فصول أحكام الاقتصاص من الحامل .
فصل : ولا يجوز أن يقتص من حامل قبل وضعها سواء كانت حاملا وقت الجناية أو حملت بعدها قبل الاستيفاء وسواء كان القصاص في النفس أو في الطرف : أما في النفس فلقول الله تعالى : { فلا يسرف في القتل } وقتل الحامل قتل لغير القاتل فيكون إسرافا .
وروى ابن ماجة بإسناده عن عبد الرحمن بن غنم قال : [ حدثنا معاذ بن جبل و أبو عبيدة بن الجراح وعبادة بن الصامت وشداد بن أوس قالوا : يا رسول الله A قال : إذا قتلت المرأة عمدا لم تقتل حتى تضع ما في بطنها إن كانت حالا وحتى تكفل ولدها وإن زنت لم ترجم حتى تضع ما في بطنها وحتى تكفل ولدها ] وهذا نص [ ولأن النبي A قال للغامدية المقرة بالزنا : ارجعي حتى تضعي ما في بطنك ـ ثم قال لها ـ ارجعي حتى ترضعيه ] ولأن هذا إجماع من أهل العلم لا نعلم بينهم فيه اختلافا .
وأما القصاص في الطرف فلأننا منعنا الاستيفاء فيه خشية السراية إلى الجاني أو إلى زيادة في حقه فلأن نمنع منه خشية السراية إلى غير الجاني وتفويت نفس معصومة أولى وأحرى ولأن في القصاص منها قتلا لغير الجاني وهو حرام وإذا وضعت لم تقتل حتى تسقي الولد اللبأ لأن الولد لا يعيش إلا به في الغالب ثم إن لم يكن للولد من يرضعه لم يجز قتلها حتى يجيء أوان فطامه لما ذكرنا من الخبرين ولأنه لما أخر الاستيفاء لحفظه وهو حمل فلأن يؤخر لحفظه بعد وضعه أولى إلا أن يكون القصاص فيما دون النفس ويكون الغالب بقاؤها وعدم ضرره بالاستيفاء منها فيستوفى وإن وجد له مرضعة راتبة جاز قتلها لأنه يستغني بلبنها وإن كانت مترددة أو جماعة يتناوبنه أو أمكن أن يسقى من لبن شاة أو نحوها جاز قتلها ويستحب للولي تأخيرها لما على الولد من الضرر لاختلاف اللبن عليه وشرب لبن البهيمة .
فصل : وإذا ادعت الحمل ففيه وجهان : أحدهما : تحبس حتى يتبين حملها لأن للحمل أمارات خفية تعلمها من نفسها ولا يعلمها غيرها فوجب أن يحتاط للحمل حتى يتبين انتفاء ما ادعته ولأنه أمر يختصها فقبل قولها فيه كالحيض والثاني : ذكره القاضي أنها ترى أهل الخبرة فإن شهدن بحملهن أخرت وإن شهدن ببراءتها لن تؤخر لأن الحق حال عليها فلا يؤخر بمجرد دعواها .
فصل : وإن اقتص من حامل فقد أخطأ وأخطأ السلطان الذي مكنه من الاستيفاء وعليهما الإثم إن كانا عالمين أو كان منهما تفريط وإن علم أحدهما أو فرط فالإثم عليه ثم ننظر فإن لم تلق الولد فلا ضمان فيه لأنا لم نتحقق وجوده وحياته وإن انفصل ميتا أو حيا لوقت لا يعيش في مثله ففيه غرة وإن انفصل حيا لوقت يعيش مثله ثم مات من الجناية وجبت فيه دية وعلى من يجب ضمانه ؟ ننظر فإن كان الإمام والولي عالمين بالحمل وتحريم الاستيفاء أو جاهلين بالأمرين أو بأحدهما أو كان الولي عالما بذلك دون الممكن له من الاستيفاء فالضمان عليه وحده لأنه مباشر والحاكم الممكن له صاحب سبب ومتى اجتمع المباشر مع المتسبب كان الضمان على المباشر دون المتسبب كالحافز مع الدافع وإن علم الحاكم دون الولي فالضمان على الحاكم وحده لأن المباشر معذور فكان الضمان على المتسبب كالسيد إذا أمر عبده بالقتل والعبد أعجمي لا يعرف تحريم القتل وكشهود القصاص إذا رجعوا عن الشهادة بعد الاستيفاء وقال القاضي : إن كان أحدهما عالما وحده فالضمان عليه وحده وإن كانا عالمين فالضمان على الحاكم لأنه الذي يعرف الأحكام والولي إنما يرجع إلى حكمه واجتهاده وإن كانا جاهلين ففيه وجهان : أحدهما : الضمان على الإمام كما لو كانا عالمين والثاني : على الولي وهذا مذهب الشافعي .
وقال أبو الخطاب : الضمان على الحاكم ولم يفرق وقال المزني : الضمان على الولي في كل حال لأنه المباشر والسبب غير ملجىء فكان الضمان عليه كالحافر مع الدافع وكا لو أمر من يعلم تحريم القتل به فقتل وقد ذكرنا ما يقتضي التفريق والله أعلم