في العمد ثلثا الدية .
ولنا قول النبي A في كتاب عمرو بن حزم : [ وفي الجائفة ثلث الدية ] وعن ابن عمر عن النبي A مثل ذلك ولأنها جراحة فيها مقدر يختلف قدر أرشها بالعمد والخطأ كالموضحة ولا نعلم في جراح البدن الخالية عن قطع الأعضاء وكسر العظام مقدرا غير الجائفة والجائفة ما وصل إلى الجوف من بطن أو ظهر أو صدر أو ثغرة نحر أو ورك أو غيره .
وذكر ابن عبد البر أن مالكا و أبا حنيفة و الشافعي و البتي وأصحابهم اتفقوا على أن الجائفة لا تكون إلا في الجوف قال ابن القاسم : الجائفة ما أفضى إلى الجوف ولو بمغرز إبرة فأما إن خرف شدقه فوصل إلى باطن الفم فليس بجائفة لأن داخل الفم حكمه حكم الظاهر لا حكم الباطن وإن طعنه في وجنته فكسر العظم ووصل إلى فيه فليس بجائفة لما ذكرنا .
وقال الشافعي في أحد قوليه : هو جائفة لأنه قد وصل إلى جوف وهذا ينتقض بما إذا خرق شدقه فعلى هذا يكون عليه دية هاشمة لكسر العظم وفيما زاد حكومة وإن جرحه في أنفه فأنفذه فهو كما لو جرحه في وجنته فأنفذه إلى فيه في الحكم والخلاف وإن جرحه في ذكره فوصل إلى مجرى البول من الذكر فليس بجائفة لأنه ليس بجوف يخاف التلف من الوصول إليه بخلاف غيره .
فصل : وإن أجافه جائفتين بينهما حاجز فعليه ثلثا الدية وإن خرق الجاني ما بينهما أو ذهب بالسراية صارا جائفة واحدة فيها ثلث الدية لا غير وإن خرق ما بينهما أجنبي أو المجني عليه فعلى الأول ثلثا الدية وعلى الأجنبي الثاني ثلثها ويسقط ما قابل فعلى المجني عليه وإن احتاج إلى خرق ما بينهما للمداواة فخرقها المجني عليه أو غيره بأمره أو خرقها ولي الجني عليه لذلك أو الطبيب بأمره فلا شيء في خرق الحاجز وعلى الأول ثلثا الدية وإن أجافه رجل فوسعها آخر فعلى كل واحد منهما أرش جائفة لأن فعل كل واحد منهما لو انفرد كان جائفة فلا يسقط حكمه بانضمامه إلى فعل غيره لأن فعل الإنسان لا ينبني على فعل غيره وإن وسعها الطبيب بإذنه أو إذن وليه لمصلحته فلا شيء عليه وإن وسعها جان آخر في الظاهر دون الباطن أو في الباطن دون الظاهر فعليه حكومة لأن جنايته لم تبلغ الجائفة وإن أدخل السكين في الجائفة ثم أخرجها عزر ولا أرش عليه وإن كان قد خاطها فجاء آخر فقطع الخيوط وأدخل السكين فيها قبل أن تلتحم عزر أشد من التعزير الأول الذي قبله وغرمه ثمن الخيوط وأجرة الخيوط ولم يلزمه أرش جائفة لأنه لم يجفه وإن فعل ذلك بعد التحامها فعليه أرش الجائفة وثمن الخيوط لأنه بالالتحام عاد إلى الصحة فصار كالذي لم يجرح وإن التحم بعضها دون بعض ففتق ما التحم فعليه أرش جائفة لما ذكرنا وإن فتق غير ما التحم عليه فليس عليه أرش الجائفة وحكمه حكم من فعل مثل فعله قبل أن يلتحم منها شيء وإن فتق بعض ما التحم في الظاهر دون الباطن أو الباطن دون الظاهر فعليه حكومة كما لو وسع جرحه كذلك .
فصل : وإن جرح فخذه ود السكين حتى بلغ الورك فأجاف فيه أو جرح الكتف وجر السكين حتى بلغ الصدر فأجافه فيه فعليه أرش الجائفة وحكومة في الجراح لأن الجراح في غير موضع الجائفة فانفردت بالضمان كما لو أوضحه في رأسه وجر السكين حتى بلغ القفا فإنه يلزمه أرش موضحة وحكومة لجرح القفا .
فصل : فإن أدخل حديدة أو خشبة أو يده في دبر إنسان فخرق حاجزا في الباطن فعليه حكومة ولا يلزمه أرش جائفة لأن الجائفة ما خرقت من الظاهر إلى الجوف وهذه بخلافه وكذلك لو أدخل السكين في جائفة إنسان فخرق شيئا في الباطن فليس ذلك بجائفة لما ذكرنا .
مسألة : قال : فإن جرحه في جوفه فخرج من الجانب الآخر فهما جائفتان .
