مسألة وفصول تعلق أرش جناية العبد برقبته وأخذ الجاني بجنايات بعضها بعد بعض .
مسألة : قال : وإذا جنى العبد فعلى سيده أن يفديه أو يسلمه فإن كانت الجناية أكثر من قيمته لم يكن على سيده أكثر من قيمته .
هذا في الجناية التي تودى بالمال إما لكونها لا توجب إلا المال وإما لكونها موجبة للقصاص فعفا عنها إلى المال فإن جناية العبد تتعلق برقبته إذ لا يخلو من أن تتعلق برقبته أو ذمته سيده أو لا يجب شيء ولا يمكن إلغاؤها لأنها جناية آدمي فيجب اعتبارها كجناية الحر ولأن جناية الصغير والمجنون غير ملغاة مع عذره وعدم تكليفه فجناية العبد أولى ولا يمكن تعلقها بذمته لأنه يفضي إلى إلغائها أو تأخير حق المجني عليه إلى غير غاية ولا بذمة السيد لأنه لم يجن فتعين تعلقها برقبة العبد ولأن الضمان موجب جنايته فتتعلق برقبته كالقصاص ثم لا يخلو أرش الجناية من أن يكون بقدر قيمته فما دون أو أكثر فإن كان بقدرها فما دون فالسيد مخير بين أن يفديه بأرش جنايته أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه وبهذا قال الثوري ومحمد بن الحسن و إسحاق وروي ذلك عن الشعبي و عطاء و عروة و الحسن و الزهري و حماد لأنه إن دفع أرش الجناية فهو الذي وجب للمجني عليه فلم يملك المطالبة بأكثر منه وإن سلم العبد فقد أدى المحل الذي تعلق الحق به ولأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة وقد أداها وإن طالب المجني عليه بتسليمه إليه وأبى ذلك سيده لم يجبر عليه لما ذكرنا وإن دفع السيد عبده فأبى الجاني قبوله وقال بعه وادفع إلي ثمنه فهل يلزم السيد ذلك ؟ على روايتين وأما إن كانت الجناية أكثرمن قيمته ففيه روايتان : إحداهما : أن سيده يخير بين أن يفديه أو أرش جنايته وبين أن يسلمه لأنه إذا أدى قيمته فقد أدى قدر الواجب عليه فإن حق المجني عليه لا يزيد على العبد فلم يلزمه أكثر من ذلك كما لو كانت الجناية بقدر قيمته .
والرواية الثانية : يلزمه تسليمه إلا أن يفديه بأرش جنايته بالغة ما بلغت وهذا قول مالك لأنه ربما إذا عرض للبيع رغب فيه راغب بأكثر من قيمته فإذا أمسكه فقد فوت تلك الزيادة على المجني عليه ولـ لشافعي قولان كالروايتين ووجه الرواية الأولى أن الشرع قد جعل له فداءه فكان له فداؤه وكان الواجب قدر قيمته كسائر المتلفات .
فصل : فإن كانت الجناية موجبة للقصاص فعفا ولي الجناية على أن يملك العبد لم يملكه بذلك لأنه إذا لم يملكه بالجناية فلأن لا يملكه بالعفو أولى ولأنه أحد من عليه القصاص فلا يملكه بالعفو كالحر ولأنه إذا عفا عن القصاص انتقل حقه إلى المال فصار كالجاني جناية موجبة للمال وفيه رواية أخرى أنه يملكه لأنه مملوك استحق إتلافه فاستحق إبقاءه على ملكه كعبده الجاني عليه .
فصل : قال أبو طالب : سمعت أبا عبد الله يقول : إذا أمر غلامه فجنى فعليه ما جنى وإن كان أكثر من ثمنه إن قطع يد حر فعليه دية يد الحر وإن كان ثمنه أقل وإن أمره سيده أن يخرج رجلا فما جنى فعليه قيمة جنايته وإن كانت أكثر من ثمنه لأنه بأمره وكان علي وأبو هريرة يقولان : إذا أمر عبده أن يقتل فإنما هو سوطه ويقتل المولى ويحبس العبد وقال أحمد : حدثنا بهز حدثنا حماد بن سلمة حدثنا قتادة عن خلاس أن عليا قال : إذا أمر الرجل عبده فقتل إنما هو كسوطه أو كسيفه يقتل المولى والعبد يستودع السجن ولأنه فوت شيئا بأمره فكان على السيد ضمانه كما لو استدان بأمره .
فصل : فإن جنى جنايات بعضها بعد بعض فالجاني بين أولياء الجنايات بالحصص وبهذا قال الحسن و حماد و ربيعة وأصحاب الرأي و الشافعي وروي عن شريح أنه قال : يقضى به لآخرهم وبه قال الشعبي و قتادة لأنها جناية وردت على محل مستحق فقدم صاحبها على المستحق قبله كالجناية على المملوك الذي لم يجن وقال شريح في عبد شج رجلا ثم آخر فقال شريح : يدفع إلى الأول إلا أن يفديه مولاه ثم يدفع إلى الثاني ثم يدفع إلى الثالث إلا أن يفديه الأوسط .
ولنا أنهم تساووا في سبب تعلق الحق به فتساووا في الأستحقاق كما لو جنى عليهم دفعة واحدة بل لو قدم بعضهم كان الأول أولى لأن حقه أسبق ولا يصح القياس على الملك فإن حق المجني عليه أقوى بدليل أنهما لو وجدا دفعة قدم حق المجني عليه ولأن حق المجني عليه ثبت بغير رضا صاحبه عوضا وحق المالك ثبت برضاه أو بغير عوض فافترقا .
فصل : إن أعتق السيد عبده الجاني عتق وضمن ما تعلق به من الأرش لأنه أتلف محل الجناية على من تعلق حقه به فلزمه غرامته كما لو قتله وينبني قدر الضمان على الروايتين فيما إذا اختار إمساكه بعد الجناية لأنه امتنع من تسليمه بإعتاقه فهو بمنزلة امتناعه من تسليمه باختيار فدائه ونقل ابن منصور عن أحمد أنه إن أعتقه عالما بجنايته فعليه الدية يعني دية المقتول وإن لم يكن عالما بجنايته فعليه قيمة العبد وذلك لأنه إذا أعتقه مع العلم كان مختارا لفدائه بخلاف ما إذا لم تعلم فإنه لم يختر الفداء لعدم علمه به فلم يلزمه أكثر من قيمة ما فوته .
فصل : فإن باعه ووهبه صح بيعه لما ذكرنا في البيع ولم يزل تعلق الجناية عن رقبته فإن كان المشتري عالما بحاله فلا خيار له لأنه دخل على بصيرة وينتقل الخيار في فدائه وتسليمه إليه كالسيد الأول وإن لم يعلم فله الخيار بين إمساكه ورده كسائر المعيبات