مسألة حكم الدية إن لم تحملها العاقلة ولم تؤد من بيت المال .
الفصل الثاني : إذا لم يمكن الأخذ من بيت المال فليس على القاتل شيء وهذا أحدقولي الشافعي لأن الدية لزمت العاقلة ابتداء بدليل أنه لا يطالب بها غيرهم ولا يعتبر تحملهم ولا رضاهم بها ولا تجب على غير من وجبت عليه كما لو عدم القاتل فإن الدية لا تجب على أحد كذا ههنا فعلى هذا إن وجد بعض العاقلة حملوا بقسطهم وسقط الباقي فلا يجب على أحد ويتخرج أن تجب الدية على القاتل إذا تعذر حملها عنه وهذا القول الثاني لـ لشافعي لعموم قوله : { ودية مسلمة إلى أهله } ولأن قضية الدليل وجوبها على الجاني جبرا للمحل الذي فوته وإنما سقط عن القاتل لقيام العاقلة مقامه في جبر المحل فإذا لم يؤخذ ذلك بقي واجبا عليه بمقتضى الدليل ولأن الأمر دائر بين أن يطل دم المقتول وبين إيجاب ديته على المتلف لا يجوز الأول لأن فيه مخالفة الكتاب والسنة وقياس أصول الشريعة فتعين الثاني ولأن إهدار الدم المضمون لا نظير له وإيجاب الدية على قتل الخطأ له نظائر فإن المرتد لما لم يكن له عاقلة تجب الدية في ماله والذمي الذي لا عاقلة له تلزمه الدية ومن رمى سهما ثم أسلم أو كان مسلما فارتد أو كان عليه الولاء لموالي أمه فانجر إلى موالي أبيه ثم أصاب بسهم إنسانا فقتله كانت الدية في ماله لتعذر حمل عاقلته عقله كذلك ههنا فنحرر منه قيسا فنقول : قتيل معصوم في دار الإسلام تعذر حمل عاقلته عقله فوجب على قالته كهذه الصورة وهذا أولى من إهدار دماء الأحرار في أغلب الأحوال فإنه لا يكاد يوجد عاقلة تحمل الدية كلها ولا سبيل إلى الأخذ من بيت المال فتضيع الدماء ويفوت حكم إيجاب الدية وقولهم إن الدية تجب على العاقلة ابتداء ممنوع وإنما تجب على القاتل ثم تحملها العاقلة عنه وإن سلمنا وجوبها عليهم ابتداء لكن مع وجودهم أما مع عدمهم فلا يمكن القول بوجوبها عليهم ثم ما ذكروه منقوص بما أبديناه من الصور فعلى هذا تجب الدية على القاتل إن تعذر حمل جميعها أو باقيها إن حملت العاقلة بعضها والله أعلم