هذا قول أكثر أهل العلم منهم عطاء و مجاهد و قتادة و مالك و الشافعي واصحاب الرأي قال ابن عبد البر : لا أعلمهم يختلفون في ذلك وحكي عن بعض أصحاب الشافعي أنه قال هي جائفة واحدة وحكي أيضا عن أبي حنيفة لأن الجائفة هي التي تنفذ من ظاهر البدن إلى الجوف وهذه الثانية إنما نفذت من الباطن إلى الظاهر .
ولنا ما روى سعيد بن المسيب أن رجلا رمى رجلا بسهم فأنفذه فقضى أبو بكر Bه بثلثي الدية ولا مخالف له فيكون إجماعا أخرجه سعيد بن منصور في سننه وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن عمر قضى في الجائفة إذا نفذت الجوف بارش جائفتين لأنه أنفذه من موضعين فكان جائفتين كما لو أنفذه بضربتين وما ذكروه غير صحيح فإن الاعتبار موصول الجرح إلى الجوف لا بكيفية إيصاله إذ لا أثر لصورة الفعل مع التساوي في المعنى ولأن ما ذكروه من الكيفية ليس بمذكور في خبر وإنما العادة والغالب وقوع الجائفة هكذا فلا يعتبر كما أن العادة والغالب حصولها بالحديد ولو حصلت بغيره لكانت جائفة ثم ينتقض ما ذكروه بما لو أدخل يده في جائفة إنسان فخرق بطنه في موضع آخر فإنه يلزمه أرش جائفة بغير خلاف نعلمه وكذلك يخرج فيمن اوضح إنسانا في رأسه ثم أخرج رأس السكين في موضع آخر فهي موضحتان فإن هشمه هاشمة لها مخرجان فهي هشمتان وكذلك ما أشبهه .
فصل : فإن أدخل أصبعه في فرج بكر فأذهب بكارتها فليس بجائفة لأن ذلك ليس بجوف .
مسألة : قال : ومن وطىء زوجته وهي صغيرة ففتقها لزمه ثلث الدية .
معنى الفتق خرق ما بين مسلك البول والمني وقيل : بل معناه خرق ما بين القبل والدبر إلا أن هذا بعيد لأنه يبعد أن يذهب بالوطء ما بينهما من الحاجز فإنه حاجز غليظ قوي والكلام في هذه المسألة في فصلين .
الفصل الأول : في أصل وجوب الضمان والثاني : في قدره أما الأول فإن الضمان إنما يجب بوطء الصغيرة أو النحيفة التي لا تحمل الوطء دون الكبيرة المحتملة له وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي : يجب الضمان في الجميع لأنه جناية فيجب الضمان به كما لو كان في أجنبية .
ولنا أنه وطء مستحق فلم يجب ضمان ما تلف به كالبكارة ولأنه فعل مأذون فيه ممن يصح إذنه فلم يضمن ما تلف بسرايته كما لو أذنت في مداواتها بما يفضي إلى ذلك وكقطع السارق أو استيفاء القصاص وعكسه الصغيرة والمكرهة على الزنا إذا ثبت هذا فإنه يلزمه المهر المسمى في النكاح مع أرش الجناية ويكون أرش الجناية في ماله إن كان عمدا محضا وهو أن يعل مأنها لا تطيقه وأن وطأه يفضيها فأما إن لم يعلم ذلك وكان مما يحتمل أن لا يفضي إليه فهو عمد الخطأ فيكون على عاقلته إلا على قول من قال : إن العاقلة لا تحمل عمد الخطأ فإنه يكون في ماله .
الفصل الثاني : في قدر الواجب وهو ثلث الدية وبهذا قال قتادة و ابو حنيفة وقال الشافعي : تجب الدية كاملة وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز لأنه أتلف منفعة الوطء فلزمته الدية كما لو قطع اسكتيها .
ولنا ما روي عن عمر بن الخطاب Bه أنه قضى في الإفضاء بثلث الدية ولم نعرف له في الصحابة مخالفا ولأن هذه جناية تخرق الحاجز بين مسلك البول والذكر فكان موجبها ثلث الدية كالجائفة ولا نسلم أنها تمنع الوطء وأما قطع الإسكتين فإنما أوجب الدية لأنه قطع عضوين فيهما نفع وجمال فأشبه قطع الشفتين .
فصل : وإن استطلق بولها مع ذلك لزمته دية من غير زيادة وبهذا قال أبو حنيفة وقال الشافعي : تجب دية وحكومة لأنه فوت منفعتين فلزمه أرشهما كما لو فوت كلامه وذوقه .
ولنا أنه أتلف عضوا واحدا لم يفت غير منافعه فلم يضمنه بأكثر من دية واحدة كما لو قطع لسانه فذهب ذوقه وكلامه وما قاله لا يصح لأنه لو أوجب دية المنفعتين لأوجب ديتين لأن استطلاق البول موجب الدية والإفضاء عنده وجب الدية منفردا ولم يقل به وإنما أوجب الحكومة ولم يوجد مقتضيها فإننا لا نعلم أحدا أوجب في الإفضاء حكومة .
فصل : وإن اندمل الحاجز وانسد وزال الإفضاء لم يجب ثلث الدية ووجبت حكومة لجبر ما حصل من النقص