مسألتان وفصلان وفي البطن الدية وفي ذهاب العقل .
مسألة : قال : وفي البطن إذا ضرب فلم يستمسك الغائط الدية وفي المثانة إذا لم يستمسك البول الدية .
وبهذا قال ابن جريج و أبو ثور و أبو حنيفة ولم أعلم فيه مخالفا إلا أن ابن أبي موسى ذكر في المثانة رواية أخرى فيها ثلث الدية والصحيح الأول لأن كل واحد من هذين المحلين عضو فيه منفعة كبيرة ليس في البدن مثله فوجب في تفويت منفعته دية كاملة كسائر الأعضاء المذكورة فإن نفع المثانة حبس البول وحبس البطن الغائط منفعة مثلها والنفع بهما كثير والضرر بفواتهما عظيم فكان في كل واحدة منهما الدية كالسمع والبصر وإن فاتت المنفعتان بجناية واحدة وجب على الجاني ديتان كما لو ذهب سمعه وبصره بجناية واحدة .
مسألة : قال : وفي ذهاب العقل الدية .
لا نعلم في هذا خلافا وقد روي عن عمر وزيد Bهما وإليه ذهب من بلغنا قوله من الفقهاء وفي كتاب النبي A لعمرو بن حزم : [ وفي العقل الدية ] ولأنه أكبر المعاني قدرا وأعظم الحواس نفعا فإن به يتميز من البهيمة ويعرف به حقائق المعلومات ويهتدي إلى مصالحه ويتقي ما يضره ويدخل به في التكليف وهو شرط في ثبوت الولايات وصحة التصرفات وأداء العبادات فكان بإيجاب الدية أحق من بقية الحواس فإن نقص عقله نقصا معلوما مثل أن صار يجن يوما ويفيق يوما فعليه من الدية بقدر ذلك لأن ما وجب فيه الدية وجب بعضها في بعضه بقدره كالأصابع وإن لم يعلم مثل أن صار مدهوشا أو يفزع مما لا يفزع منه ويستوحش إذا خلا فهذا لا يمكن تقديره فتجب فيه حكومة .
فصل : فإن أذهب عقله بجناية لا توجب أرشا كاللطمة والتخويف ونحو ذلك ففيه الدية لا غير وإن اذهبه بجناية توجب أرشا كالجراح أو قطع عضو وجبت الدية وأرش الجرح وبهذا قال مالك و الشافعي في الجديد وقال أبو حنيفة و الشافعي في القديم : يدخل الأقل منهما في الأكثر فإن كانت الدية أكثر من أرش الجرح وجبت وحدها وإن كان أرش الجرح أكثر كأن قطع يديه ورجليه فذهب عقله وجبت دية الجرح ودخلت دية العقل فيه لأن ذهاب العقل تختل معه منافع الأعضاء فدخل أرشها فيه كالموت .
ولنا أن هذه جناية أذهبت منفعة من غير محلها مع بقاء النفس فلم يتداخل الأرشان كما لو اوضحه فذهب بصره أو سعه ولأنه لو جنى على أذنه أو أنفه فذهب سمعه أو شمه لم يدخل أرشهما في دية الأنف والأذن مع قربهما منهما فههنا أولى وما ذكروه لا يصح لأنه لو دخل أرش الجرح في دية العقل لم يجب ارشه إذا زاد على دية العقل كما أن دية الأعضاء كلها مع القتل لا يجب بها أكثر من دية النفس ولا يصح قولهم إن منافع الأعضاء تبطل بذهاب العقل فإن المجنون تضمن منافعه وأعضاؤه بعد ذهاب عقله بما تضمن به منافع الصحيح وأعضاؤه ولو ذهبت منافعه وأعضاؤه لم تضمن كما لا تضمن منافع الميت وأعضاؤه وإذا جاز أن تضمن بالجناية عليها بعد الجناية عليه جاز ضمانها مع الجناية عليه كما لو جنى عليه فأذهب سمعه وبصره بجراحة في غير محلها .
فصل : فإن جنى عليه فأذهب عقله وسمعه وبصره وكلامه وجب أربع ديات مع أرش الجرح قال أبو قلابة : رمى رجل رجلا بحجر فذهب عقله وبصره وسمعه ولسانه فقضى فيه عمر بأربع ديات وهو حي ولأنه أذهب منافع في كل واحدة منها دية فوجب عليه دياتها كما لو أذهبها بجنايات فإن مات من الجناية لم يجب إلا دية واحدة لأن ديات المنافع كلها تدخل في دية النفس كديات الأعضاء