مسألة وفصول جناية الأسنان والأضراس وفروع الدية فيها وفي اللحيين .
مسألة : قال : وفي كل سن خمس من الإبل إذا قلعت ممن قد أثغر والأضراس والأنياب كالأسنان .
لا نعلم بين أهل العلم خلافا في أن دية الأسنان خمس خمس في كل سن وقد روي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس ومعاوية و سعيد بن المسيب و عروة و عطاء و طاوس و الزهري و قتادة و مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبي حنيفة و محمد بن الحسن وفي كتاب عمرو بن حزم عن النبي A : [ في السن خمس من الإبل ] رواه النسائي وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي A قال : [ في الإسنان خمس خمس ] رواه أبو داود فأما الأضراس والأنياب فأكثر أهل العلم على أنها مثل الأسنان ومنهم عروة و طاوس و قتادة و الزهري و مالك و الثوري و الشافعي و إسحاق و أبو حنيفة ومحمد بن الحسن وروي ذلك عن ابن عباس ومعاوية وروي عن عمر Bه أنه قضى في الأضراس ببعير بعير وعن سعيد بن المسيب أنه قال : لو كنت أنا لجعلت في الأضراس بعيرين بعيرين فتلك الدية سواء وروى ذلك مالك في موطئه وعن عطاء نحوه وحكي عن أحمد رواية في جميع الأسنان والأضراس الدية فيتعين حمل هذه الرواية على مثل قول سعيد للإجماع على أن في كل سن خمسا من الإبل وورد الحديث به فيكون في الأسنان ستون بعيرا لأن فيه اثني عشر سنا أربع ثنايا وأربع رباعيات وأربعة أنياب فيها خمس خمس وفيه عشرون ضرسا في كل جانب عشرة خمسة من فوق وخمسة من أسفل فيكون فيها أربعون بعيرا في كل ضرس بعيران فتكمل الدية وحجة من قال هذا أنه ذو عدد يجب فيه الدية فلم تزد ديته على دية الإنسان كالأصابع والأجفان وسائر ما في البدن ولأنها تشتمل على منفعة جنس فلم تزد ديتها على الدية كسائر منافع الجنس ولأن الأضراس تختص بالمنفعة دون الجمال والأسنان فيها منفعة وجمال فاختلفا في الأرش .
ولنا ما روى أبو داود بإسناده عن ابن عباس أن النبي A قال : [ الأصابع سواء والأسنان سواء الثنية والضرس سواء هذه وهذه سواء ] وهذا نص وقوله في الأحاديث المتقدمة : [ في الأسنان خمس خمس ] ولم يفصل يدخل في عمومها الأضراس لأنها أسنان ولأن كل دية وجبت في جملة كانت مقسومة على العدد دون المنافع كالأصابع والأجفان والشفتين وقد أومأ ابن عباس إلى هذا فقال : لا اعتبرها بالأصابع فأما ما ذكروه من المعنى فلا بد من مخالفة القياس فيه فمن ذهب إلى قولنا خالف المعنى الذي ذكروه ومن ذهب إلى قولهم خالف التسوية الثابتة بقياس سائر الأعضاء من جنس واحد فكان ما ذكرناه مع موافقة الأخبار وقول أكثر أهل العلم أولى وأما على قول عمر إن في كل ضرس بعيرا فيخالف القياسين جميعا والأخبار فإنه لا يوجب الدية الكاملة وإنما يوجب ثمانين بعيرا ويخالف بين الأعضاء المتجانسة وإنما يجب هذا الضمان في سن من قد ثغر وهو الذي أبدل أسنانه وبلغ حدا إذا قلعت سنة لم يعد بدلها يقال ثغر وأثغر إذا كان كذلك فأما سن الصبي الذي لم يثغر فلا يجب بقلعها في الحال شيء وهذا قول مالك و الشافعي واصحاب الرأي ولا أعلم فيه خلافا وذلك لأن العادة عود سنة فلم يجب فيها في الحال شيء كنتف شعره لكن ينتظر عودها فإن مضت مدة ييأس من عودها وجبت ديتها قال أحمد : يتوقف سنة لأنه الغالب في نباتها .
