مسألة وفصول قتل الجماعة بالواحد ولا عبرة للتساوي بينهم في سبب القتل .
مسألة : قال : ويقتل الجماعة بالواحد .
وجملته أن الجماعة إذا قتلوا واحدا فعلى كل واحد منهم القصاص إذا كان كل واحد منهم لو انفرد بفعله وجب عليه القصاص روي ذلك عن عمر وعلي والمغيرة بن شعبة وابن عباس وبه قال سعيد بن المسيب و الحسن وأبو سلمة و عطاء و قتادة وهو مذهب مالك و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و أبي ثور أصحاب الرأي وحكي عن أحمد رواية أخرى لا يقتلون به وتجب علهيم الدية وهذا قول ابن الزبير و الزهري و ابن سيرين و حبيب بن أبي ثابت وعبد الملك و ربيعة و داود و ابن المنذر و حكاه ابن أبي موسى عن ابن عباس وروي عن معاذ بن جبل وابن الزبير و ابن سيرين و الزهري أنه يقتل منهم واحد ويؤخذ من الباقين حصصهم من الدية لأن كل واحد منهم مكافىء له فلا تستوفى أبدال بمبدل واحد كما لا تجب ديات لمقتول واحد ولأن الله تعالى قال : { الحر بالحر } وقال : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } فمقتضاه أنه لا يؤخذ بالنفس أكثر من نفس واحدة ولأن التفاوت في الأوصاف يمنع بدليل أن الحر لا يؤخذ بالعبد والتفاوت في العدد أولى قال ابن المنذر : لا حجة مع من أوجب قتل جماعة بواحد .
ولنا إجماع الصحابة Bهم روى سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قتل سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا وقال : لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا وعن علي Bه أنه قتل ثلاثة قتلوا رجلا وعن ابن عباس أنه قتل جماعة بواحد ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف فكان إجماعا ولأنها عقوبة تجب للواحد على الواحد فوجبت للواحد على الجماعة كحد القذف ويفارق الدية فإنها تتبعض والقصاص لا يتبعض ولأن القصاص لو سقط بالاشتراك أدى إلى التسارع إلى القتل به فيؤدي إلى إسقاط حكمة الردع والزجر .
فصل : ولا يعتبر في وجوب القصاص على المشتركين التساوي في سببه فلو جرحه رجل جرحا والآخر مائة أو جرحه أحدهما موضحة والآخر آمه أو أحدهما جائفة والآخر غير جائفة فمات كانا سواء في القصاص والدية لأن اعتبار التساوي يفضي إلى سقوط القصاص عن المشتركين إذ لا يكاد جرحان يتساويان من كل وجه ولو احتمل التساوي لم يثبت الحكم لأن الشرط يعتبر العلم بوجوده ولا يكتفي باحتمال الوجود بل الجهل بوجوده كالعلم بعدمه في انتفاء الحكم ولأن الجرح الواحد يحتمل أن يموت منه دون المائة كما يحتمل أن يموت من الموضحة دون الآمة ومن غير الجائفة دون الجائفة ولأن الجراح إذا صارت نفسا سقط اعتبارها فكان حكم الجماعة كحكم الواحد الا ترى أنه لو قطع أطرافه كلها فمات وجبت دية واحدة كما لو قطع طرفه فمات .
فصل : إذا اشترك ثلاثة في قتل رجل فقطع أحدهم يده والآخر رجله وأوضحه الثالث فمات فللولي قتل جميعهم والعفو عنهم إلى الدية فيأخذ من كل واحد ثلثها وله أن يعفو عن واحد فيأخذ منه ثلث الدية ويقتل الآخرين وله أن يعفو عن اثنين فيأخذ منهما ثلثي الدية ويقتل الثالث فإن برئت جراحه أحدهم ومات من الجرحين الآخرين فله أن يقتص من الذي برىء جرحه بمثل جرحه ويقتل الآخرين أو يأخذ منهما دية كاملة أو يقتل أحدهما ويأخذ من الآخر نصف الدية وله أن يعفو عن الذي برىء جرحه ويأخذ منه دية جرحه فإن ادعى الموضح أن جرحه برىء قبل موته وكذبه شريكاه نظرت في الولي فإن صدقه ثبت حكم البرء بالنسبة إليه فلا يملك قتله ولا مطالبته بثلث الدية وله أن يقتص منه موضحة أو يأخذ منه أرشها ولم يقبل قوله في حق شريكه لأن الأصل عدم البرء فيها لكن ان اختار الولي القصاص فلا فائدة لهما في إنكار ذلك لأن له أن يقتلهما سواء برئت أو لم تبرأ وإن اختار الدية لم يلزمهما أكثر من ثلثيها وإن كذبه الولي حلف وله الاقتصاص منه أو مطالبته بثلث الدية ولم يكن له مطالبة شريكه بأكثر من ثلثها فإن شهد له شريكاه ببرئها لزمهما الدية كاملة لإقرارهما بوجوبها وللولي أخذها منهما أن صدقهما وإن لم يصدقهما وعفا إلى الدية لم يكن له أكثر من ثلثيها لأنه لا يدعي أكثر من ذلك وتقبل شهادتهما له أن كانا قد تابا وعدلا لأنهما لا يجران إلى أنفسهما بذلك نفعا فيسقط القصاص عنه ولا يلزمه أكثر من أرش موضحة .
فصل : إذا قطع رجل يده من الكوع ثم قطعها آخر من المرفق ثم مات نظرت فإن كانت جراحة الأول برئت قبل قطع الثاني فالثاني هو القاتل وحده وعليه القود أو الدية كاملة إن عفا عن قتله وله قطع يد الأول أو نصف الدية وإن لم تبرأ فهما قاتلان وعليهما القصاص في النفس وإن عفا إلى الدية وجبت عليهما وبهذا قال الشافعي وقال أبو حنيفة القاتل هو الثاني وحده ولا قصاص على الأول في النفس لأن قطع الثاني قطع سراية قطعه ومات بعد زوال جنايته فأشبه ما لو اندمل جرحه وقال مالك أن قطعه الثاني عقيب قطع الأول قتلا جيمعا وإن عاش بعد قطع الأول حتى أكل وشرب ومات عقيب الثاني فالثاني هو القاتل وحده وإن عاش بعدهما حتى أكل وشرب فللأولياء أن يقسموا على أيهما شاؤوا ويقتلوه .
ولنا أنهما قطعان لو مات بعد كل واحد منهما وحده لوجب عليه القصاص فإذا مات بعدهما وجب عليهما القصاص كما لو كان في يدين ولأن القطع الثاني لا يمنع جنايته بعده فلا يسقط حكم ما قبله كما لو في يدين ولا نسلم زوال جنايته ولا قطع سرايته فإن الألم الحاصل بالقطع الأول لم يزل وإنما انضم إليه الألم الثاني فضعفت النفس عن احتمالهما فزهقت بهما فكان القتل بهما ويخالف الاندمال فإنه لا يبقى معه الألم الذي حصل في الأعضاء الشريفة فاختلفا فإن ادعى الأول أن جرحه اندمل فصدقه الولي سقط عنه القتل ولزمه القصاص في اليد أو نصف الدية وإن كذبه شريكه واختار الولي القصاص فلا فائدة له في تكذيبه لأن قتله واجب وإن عفا عنه إلى الدية فالقول قوله مع يمينه ولا يلزمه أكثر من نصف الدية وإن كذب الولي الأول حلف وكان له قتله لأن الأصل عدم ما ادعاه ولو ادعى الثاني اندمال جرحه فالحكم فيه كالحكم في الأول إذا ادعى ذلك