مسألة وفصول حكم قطع الأذن بالأذن .
مسألة : قال : وتقطع الأذن بالأذن .
أجمع اهل العلم على أن الأذن تؤخذ بالأذن وذلك لقول الله تعالى : { والأذن بالأذن } ولأنها تنتهي إلى حد فاصل فأشبهت اليد وتؤخذ الكبيرة بالصغيرة وتؤخذ أذن السميع بأذن السميع وتؤخذ أذن الأصم بكل واحدة منهما لتساويهما فإن ذهاب السمع نقص في الرأس لأنه محله وليس بنقص فيهما وتؤخذ الصحيحة بالمثقوبة لأن الثقب ليس بعيب وإنما يفعل في العادة للقرط والتزين به فإن كان الثقب في غير محله أو كانت مخرومة أخذت بالصحيحة ولم تؤخذ الصحيحة بها لأن الثقب إذا انخرم صار نقصا فيها والثقب في غير محله عيب ويخير المجني عليه بين أخذ الدية إلا قدر النقص وبين أن يقتص فيما سوى العيب ويتركه من أذن الجاني وفي وجوب الحكومة له في قدر الثقب وجهان وإن قطعت بعض أذنه فله أن يقتص من أذن الجاني وتقدير ذلك بالأجزاء فيؤخذ النصف بالنصف والثلث بالثلث وعلى حساب ذلك وقال بعض أصحاب الشافعي : لا يجري القصاص في البعض لأنه لا ينتهي إلى حد .
ولنا أنه يمكن تقدير المقطوع وليس فيها كسر عظم فجرى القصاص في بعضها كالذكر وبهذا ينتقص ما ذكره .
فصل : وتؤخذ الأذن المستحشفة بالصحيحة وهل تؤخذ الصحيحة بها ؟ فيه وجهان : أحدهما : لا تؤخذ بها لأنها ناقصة معيبة فلم تؤخذ بها الصحيحة كاليد الشلاء وسائر الأعضاء والثاني : تؤخذ بها لأن المقصود منها جمع الصوت وحفظ محل السمع والجمال وهذا يحصل بها كحصوله بالصحيحة بخلاف سائر الأعضاء .
فصل : وإن قطع أذنه فأبانها فألصقها صاحبها فالتصقت وثبتت فقال القاضي : يجب القصاص وهو قول الثوري و الشافعي و إسحاق لأنه وجب بالإبانة وقد وجدت الإبانة وقال أبو بكر : لا قصاص فيها وهو قول مالك لأنها لم تبن على الدوام فلم يستحق إبانة أذن الجاني دواما وإن سقطت بعد ذلك قريبا أو بعيدا فله القصاص ويرد ما أخذه وعلى قول أبي بكر إذا لم تسقط له دية الأذن وهو قول أصحاب الرأي وكذلك قول الأولين إذا اختار الدية وقال مالك : لا عقل لها إذا عادت مكانها فأما إن قطع بعض أذنه فالتصق فله أرش الجرح ولا قصاص فيه وإن قطع أذن إنسان فاستوفى منه فألصق الجاني أذنه فالتصقت وطلب المجني عليه إبانتها لم يكن له ذلك لأن الإبانة قد حصلت والقصاص قد استوفى فلم يبق له قبله حق فأما إن كان المجني عليه لم يقطع جميع الأذن إنما قطع بعضها فألتصق كان للمجني عليه قطع جميعها لأنه استحق إبانة جميعها ولم يكن أبانه والحكم في السن كالحكم في الأذن .
فصل : ومن ألصق أذنه بعد إبانتها أو سنه فهل تلزمه إبانتها ؟ فيه وجهان مبنيان على الروايتين فيما بان من الآدمي هل هو نجس أو طاهر ؟ إن قلنا هو نجس لزمته إزالتها ما لم يخف الضرر بإزالتها كما لو جبر عظمه بعظم نجس وإن قلنا بطهارتها لم تلزمه إزالتها وهذا اختيار أبي بكر وقول عطاء بن أبي رباح و عطاء الخراساني وهو الصحيح لأنه جزء آدمي طاهر في حياته وموته فكان طاهرا كحالة اتصاله فأما إن قطع بعض أذنه فألتصق لم تلزمه إبانتها لأنها ظاهرة على الروايتين جميعا لأنها لم تصر ميتة لعدم إبانتها ولا قصاص فيها قاله القاضي وهو مذهب الشافعي لأنه لا يمكن المماثلة في المقطوع منها