مسائل وفصول أحكام الموضحة وما يجب في الهاشمة وفي المنقلة .
مسألة : قال وفي موضحة الحر خمس من الإبل سواء كان من رجل أو امرأة والموضحة في الرأس والوجه سواء وهي التي تبرز العظم .
هذه من شجاج الرأس أو الوجه وليس في الشجاج ما فيه قصاص سواها ولا يجب المقدر في أقل منها وهي التي تصل إلى العظم سميت موضحة لأنها أبدت وضح العظم وهو بياضه وأجمع أهل العلم أن أرشها مقدر قال ابن المنذر وفي كتاب النبي A لعمرو بن حزم : [ وفي الموضحة خمس من الإبل ] رواه أبو داود و النسائي و الترمذي وقال حديث حسن وقول الخرقي في موضحة الحر يحترز به من موضحة العبد وقوله : سواء كان من رجل أو امرأة يعني أنهما لا يختلفان في أرش الموضحة لأنها دون ثلث الدية وهما يستويان فيما دون الثلث ويختلفان فيما زاد وعند الشافعي أن موضحة المرأة على النصف من موضحة الرجل بناء على أن جراح المرأة على النصف من جراح الرجل في الكثير والقليل وسنذكر ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى وعموم الحديث الذي رويناه ههنا حجة عليه وفيه كفاية وأكثر أهل العلم على أن الموضحة في الرأس والوجه سواء روي ذلك عن أبي بكر وعمر Bهما وبه قال شريح و مكحول و الشعبي و النخعي و الزهري و ربيعة و عبيد الله بن الحسن و أبو حنيفة و الشافعي و إسحاق وروي عن سعيد بن المسيب أنه قال : تضعف الوجه على موضحة الرأس فيجب في موضحة الوجه عشر من الإبل لأن شينها أكثر وذكره القاضي رواية عن أحمد ووضحة الرأس يسترها الشعر والعمامة وقال مالك : إذا كانت في الأنف أو في اللحي الأسفل ففيها حكومة لأنها تبعد عن الدماغ فأشبهت موضحة سائر البدن .
ولنا عموم الأحاديث وقول أبي بكر وعمر Bهما الموضحة في الرأس والوجه سواء ولأنها موضحة فكان أرشها خمسا من الإبل كغيرها ما سلموه ولا عبرة بكثرة الشين بدليل التسوية بين الصغيرة والكبيرة وما ذكروه لـ مالك لا يصح فإن الموضحة في الصدر أكثر ضررا وأقرب إلى القلب ولا مقدر فيها وقد روي عن أحمد C أنه قال : موضحة الوجه أحرى أن يزاد في ديتها وليس معنى هذا أنه يجب فيها أكثر والله أعلم إنما معناه أنها أولى بإيجاب الدية فإنه إذا وجب في موضحة الرأس مع قلة شينها واستتارها بالشعر وغطاء الرأس خمس من الإبل فلأن يجب ذلك في الوجه الظاهر الذي هو مجمع المحاسن وعنوان الجمال أولى وحمل كلام أحمد على هذا أولى من حمله على ما يخالف الخبر والأثر وقول أكثر أهل العلم ومصيره إلى التقدير بغير توقيف ولا قياس صحيح .
فصل : ويجب أرش الموضحة في الصغيرة والكبيرة والبارزة والمستورة بالشعر لأن اسم الموضحة يشمل الجميع وحد الموضحة ما أفضى إلى العظم ولو بقدر إبرة ذكره ابن القاسم والقاضي فإن شجه في رأسه شجة بعضها موضحة وبعضها دون الموضحة لم يلزمه أكثر من أرش موضحة لأنه لو أوضح الجميع لم يلزمه أكثر من أرش موضحه قلأن لا يلزمه في الإيضاح في البعض أكثر من ذلك أولى وهكذا لو شجه شجة بعضها هاشمة وباقيها دونها لم يلزمه أكثر من أرش هاشمة وإن كانت منقلة وما دونها أو مأمومة وما دونها فعليه أرش منقلة أو مأمومة لما ذكرنا .
فصل : وليس في موضحة غير الرأس والوجه مقدر في قول اكثر أهل العلم منهم إمامنا و مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق و ابن المنذر وقال ابن عبد البر : ولا يكون في البدن موضحة يعني ليس فيها مقدر قال على ذلك جماعة العلماء إلا الليث بن سعد قال : الموضحة تكون في الجسد أيضا وقال الأوزاعي : في جراحة الجسد على النصف من جراحة الرأس وحكي نحو ذلك عن عطاء الخراساني قال : في الموضحة في سائر الجسد خمسة وعشرون دينارا .
ولنا أن اسم الموضحة إنما يطلق على الجراحة المخصوصة في الوجه والرأس وقول الخليفتين الراشدين : الموضحة في الوجه والرأس سواء يدل على أن باقي الجسد بخلافه ولأن الشين فيما في الرأس والوجه أكثر وأخطر مما في سائر البدن فلا يلحق به ثم إيجاب ذلك في سائر البدن يفضي إلى أن يجب في موضحة العضو أكثر من ديته مثل أن يوضح أنملة ديتها ثلاثة ودية الموضحة خمس وأما قول الأوزاعي و عطاء الخراساني فتحكم لا نص فيه ولا قياس يقتضيه اطراحه .
فصل : وإن أوضحه في رأسه وجر السكين إلى قفاه فعليه أرش موضحة وحكومة لجرح القفا لأن القفا ليس بموقع للموضحة وإن أوضحه في رأسه ومدها إلى وجهه فعلى وجهين : .
