مسألة وفصول : حكم وطىء الحائض .
مسألة : قال : ويستمتع من الحائض بما دون الفرج .
وجلمته أن الاستمتاع من الحائض فيما فوق السرة ودون الركبة جائز بالنص والاجماع والوطء في الفرج محرم بهما واختلف في الاستمتاع بما بينهما فذهب أحمد C إلى إباحته وروي ذلك عن عكرمة و عطاء و الشعبي و الثوري و إسحاق ونحوه قال الحكم فانه لا بأس أن تضع على فرجها ثوبا ما لم يدخله وقال أبو حنيفة و مالك و الشافعي : لا يباع لما [ روي عن عائشة قالت : كان رسول الله A يأمرني فأتزر فيباشرني وأنا حائض ] رواه البخاري و [ عن عمر قال : سألت رسول الله A عما يحل للرجل من امرأته وهي حائض فقال : فوق الأزار ] .
ولنا قول الله تعالى : { فاعتزلوا النساء في المحيض } والمحيض اسم لمكان الحيض كالمقيل والمبيت فتخصيصه موضع الدم بالاعتزال دليل على اباحته فيما عداه فان قيل : بل المحيض مصدر حاضت المرأة حيضا بدليل قوله تعالى في أول الآية : { ويسألونك عن المحيض قل هو أذى } والأذى هو الحيض المسؤول عنه وقال تعالى : { واللائي يئسن من المحيض } قلنا : اللفظ يحتمل المعنييين وارادة مكان الدم أرجع أرجع بدليل أمرين أحدهما أنه لو أراد الحيض لكان أمرا باعتزال النساء في مدة الحيض بالكلية والاجماع بخلافه والثاني أن سبب نزول الآية أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة اعتزلوها فلم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيت : فسأل أصحاب النبي A فنزلت هذه الآية ف [ قال النبي A : اصنعوا كل شيء غير النكاح ] رواه مسلم في صحيحه وهذا تفسير لمراد الله تعالى ولا تتحقق مخالفة اليهود بحملها على إرادة الحيض لأنه يكون موافقا لهم ومن السنة [ قوله عليه السلام : اصنعوا كل شيء غير النكاح ] و [ روي عنه عليه السلام أنه قال : اجتنب منها شعار الدم ] ولأنه منع الوطء لأجل الأذى فاختص مكانه كالدبر وما رووه عن عائشه دليل على حل ما فوق الأزار لا على تحريم غيره وقد يترك النبي A بعض المباح تقديرا كتركه أكل الضب والأرنب وقد روى عكرمة عن بعض أزواج النبي A أن النبي A كان إذا أراد من الحائض شئيا ألقى على فرجها ثوبا ثم ما ذكرناه منطوق وهو أولى من المفهوم .
فصل : فان وطىء الحائض في الفرج أثم ويستغفر الله تعالى وفي الكفارة روايتان إحداهما يجب عليه كفارة لما روى أبو داود و النسائي باسنادهما [ عن ابن عباس أن النبي A قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض : يتصدق بدينار أو بنصف دينار ] والثانية لا كفارة عليه وبه قال مالك و أبو حنيفة : وأكثر اهل العلم ل [ قول النبي A : من أتى كاهنا فصدقه بما قال أو أتى امرأته في دبرها أو أتى حائضا فقد كفر بما أنزل على محمد A ] رواه ابن ماجة ولم يذكر كفارة ولأنه نهي عنه لأجل الأذى فأشبه الوطء في الدبر ول الشافعي قولان كالروايتين وحديث الكفارة مداره على عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب وقد قيل ل أحمد : في نفسك منه شيء ؟ قال : نعن لأنه من حديث فلان أظنه قال عبد الحميد وقال : لو صح ذلك الحديث عن النبي A كنا نرى عليه الكفارة وقال في موضع ليس به بأس قد روى الناس عنه فاختلاف الرواية في الكفارة مبني على اختلاف قول أحمد في الحديث وقد روي عن أحمد أنه قال : أن كانت له مقدرة تضدق بما جاء عن النبي A قال أبو عبد الله بن حامد : كفارة وطء الحائض تسقط بالعجز عنها أو عن بعضها ككفارة الوطء في رمضان .
