مسألة وفصلان إذا اشترك جماعة في القتل .
مسألة : قال : وإذا اشترك الجماعة في القتل فأحب الأولياء أن يقتلوا الجميع فلهم ذلك وإن أحبوا أن يقتلوا البعض ويعفوا عن البعض ويأخذون الدية من الباقين فلهم ذلك .
أما قتلهم للجميع فقد ذكرناه فيما مضى وأما إن أحبوا قتل البعض فلهم ذلك لأن كل من لهم قتله فلهم العفو عنه كالمنفرد ولا يسقط القصاص عن البعض بعفو البعض لأنهما شخصان فلا يسقط القصاص عن أحدهما بإسقاطه عن الآخر كما لو قتل كل واحد رجلا وأما إذا اختاروا أخذ الدية من القاتل أو من بعض القتلة فإن لهم هذا من غير رضا الجاني وبهذا قال سعيد بن المسيب و ابن سيرين و الشافعي و عطاء و مجاهد و إسحاق و أبو ثور و ابن المنذر وقال النخعي و مالك و ابو حنيفة : ليس للأولياء إلا القتل إلا أن يصطلحا على الدية برضا الجاني وعن مالك رواية أخرى كقولنا واحتجوا بقوله تعالى : { كتب عليكم القصاص } والمكتوب لا يتخير فيه ولأنه متلف يجب به البدل فكان بدله معينا كسائر أبدال المتلفات .
ولنا قول الله تعالى : { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } قال ابن عباس : كان في بني إسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فأنزل الله تعالى هذه الآية : { كتب عليكم القصاص في القتلى } الآية : { فمن عفي له من أخيه شيء } فالعفو أن تقبل في العمد الدية : { فاتباع بالمعروف } يتبع الطالب بالمعروف ويؤدي إليه المغلوب : { بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } مما كتب على من قبلكم رواه البخاري .
وروى أبو هريرة قال : [ قام رسول الله A فقال : من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يودى وإما يقاد ] متفق عليه .
وروى أبو شريح أن النبي A قال : [ ثم أنتم يا خزاعة قد قلتم هذا القتيل وأنا والله عاقلة فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا الدية ] رواه أبو داود وغيره ولأن القتل المضمون إذا سقط فيه القصاص من غير إبراء ثبت المال كما لو عفا بعض الورثة ويخالف سائر المتلفات لأن بدلها يجب من جنسها وههنا يجب في الخطأ وعمد الخطأ من غير الجنس فإذا رضي في العمد ببدل الخطأ كان له ذلك لأنه أسقط بعض حقه ولأن القاتل أمكنه إحياء نفسه ببذل الدية فلزمه وينتقض ما ذكروه بما إذا كان رأس الشاج أصغر أو يد القاطع أنقص فإنهم سلموا فيهما .
فصل : واختلفت الرواية في موجب العمد فروي عن أحمد C أن موجبه القصاص عينا لقوله عليه السلام : [ من قتل عمدا فهو قود ] ولما ذكروه في دليلهم وروي أن موجبه أحد شيئين القصاص أو الدية لما ذكرناه قبل هذا ولأن الدية أحد بدلي النفس فكانت بدلا عنها لا عن بدلها كالقصاص وأما الخبر فالمراد به وجوب القود ونحن نقول به ويحالف القتل سائر المتلفات لأن بدلها لا يختلف بالقصد وعدمه والقتل بخلافه ولـ لشافعي قولان كالراويتين فإذا قلنا موجبه القصاص عينا فله العفو إلى الدية والعفو مطلقا فإذا عفا مطلقا لم يجب شيء وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم : تجب الدية لئلا يطل الدم وليس بشيء لأنه لو عفا عن يجب شيء وهذا ظاهر مذهب الشافعي وقال بعضهم : تجب الدية لئلا يطل الدم وليس بشيء لأنه لو عفا عن الدية بعد وجوبها صح عفوه وإن عفا عن القصاص بغير مال لم يجب شيء فأما إن عفا عن الدية لم يصح عفوه لأنها لم تجب وإن قلنا الواجب أحد شيئين لا بعينه فعفا عن القصاص مطلقا أو إلى الدية وجبت الدية لأن الواجب غير معين فإذا ترك أحدهما وجب الآخر وإن اختار الدية سقط القصاص وإن اختار القصاص تعين وهل له بعد ذلك العفو على الدية ؟ قال القاضي : له ذلك لأن القصاص أعلى فكان له الانتقال إلى الأدنى ويكون بدلا عن القصاص وليست التي وجبت بالقتل كما قلنا في الرواية الأولى أن الواجب القصاص عينا وله العفو إلى الدية ويحتمل أنه ليس له ذلك لأنه أسقطها باختياره القود فلم يعد إليها .
فصل : وإذا جنى عبد على حر جناية موجبة للقصاص فاشتراه المجني عليه بأرش الجناية سقط القصاص لأن عدوله إلى الشراء اختيار للمال ولا يصح الشراء لأنهما إن لم يعرفا قدر الأرش فالثمن مجهول وإن عرفا عدد الإبل وأسنانها فصفتها مجهولة والجهل بالصفة كالجهل بالذات في فساد البيع ولذلك لو باعه شيئا بجمل جذع غير معروف الصفة لم يصح وإن قدر الأرش بذهب أو فضة وباعه به صح