أحدهما : أنها موضحة واحدة لأن الوجه والرأس سواء في الموضحة فصار كالعضو الواحد .
والثاني : هما موضحتان لأنه أوضحه في عضوين فكان لكل واحد منهما حكم نفسه كما لو أوضحه في رأسه ونزل إلى القفا .
فصل : وإن أوضحه في رأسه موضحتين بينهما حاجز فعليه أرش موضحتين لأنهما موضحتان فإن أزال الحاجز الذي بينهما وجب أرش موضحة واحدة لأنه صار الجميع بفعله موضحة فصار كما لو أوضح الكل من غير حاجز يبقى بينهما وإن اندملتا ثم أزال الحاجز بينهما فعليه أرش ثلاث مواضح لأنه استقر عليه أرش الأوليين بالاندمال ثم لزمته دية الثالثة وإن تأكل ما بينهما قبل اندمالها فزال لم يلزمه أكثر من أرش واحدة لأن سراية فعله كفعله وإن اندملت إحداهما وزال الحاجز بفعله أو سراية الأخرى فعليه أرش موضحتين وإن أزال الجاز أجنبي فعلى الأول أرش موضحتين وعلى الثاني أرش موضحة لأن فعل أحدهما لا ينبني على فعل الآخر فانفرد كل واحد منهما بحكم جنايته وإن أزاله المجني عليه وجب على الأول أرش موضحتين لأن ما وجب بجنايته لا يسقط بفعل غيره فإن اختلفا فقال الجاني : أنا شققت ما بينهما وقال المجني عليه : بل أنا أو أزالها آخر سواك فالقول قول المجني عليه لأن سبب أرش موضحتين قد وجد والجاني يدعي زواله والمجني عليه ينكره والقول قول المنكر والأصل معه وإن أوضح موضحتين ثم قطع اللحم الذي بينهما في الباطن وترك الجلد الذي فوقهما ففيها وجهان : .
أحدهما : يلزمه أرش موضحتين لانفصالهما في الظاهر والثاني : أرش موضحة لاتصالهما في الباطن وإن جرحه جراحا واحدة وأوضحه في طرفيها وباقيها دون الموضحة ففيه أرش موضحتين لأن ما بينهما ليس بموضحة .
مسألة : قال : وفي الهاشمة عشر من الإبل وهي التي توضح العظم وتهشمه .
الهاشمة هي التي تتجاوز الموضحة فتهشم العظمم سميت هاشمة لهشمها العظم ولم يبلغنا عن النبي A فيها تقدير وأكثر من بلغنا من أهل العلم على أن أرشها مقدر بعشر من الإبل روى ذلك قبيصة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت وبه قال قتادة و الشافعي و العنبري ونحوه قال الثوري وأصحاب الرأي إلا أنهم قدروها بعشر الدية من الدراهم وذلك على قولهم ألف درهم وكان الحسن لا يوقت فيها شيئا وحكي عن مالك أنه قال : لا أعرف الهاشمة لكن في الإيضاح خمس وفي الهشم حكومة قال ابن المنذر : النظر يدل على قول الحسن إذ لا سنة فيها ولا إجماع ولأنه لم ينقل فيها عن النبي A تقدير فوجبت فيها الحكومة كما دون الموضحة .
ولنا قول زيد ومثل ذلك الظاهر أنه توقيف ولأنه لم نعرف له مخالفا في عصره فكان إجماعا ولأنها شجة فوق الموضحة تختص باسم فكان فيها مقدر كالمأمومة .
فصل : والهاشمة في الرأس والوجه خاصة على ما ذكرنا في الموضحة وإن هشمه هاشمتين بينهما حاجز ففيهما عشرون من الإبل على ما ذكرنا في الموضحة من التفصيل وتستوي الهاشمة الصغيرة والكبيرة وإن شجه شجة بعضها موضحة وبعضها هاشمة وبعضها سمحاق وبعضها متلاحمة وجب أرش الهاشمة لأنه لو كان جميعها هاشمة أجزأ أرشها ولو انفرد القدر المهشوم وجب أرشها فلا ينقص ذلك بما إذا زاد من الأرش في غيرها وإن ضرب رأسه فهشم العظم ولم يوضحه لم تجب دية الهاشمة بغير خلاف لأن الأرش المقدر وجب في هاشمة يكون معها موضحة وفي الواجب فيها وجهان : .
أحدهما : فيها خمس من الإبل لأنه لو أوضح وكسر لوجبت عشر : خمس في الإيضاح وخمس في الكسر فإذا وجد الكسر دون الإيضاح وجب خمس والثاني : تجب حكومة لأنه كسر عظم لا جرح معه فأشبه كسر قصبة الأنف .
فصل : فإن أوضحه موضحتين هشم العظم في كل واحدة منهما واتصل الهشم في الباطن فهما هاشمتان لأن الهشم إنما يكون تبعا للإيضاح فإذا كانتا موضحتين كان الهشم هاشمتين بخلاف الموضحة فإنها ليست تبعا لغيرها فافترقا .
مسألة : قال : وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وهي التي توضح وتهشم وتسطو حتى تنقل عظامها .
المنقلة زائدة على الهاشمة وهي التي تكسر العظام وتزيلها عن واضعها فيحتاج إلى نقل العظ ليلتئم وفيها خمس عشرة من الإبل بإجماع من أهل العلم حكاه ابن المنذر وفي كتاب النبي A لعمرو بن حزم : [ وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل ] وفي تفصيلها ما في تفصيل الموضحة الهاشمة على ما مضى