وقال القاضي : إذا سقطت أخواتها ولم تعد هي أخذت الدية وإن نبت مكانها أخرى لم تجب ديتها كما لو نتف شعره فعاد مثله لكن إن عادت قصيرة أو مشوهة ففيها حكومة لأن الظاهر أن ذلك سبب الجناية عليها فإن أمكن تقدير نقصها عن نظيرتها ففيها من ديتها بقدر ما نقص وكذلك إن كانت فيها ثلمة أمكن تقديرها ففيها بقدر ما ذهب منها كما لو كسر من سنه ذلك القدر وإن نبتت أكبر من أخواتها ففيها حكومة لأن ذلك عيب وقيل فيها وجه آخر : لا شيء فيها لأن هذا زيادة والصحيح الأول لأن ذلك شين حصل بسبب الجناية فأشبه نقصها وإن نبتت مائلة عن صف الأسنان بحيث لا ينتفع بها ففيها ديتها لأن ذلك كذهابها وإن كانت ينتفع بها ففيها حكومة للشين الحاصل بها ونقص نفعها وإن نبتت صفراء أو حمراء أو متغيرة ففيها حكومة لنقص جمالها وإن نبتت سوادء أو خضراء ففيها روايتان حكاهما القاضي .
إحداهما : فيها ديتها والثانية : فيها حكومة كما لو سودها من غير قلعها وإن مات الصبي قبل اليأس من عود سنة ففيه وجهان .
أحدهما : لا شيء له لأن الظاهر أنه لو عاش لعادت فلم يجب فيها شيء كما لو نتف شعره .
والثاني : فيها الدية لأنه قلع سنا وأيس من عودها فوجبت ديتها كما لو مضى زمن تعود في مثله فلم تعد وإن قلع سن من قد ثغر وجبت ديتها في الحال لأن الظاهر أنها لا تعود فإن عادت لم تجب الدية وإن كان قد أخذها ردها وبهذا قال أصحاب الرأي وقال مالك : لا يرد شيئا لأن العادة أنها لا تعود فمتى عادت كانت هبة من الله تعالى مجددة فلا يسقط بذلك ما وجب له بلقع سنه وعن الشافعي كالمذهبين .
ولنا أنه عاد له في مكانها مثل التي قلعت فلم يجب له شيء كالذي لم يثغر وإن عادت ناقصة أو مشبوهة فحكمها حكم سن الصغير إذا عادت على ما ذكرنا ولو قلع سن من لم يثغر فمضت مدة ييأس من عودها وحكم بوجوب الدية فعادت بعد ذلك سقطت الدية وردت إن كانت أخذت كسن الكبير إذا عادت .
فصل : وتجب دية السن فيما ظهر منها من اللثة لأن ذلك هو المسمى سنا وما في اللثة يسمى سنخا فإذا كسر السن ثم جاء آخر فقلع السنخ ففي السن ديتها وفي السنخ حكومة كما لو قطع إنسان أصابع رجل ثم قطع آخر كفه وإن قلعها الآخر بسنخها لم يجب فيها أكثر من ديتها كما لو قطع اليد من كوعها وإن فعل ذلك في مرتين فكسر السن ثم عاد فقطع السنخ فعليه ديتها وحكومة لأن ديتها وجبت بالأول ثم وجبت بالأول ثم وجب عليه بالثاني حكومة كما لو فعله غيره وكذلك لو قطع الأصابع ثم قطع الكف وإن كسر بعض الظاهر ففيه من دية السن بقدره وإن كان ذهب النصف وجب نصف الأرش وإن كان الذاهب الثلث وجب الثلث وإن جاء آخر فكسر بقيتها فعليه بقية الأرش فإن قلع الثاني بقيتها بسنخها نظرنا فإن كان الأول كسرها عرضا فليس على الثاني للسنخ شيء لأنه تابع لما قلعه من ظاهر السن فصار كما لو قطع الأول من كل أصبع من أصابعه أنملة ثم قطع الثاني يده من الكوع وإن كان الأول كسر نصف السن طولا دون سنخه فجاء الثاني فقطع الباقي بالسنخ كله فعليه دية النصف الباقي وحكومة لنصف السنخ الذي بقي لما كسره الأول كما لو قطع الأول أصبعين من يد ثم جاء الثاني فقطع الكف كله فإن اختلف الثاني والمجني عليه فيما قلعه الأول فالقول قول المجني عليه لأن الأصل سلامة السن وإن انكشفت اللثة عن بعض السن فالدية في قدر الظاهر عادة من دون ما انكشف على خلاف العادة وإن اختلفا في قدر الظاهر اعتبر ذلك بأخواتها فإن لم يكن لها شيء يعتبر به ولم يمكن أن يعرف ذلك أهل الخبرة فالقول قول الجاني لأن الأصل براءة ذمته .
