مسألة وفصول أخذ العضو الصحيح بالأشل والشلاء بالشلاء والناقصة بالناقصة وذات الأصبع الزائد .
مسألة : قال : وإذا كان القاطع سالم الطرف والمقطوعة شلاء فلا قود .
لا نعلم أحدا من أهل العلم قال بوجوب ثطع يد أو رجل أو لسان صحيح بأشل إلا ما حكي عن داود أنه أوجب ذلك لأن كل واحد منهما مسمى باسم صاحبه فيؤخذ به كالأذنين .
ولنا أن الشلاء لا نفع فيها سوى الجمال فلا يؤخذ بها فيه نفع كالصحيحة لا تؤخذ بالقائمة وما ذكر له قياس وهو لا يقول بالقياس وإذا لم نوجب القصاص في العينين مع قول الله تعالى : { العين بالعين } لأجل تفاوتهما في الصحة والعمى فلأن لا يجب ذلك فيما لا نص فيه أولى .
فصل : وإن قطع أذنا شلاء أو أنفا أشل فهل يؤخذ به الصحيح ؟ فيه وجهان : أحدهما : لا يؤخذ به كسائر الأعضاء والثاني : يؤخذ به لأن نفعه لا يذبه بشلله فإن نفع الأذن جمع الصوت ورد الهوام وستر موضع السمع ونفع الأنف جمع الريح ورد الهواء أو الهوام فقد ساوى الصحيح في الجمال والنفع فوجب أخذ كل واحد منهما بالآخر كالصحيح بالصحيح بخلاف اليد والرجل ولـ لشافعي قولان كالوجهين .
فصل : ولا تؤخذ يد كامل الأصابع بناقصة الأصابع فلو قطع من له خمس أصابع يد وله أربع أو ثلاث أو قطع من له أربع أصابع يد من له ثلاث لم يجب القصاص لأنها فوق حقه وهل له أن يقطع من أصابع الجاني بعدد أصابعه ؟ فيه وجهان ذكرناهما فيما إذا قطع من نصف الكف وإن قطع ذو اليد الكاملة يدا فيها أصبع شلاء وباقيها صحاح لم يجز أخذ الصحيحة بها لأنه أخذ كامل بناقص وفي الاقتصاص من الأصابع الصحاح وجهان فإن قلنا له أن يقتص فله الحكومة في الشلاء وأرش ما تحتها من الكف وهل يدخل ما تحت الأصابع الصحاح في قصاصها أو تجب فيه حكومة ؟ على وجهين .
فصل : وإن قطع اليد الكاملة ذو يد فيها أصبع زائدة وجب القصاص فيها ذكره أبو عبد الله بن حامد لأن الزائدة عيب ونقص في المعنى يرد بها المبيع فلم يمنع وجودها القصاص منها كالسلعة فيها والخراج واختار القاضي أنها لا تقطع بها وهو مذهب الشافعي لأنها زيادة فعلى هذا إن كان للمجني عليه أيضا أصبع زائدة في محل الزائدة من الجاني وجب القصاص لاستوائهما وإن كانت في غير محلها أو لم يكن للمجني عليه أصبع زائدة لم تؤخذ يد الجاني وهل يملك قطع الأصابع ؟ ننظر فإن كانت الزائدة ملصقة بأحد الأصابع فليس له قطع تلك الأصبع لأن في قطعها إضرارا بالزائدة وهل له قطع الأصابع الأربع على وجهين وإن لم تكن ملصقة بواحدة منهن فعل له قطع الخمس ؟ على وجهين وإن كانت الزائدة نابته في أصبع في أنملتها العليا لم يجز قطعها وإن كانت نابته في السفلى أو الوسطى فله قطع ما فوقها من الأنامل في أحد الوجهين ويأخذ أرش الأنملة التي تعذر قطعها في أحد الوجهين ويتبع ذلك خمس الكف .
فصل : وإن قطع ذو يد لها أظفار يد من لا أظفار له لم يجز القصاص لأن الكاملة لا تؤخذ بالناقصة وإن كانت المقطوعة ذات أظفار إلا أنها خضراء أو مستحشفة أخذنا بها السليمة لأن ذلك علة ومرص والمرض لا يمنع القصاص بدليل أنا نأخذ الصحيح بالسقيم .
مسألة : قال : وإن كان القاطع أشل والمقطوعة سالمة فشاء المظلوم أخذها فذلك له ولا شيء له غيرها وإن شاء عفا وأخذ دية يده .
