فصلان زيادة مستوفي القصاص في النفس على حقه .
فصل : إذا زاد مستوفي القصاص في النفس على حقه مثل أن يقتل وليه فيقطع المقتص أطرافه أو بعضها نظرنا فإن عفا عنه بعد قطع طرفه فعليه ضمان ما أتلف بديته وبهذا قال أبو حنيفة وقال مالك و الشافعي و ابن المنذر و أبو يوسف و محمد : لا ضمان عليه ولكن قد اساء ويعزر وسواء عفا عن القاتل أو قتله لأنه قطع طرفا من جملة استحق إتلافها فلم يضمنه كما لو قطع أصبعا من يد يستحق قطعها .
ولنا أنه قطع طرفا له قيمة حال القطع بغير حق فوجب عليه ضمانه كما لو عفا ثم قطعه أو كما لو قطعه أجنبي فأما إن قطعه ثم قتله احتمل أن يضمنه أيضا لأنه يضمنه إذا عفا عنه فكذلك إذا لم يعف عنه لأن العفو إحسان فلا يكون موجبا للضمان واحتمل أن لا يضمنه وهو قول أبي حنيفة لو قطع متعديا ثم قتل لم يضمن الطرف فلأن يضمنه إذا كان القتل مستحقا أولى .
فأما القصاص فلا يجب في العرف بحال ولا نعلم في هذا خلافا لأن القصاص عقوبة تدرأ بالشبهات والشبهة ههنا متحققة لأنه متحقق لإتلاف هذا الطرف ضمنا لاستحقاقه إتلاف الجملة ولا يلزم من سقوط القصاص أن لا تجب الدية بدليل امتناعه لعدم المكافآت فأما إن كان الجاني قطع طرفه ثم قتله فاستوفى منه بمثل فعله فقد ذكرناه فيما مضى وإن قطع طرفا غير الذي قطعه الجاني كأن قطع الجاني يده فقطع المستوفى رجله احتمل أن يكون بمنزلة ما لو قطع يده لأن ديتهما واحدة واحتمل أن تلزمه دية الرجل لأن الجاني لم يقطعها فأشبه ما لو لم يقطع يده .
فصل : فأما إن كانت الزيادة في الاستيفاء لأنه الطرف مثل أن استحق قطع أصبع فقطع اثنتين فحكمه حكم القاطع ابتداء إن كان عقدا من مفصل أو شجة يجب في مثلها القصاص فعليه القصاص في الزيادة وإن كان خطأ أو جرحا لا يوجب القصاص مثل من يستحق موضحة فاستوفاها هاشمة فعليه أرش الزيادة إلا أن يكون ذلك بسبب من الجاني كاضطرابه حال الاستيفاء فلا شيء على المقتص لأنه حصل بفعل الجاني فإن اختلفا هل فعله خطأ أو عمدا ؟ فالقول قول المقتص مع يمينه لأن هذا مما يمكن الخطأ فيه وهو أعلم بقصده وإن قال المقتص حصل هذا باضطرابك أو فعل من جهتك فالقول قول المقتص منه لأنه منكر فإن سرى الاستيفاء الذي حصلت فيه الزيادة إلى نفس المقتص منه فمات أو إلى بعض أعضائه مثل أن قطع أصبعه فسرى إلى جميع يده أو اقتص منه بآلة كالة أو مسمومة أو في حال حر مفرط أو برد شديد فسرى فقال القاضي : على المقتص نصف الدية لأنه تلف بفعلين جائز ومحرم ومضمون وغير مضمون فانقسم الواجب عليهما نصفين كما لو جرحه جرحا في حال ردته وجرحا بعد إسلامه فمات منهما وهذا كله مذهب الشافعي ويحتمل أن يلزمه ضمان السراية كلها فيما إذا اقتص بآلة مسمومة أو كالة لأن الفعل كله محرم بخلاف قطع الأصبعين فإن أحدهما مباح