مسألة وفصول قصاص العين وفروع .
مسألة : قال : وتقلع العين بالعين .
أجمع أهل العلم على قصاص في العين وممن بلغنا في ذلك مسروق و الحسن و ابن سيرين و الشعبي و النخعي و الزهري و الثوري و مالك و الشافعي و إسحاق و أبو ثور و أصحاب الرأي وروي عن علي Bه والأصل فيه قول الله تعالى : { والعين بالعين } ولأنها تنتهي إلى مفصل فجرى القصاص فيها كاليد وتؤخذ عين الشاب بعين الكبير المريضة وعين الصغير بعين الكبير والأعمش ولا تؤخذ صحيحة بقائمة لأنه يأخذ أكثر من حقه .
فصل : فإن قلع عينه بأصبعه لم يجز أن يقتص بأصبعه لأنه لا يمكن المماثلة فيه وإن لطمه فذهب ضوء عينه لم يجز أن يقتص منه باللطمة لأن المماثلة فيها غير ممكنة ولهذا لو انفردت من إذهاب الضوء لم يحب فيها قصاص ويجب القصاص في البصر فيعالج بما يذهب ببصره من غير أن يقلع عينه كما روى يحيى بن جعدة أن أعرابيا قدم بحلوبة له إلى المدينة فساومه فيها مولى لعثمان بن عفان Bه فنازعه فلطمه ففقأ عينه فقال له عثمان : هل لك أن أضعف لك الدية وتعفو عنه ؟ فأبى فرفعهما إلى علي Bه فدعا علي بمرآة فأحماها ثم وضع القطن على عينه الأخرى ثم أخذ بكلبتين فأدناها من عينه حتى سال إنسان عينه وإن وضع فيها كافورا يذهب بضوئها من غير أن يجني على الحدقة جاز وإن لم يمكن إلا بالجناية على العضو سقط القصاص لتعذرالمماثلة .
وذكر القاضي أنه يقتص منه باللطمة فيلطمه المجني عليه مثل لطمته فإن ذهب ضوء عينه وإلا كان له أن يذهبه ما ذكرنا وهذا مذهب الشافعي وهذا لا يصح فإن اللطمة لا يقتص منها منفردة فلا يقتص منها إذا سرت إلى العين كالشجة إن كانت دون الموضحة ولأن اللطمة إذا لم تكن في العين لايقتص منها بمثلها مع الأمن من إفساد العضو في العين فمع خوف ذلك أولى ولأنه قصاص فيما دون النفس فلم يجز لغير الآلة المعدة كالموضحة وقال القاضي : لايجب القصاص إلا أن تكون اللطمة تذهب بذلك غالبا فإن كانت لا تذهب به غالبا فذهب فهو شبه عمد لا قصاص فيه وهو قول الشافعي لأنه فعل لا يفضي إلى الفوات غالبا فلم يجب به القصاص كشبه العمد في النفس وقال أبو بكر : يجب القصاص بكل حال لعموم قوله : { والعين بالعين } ولأن اللطمة إذا أسالت إنسان العين كانت بمنزلة الجرح ولا يعتبر في الجرح الإفضاء إلى التلف غالبا .
فصل : فلو لطم عينه فذهب بصرها وأبيضت وشخصت فإن أمكن معالجة عين الجاني حتى يذهب بصرها وتبيض وتشخص من غير جناية على الحدقة فعل ذلك وإن لم يمكن إلا ذهاب بعض ذلم مثل أن يذهب البصر دون أن تبيض وتشخص فعليه حكومة للذي لم يمكن القصاص فيه كما لو جرح هاشمة فإنه يقتص موضحة ويأخذ أرش باقي جرحه وعلى قول أبي بكر : لا يستحق مع القصاص أرش .
وقال القاضي : إذا اقتص منه يعني لطمه مثل لطمته فذهب ضوء عينه ولم تبيض ولم تشخص فإن أمكن معالجتها حتى تبيض وتشخص من غير ذهاب الحدقة فعله وإن تعذر ذلك فلا شيء عليه كما لو اندملت موضحة المجني عليه وحشة قبيحة وموضحة الجاني حسنة جميلة لم يجب شيء كذلك ههنا وهذا بناء على أن اللطمة حصل بها القصاص كما حصل بجرح الموضحة وقد بينا فساد هذا .
فصل : وإن شجه شجة دون الموضحة فأذهب ضوء عينه لم يقتص منه مثل شجته بغير خلاف نعلمه لأنها لا قصاص فيها إذا لم يذهب ضوء العين فكذلك إذا ذهب ويعالج ضوء العين بمثل ما ذكرنا في اللطمة وإن كانت الشجة فوق الموضحة فله أن يقتص موضحة وهل له أرش الزيادة عليها ؟ فيه وجهان وإن ذهب ضوء العين وإلا استعمل فيه ما يزيله من غير أن يجني على الحدقة وإن شجه موضحة فله أن يقتص منها وحكم القصاص في البصر على ما ذكرنا من قبل واختلف أصحاب الشافعي في القصاص في البصر إلى التي في هذه المواضع كلها فقال بعضهم : لا قصاص فيه لأنه لا يجب بالسراية كما لو قطع أصبعه فسرى القطع إلى التي تليها فأذهبها عندهم وقال بعضهم : يجب القصاص ههنا قولا واحدا لأن ضوء العين لا تمكن مباشرته بالجناية فيقتص منه بالسراية كالنفس فيقتص من البصر كما ذكرنا فيما قبل هذا .
فصل : إذا قلع الأعور عين صحيح فلا قود وعليه دية كاملة روي ذلك عن عمر وعثمان Bهما وبه قال سعيد بن المسيب و عطاء وقال الحسن و النخعي : إن شاء اقتص وأعطاه نصف دية وقال مالك : إن شاء اقتص وإن شاء أخذ دية كاملة .
وقال مسروق و الشعبي و ابن سيرين و ابن مغفل و الثوري و الشافعي واصحاب الرأي و ابن المنذر : له القصاص ولا شيء عليه وإن عفا فله نصف الدية لقول الله تعالى : { والعين بالعين } [ وجعل النبي A في العينين الدية لأنها إحدى شيئين فيهما الدية فوجب القصاص ممن له واحدة أو نصف الدية كما لو قطع الأقطع يد من له يدان ] .
ولنا قول عمر وعثمان Bهما ولم نعرف لهما مخالفا في عصرهما ولأنه لم يذهب بجميع بصره فلم يجز له الاقتصاص منه بجميع بصره كما لو كان ذا عينين وأما إذا قطع يد الأقطع فلنا فيه منع ومع التسليم فالفرق بينهما أن يد الأقطع لا تقوم مقام اليدين في النفع الحاصل بهما بخلاف عين الأعور فإن النفع الحاصل بالعينين حاصل بها وكل حكم يتعلق بصحيح العينين ويثبت في الأعور مثله ولهذا صح عتقه في الكفارة دون الأقطع فأما وجوب الدية كاملة عليه وهو قول مالك فلأنه لما دفع القصاص مع إمكانه لفضيلته ضوعفت الدية عليه كالمسلم إذا قتل ذميا عمدا ولو قلع الأعور إحدى عيني الصحيح خطأ لم يلزمه إلا نصف الدية بغير اختلاف لعدم المعنى المقتضي لتضعيف الدية