أما إذا اختار الدية فله دية يده لا نعلم فيه خلافا لأنه عجز عن استيفاء حقه على الكمال بالقصاص فكانت له الدية كما لو لم يكن للقاطع يد وهذا قول ابي حنيفة و مالك و الشافعي وإن اختار القصاص سئل أهل الخبرة فإن قالوا إنه إذا قطع لم تنسد العروق ودخل الهواء إلى البدن فأفسده سقط القصاص لأنه لا يجوز أخذ نفس بطرف وإن أمن هذا فله القصاص لأنه رضي بدون حقه فكان له ذلك كما لو رضي المسلم بالقصاص من الذمي والرجل من المرأة والحر من العبد وليس له مع القصاص أرش لأن الشلاء كالصحيحة في الخلقة وإنما نقصت في الصفة فلم يكن له أرش كالصورة التي ذكرناها وقال أبو الخطاب : عندي له أرش مع القصاص على قياس قوله في عين الأعور والأول أصح فإن إلحاق هذا الفرع بالأصول المتفق عليها أولى من إلحاقه بفرع مختلف فيه خارج عن الأصول مخالف للقياس .
فصل : وتؤخذ الشلاء بالشلاء إذا أمن في الاستيفاء الزيادة وقال أصحاب الشافعي : لا تؤخذ بها في أحد الوجهين لأن الشلاء عليلة والعلل يختلف تأثيرها في البدن فلا تتحقق المماثلة بينهما .
ولنا أنهما متماثلان في ذات العضو وصفته فجاز أخذ إحداهما بالأخرى كالصحيحة بالصحيحة .
فصل : وتؤخذ الناقصة بالناقصة إذا تساوتا فيه بأن يكون المقطوع من يد الجاني كالمقطوع من يد المجني عليه لأنهما تساوتا في الذات والصفة فأما إن اختلفا فكان المقطوع من يد أحدهما الإبهام ومن الأخرى أصبع غيرها لم يجز القصاص لأن فيه أخذ أصبع بغيرها وإن كانت يد أحدهما ناقصة أصبعا والأخرى ناقصة تلك الأصبع وأخرى جاز أخذ الناقصة أصبعين بالناقصة أصبعا وهل له أرش أصبعه الزائدة ؟ فيه وجهان ولا يجوز أخذ الأخرى بها لأن الكاملة لا تؤخذ بالناقصة .
فصل : ويجوز أخذ الناقصة بالكاملة لأنها دون حقه وهل له أخذ دية الأصابع الناقصة ؟ على وجهين : أحدهما : له ذلك وهو قول الشافعي واختيار ابن حامد .
والثاني : ليس له مع القصاص أرش وهو مذهب أبي حنيفة وقياس قول أبي بكر لئلا يفضي إلى الجمع بين قصاص ودية في عضو واحد وقال القاضي : قياس قوله سقوط القصاص كقوله فيمن قطعت يده من نصف الذراع وليس كذلك لأنه يقتص من موضع الجناية ويضع الحديدة في موضع وضعها الجاني فملك ذلك كما لو جنى عليه فوق الموضحة أو كان رأس الشاج أصغر أو أخذ الشلاء بالصحيحة ويفارق القاطع من نصف الذارع لأنه لا يمكنه القصاص من موضع الجناية هكذا حكاه الشريف عن أبي بكر .
فصل : وإن كانت يد القاطع والمجني عليه كاملتين وفي يد المجني عليه أصبع زائدة فعلى قول ابن حامد : لا عبرة بالزائدة لأنها بمنزلة الخراج والسلعة وعلى قول غيره : له قطع يد الجاني وهل له حكومة في الزائدة ؟ على وجهين وإن قطع من له خمس أصابع أصلية كف من له أربع أصابع أصلية وأصبع زائدة أو قطع من له أربع أصابع وأصبع زائدة وكف من له خمس أصابع أصلية فلا قصاص في الصورة الأولى لأن الأصلية لا تؤخذ بالزائدة وله القصاص في الصورة الثانية في قول ابن حامد لأن الزائدة لا عبرة بها وقال غيره : إن لم تكن الزائدة في محل الأصلية فلا قصاص أيضا لأن الأصبعين مختلفتان وإن كانت في محل الأصلية فقال القاضي يجري القصاص وهو مذهب الشافعي ولا شيء له لنقص الزائدة وهذا فيه نظر فإنها متى كانت في محل الأصلية كانت أصلية لأن الزائدة هي التي زادت عن عدد الأصابع أو كانت في غير محل الأصابع وهذا له خمس أصابع في محلها فكانت كلها أصلية فإن قالوا معنى كونها زائدة أنها ضعيفة مائلة عن سمت الأصابع قلنا : ضعفها لا يوجب كونها زائدة كذكر العنين وأما ميلها عن الأصابع فإنها إن لم تكن نابته في محل الأصبع المعدومة فسد قولهم إنها في محلها وإن كانت نابته في موضعها وإنما مال رأسها واعوجت فهذا مرض لا يخرجها عن كونها أصلية