فصل : وإن قلع سنا مضطربة لكبر أو مرض وكانت منافعها باقية من المضغ وضغط الطعام والريق وجبت ديتها وكذلك إن ذهب بعض منافعها وبقي بعضها لأن جمالها وبعض منافعها باق فكمل ديتها كاليد المريضة ويد الكبير وإن ذهبت منافعها كلها فهي كاليد الشلاء على ما سنذكره إن شاء الله تعالى وإن قلع سنا فيها داء أو آكلة فإن لم يذهب شيء من أجزائها وجب فيها دية السن الصحيحة لأنها كاليد المريضة وإن سقط من أجزائها شيء سقط من ديتها بقدر الذاهب منها ووجب الباقي وإن كان إحدى ثنيتيه قصيرة نقص من ديتها بقدر نقصها كما لو نقصت بكسرها .
فصل : فإن جنى على سنه جان فاضطربت وطالت على الأسنان وقيل إنها تعود إلى مدة ما كانت عليه انتظرت إليها فإن كان فإن ذهبت وسقطت وجبت ديتها وإن عادت كما كانت فلا شيء فيها كما لو جنى على يده فمرضت ثم برأت وإن بقي فيها اضطراب ففيها حكومة وإن قلعها قالع فعليه ديتها كاملة كما ذكرنا في الفصل الذي قبله وعلى الأول حكومة لجنايته وإن مضت المدة ولم تعد إلى ما كانت عليه ففيها حكومة وإن قلعها قالع فعليه ديتها كما ذكرنا وإن قالوا : يرجى عودها من غير تقدير مدة وجبت الحكومة فيها لئلا يفضي إلى إهدار الجناية فإن عادت سقطت الحكومة لما ذكرنا في غيرها .
فصل : فإن قلع قالع سنه فردها صاحبها فنبتت في موضعها لم تجب ديتها نص عليه أحمد في رواية جعفر بن محمد وهذا قول أبي بكر وعلى قول القاضي تجب ديتها وهو مذهب الشافعي وقد ذكرنا توجيههما فيما إذا قطع أنفه فرده فالتحم فعلى قول أبي بكر يجب فيها حكومة لنقصها إن نقصت أو ضعفها إن ضعفت وإن قلعها قالع بعد ذلك وجبت ديتها لأنها سن ذات جمال ومنفعة فوجبت ديتها كما لو لم تنقطع وعلى قول القاضي ينبني حكمها على وجوب قلعها فإن قلنا يجب قلعها فلا شيء على قالعها لأنه قد أحسن بقلعه ما يجب قلعه وإن قلنا لا يجب قلعها احتمل أن يؤخذ بديتها لما ذكرنا واحتمل أن لا يؤخذ بديتها لأنه قد وجبت له ديتها مرة فلا تجب ثانية ولكن فيها حكومة فأما إن جعل مكانها سنا أخرى أو سن حيوان أو عظما فنبتت وجب ديتها وجها واحدا لأن سنه ذهبت بالكلية فوجبت ديتها كما لو لم يجعل مكانها شيئا وإن قلعت هذه الثانية لم تجب ديتها لأنها ليست سنا له ولا هي من بدنه ولكن يجب فيها حكومة لأنها جناية أزالت جماله ومنفعته فأشبه ما لو خاط جرحه بخيط فالتحم فقلع أسنان الخيط فانفتح الجرح وزال التحامه ويحتمل أن لا يجب شيء لأنه أزال ما ليس من بدنه أشبه ما لو قلع الأنف الذهب الذي جعله المجدوع مكان أنفه .