فصل : وفي قدر الكفارة روايتان إحداهما أنها دينار أو نصف دينار على سبيل التخيير أيهما أخرج أجزأه روي ذلك عن ابن عباس والثانية أن الدم أن كان أحمر فهي دينار وإن كان أصفر فنصف دينار وهو قول إسحاق وقال النخعي : إن كان في فور الدم فدينار وإن كان في آخره فنصف دينار لما [ روى ابن عباس عن النبي A أنه قال : إن كان دما أحمر فدينار وإن كان دما أصفر فنصف دينار ] رواه الترمذي والأول أصح قال أبو دواد : الرواية الصحيحة يتصدق بدينار أو بنصف دينار ولأنه حكم تعلق بالحيض فلم يفرق بين أوله وآخره كسائر أحكامه فان قيل فكيف تخير بين شيء ونصفه ؟ قلنا : كما تخير المسافر بين قصر الصلاة وأتمامها فأيهما فعل كان واجبا كذا ههنا .
فصل : وأن وطىء بعد طهرها وقبل غسلها فلا كفارة عليه وقال قتادة و الأوزاعي : عليه نصف دينار ولو وطىء في حال جريان الدم لزمه دينار لأنه حكم تعلق بالوطء في الحيض فثبت قبل الغسل كالتحريم .
ولنا : أن وجوب الكفارة بالشرع وإنما ورد بها الخبر في الحائض وغيرها ولا يساويها لأن الأذى المانع من وطئها قد زال بانقطاع الدم وما ذكروه يبطل بما لو حلف لا يطأ حائضا فان الكفارة تجب بالوطء في الحيض ولا تجب في غيره .
فصل : وهل تجب الكفارة على الجاهل والناسي ؟ على وجهين أحدهما تجب لعموم الخبر ولأنها كفارة تجب بالوطء أشبهت كفارة الوطء في الصوم والاحرام والثاني لا تجب ل [ قوله عليه السلام : عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان ] ولأنها تجب لمحو المأثم فلا تجب مع النسيان ككفارة اليمين فعلى هذه لو وطىء طاهرا فحاضت في اثناء وطئه لا كفارة عليه وعلى الرواية الأولى عليه كفارة وهو قول ابن حامد قال : ولو وطىء الصبي لزمته الكفارة لعموم الخبر وقياسا على كفارة الاحرام ن ويحتمل أن لا يلزمه كفارة لأن أحكام التكليف لا تثبت في حقه وهذا من فروعها فلا تثبت .
فصل : وهل تلزم المرأة كفارة ؟ المنصوص أن عليها الكفارة قال أحمد في امرأة غرت زوجها أن عليه الكفارة وعليها وذلك لأنه وطء يوجب الكفارة فأوجبها على المرأة المطاوعة ككفارة الوطء في الاحرام وقال القاضي : في وجوبها على المرأة وجهان أحدهما لا يجب لأن الشرع لم يرد بأيجابها عليها وإنما يتلقى الوجوب من الشرع وإن كانت مكرهة أو غير عالمة فلا كفارة عليها ل [ قوله عليه السلام : عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ] .
فصل : والنفساء كالحائض في هذا لأنها تساويها في سائر أحكامها ويجزىء نصف دينار من أي ذهب كان إذا كان صافيا من الغش ويستوي تره ومضروبه لوقوع الاسم عليه وهل يجوز اخراج قيمته ؟ فيه وجهان أحدهما يجوز لأن المقصود يحصل باخراج هذه المقدار من المال على أي صفة كان من المال فجاز بأي مال كان كالخراج والجزية والثاني لا يجوز لأنه كفارة فاختص ببعض أنواع المال كسائر الكفارات فعلى هذا الوجه هل يجوز اخراج الدراهم مكان الدينار ؟ فيه وجهان بناء على اخراجها عنه في الزكاة والصحيح جوازه لما ذكرنا ولأنه حق يجزىء فيه أحد الثمنين فأجزأ فيه الآخر كسائر الحقوق ومصرف هذه الكفارة إلى مصرف سائر الكفارات لكونها كفارة ولأن المساكين مصرف حقوق الله تعالى وهذا منها