فصل : وإن جنى على سنه فسودها فحكي عن أحمد C في ذلك روايتان : إحداهما : تجب ديتها كاملة وهو ظاهر كلام الخرقي ويروى هذا عن زيد بن ثابت وبه قال سعيد بن المسيب و الحسن و ابن سيرين و شريح و الزهري وعبد الملك بن مروان و النخعي و مالك و الليث وعبد العزيز بن أبي سلمة و الثوري وأصحاب الرأي وهو أحد قولي الشافعي .
والرواية الثانية : عن أحمد أنه إن أذهب منفعتها من المضغ عليها ونحوه ففيها ديتها وإن لم يذهب نفعها ففيها حكومة وهذا قول القاضي والقول الثاني لـ لشافعي وهو المختار عند أصحابه لأنه لم يذهب بمنفعتها فلم تكمل ديتها كما لو اصفرت .
ولنا أنه قول زيد بن ثابت ولم يعرف له مخالف في الصحابة فكان إجماعا ولأنه أذهب الجمال على الكمال فكملت ديتها كما لو قطع أذن الأصم وأنف الأخشم فأما إن اصفرت أو احمرت لم تكمل ديتها لأنه لم يذهب الجمال على الكمال وفيها حكومة وإن اخضرت احتمل أن يكون كتسويدها لأنه يذهب بجمالها واحتمل أن لا يجب فيها إلا حكومة وإن اخضرت احتمل أن يكون كتسويدها لأنه يذهب بجمالها واحتمل أن لا يجب فيها إلا حكومة لأن ذهاب جمالها بتسويدها أكثر فلم يلحق به غيره كما لو حمرها فعلى قول من أوجب ديتها متى قلعت بعد تسويدها ففيها ثلث ديتها أو حكومة على ما سنذكره فيما بعد وعلى قول من لم يوجب فيها إلا حكومة يجب في قلعها ديتها كما لو صفرها .
فصل : وإن جنى على سنه فذهبت حدتها وكلت في ذلك حكومة وعلى قالعها بعد ذلك دية كاملة لأنها سن صحيحة كاملة فكملت ديتها كالمضطربة وإن ذهب منها جزء ففي الذاهب بقدره وإن قلعها قالع نقص من ديتها بقدر ما ذهب كما لو كسر منها جزء .
فصل : وفي اللحيين الدية وهما العظمان اللذن فيهما الأسنان السفلى لأن فيها نفعا أو جمالا وليس في البدن مثلهما فكانت فيهما الدية كسائر ما منه شيئان وفي أحدهما نصفها كالواحد مما في البدن منه شيئان وإن قلعهما بما عليهما من الأسنان وجبت عليه ديتهما ودية الأسنان ولم تدخل دية الأسنان في ديتهما كما تدخل دية الأصابع في دية الوجه لوجوه ثلاثة : .
أحدها : أن الأسنان مغروزة في اللحيين غير متصلة بهما بخلاف الأصابع والثاني : أن كل واحد من اللحيين والأسنان ينفرد باسمه ولا يدخل أحدهما في اسم الآخر بخلاف الأصابع والكف فإن اسم اليد يشملهما والثالث : أن اللحيين توجدان قبل وجود الأسنان في الخلقة وتبقيان بعد ذهابها في حق الكبير ومن تقلعت أسنانه عادة بخلاف الأصابع والكف