مسائل وفصول القصاص للفروع من الأصول وحكم قتل أحد الزوجين الآخر وفروع .
مسألة : قال : ولا يقتل والد بولده وإن سفل .
وجملته أن الأب لا يقتل بولده والجد لا يقتل بولد ولده وإن نزلت درجته وسواء في ذلك ولد البنين أو ولد البنات وممن نقل عنه أن الوالد لا يقتل بولده عمر بن الخطاب Bه وبه قال ربيعة و الثوري و الأوزاعي و الشافعي و إسحاق و اصحاب الرأي وقال ابن نافع وابن عبد الحكم و ابن المنذر : يقتل به لظاهر آي الكتاب والأخبار الموحبة للقصاص ولأنهما حران مسلمان من أهل القصاص فوجب أن يقتل كل واحد منهما بصاحبه كالأجنبيين وقال ابن المنذر : قد رووا في هذا أخبارا وقال مالك : إن قتله حذفا بالسيف ونحوه لم يقتل به وإن ذبحه أو قتله قتلا لا يشك في أنه عمد إلى قتله دون تأديبه أقيد به .
ولنا ما روى عمر بن الخطاب وابن عباس أن رسول الله A قال : [ لا يقتل والد بولده ] أخرج النسائي حديث عمر ورواهما ابن ماجة وذكرهما ابن عبد البر وقال : هو حديث مشهور عند أهل العلم بالحجاز والعراق مستفيض عندهم يستغنى بشهرته وقبوله والعمل به عن الإسناد فيه حتى يكون الإسناد قس مثله مع شهوته تكلفا ولأن النبي A قال : [ أنت ومالك لأبيك ] وقضية هذه الإضافة تمليكه إياه فإذا لم تثبت حقيقة الملكية بقيت الإضافة شبهة في درء القصاص لأنه يدرأ بالشبهات ولأنه سبب إيجاده فلا ينبغي أن يتسلط بسببه على إعدامه وماذكرناه يخص العمومات ويفارق الأب وسائر الناس فإنهم لو قتلوا بالحذف بالسيف وجب عليهم القصاص والأب بخلافه .
فصل : والجد وإن علا كالأب في هذا وسواء كان من قبل الأب أو من قبل الأم في قول أكثر مسقطي القصاص عن الأب وقال الحسن بن حي : يقتل به .
ولنا أنه والد فيدخل في عموم النص ولأن ذلك حكم يتعلق بالولادة فاستوى فيه القريب والبعيد كالمحرمية والعتق إذا ملكه والجد من قبل الأب كالجد من قبل الأم لأن ابن البنت يسمى ابنا [ قال النبي A في الحسن : إن ابني هذا سيد ] .
مسألة : قال : والأم في ذلك كالأب .
هذا الصحيح من المذهب وعليه العمل عند مسقطي القصاص عن الأب وروي عن أحمد C ما يدل على أنه لا يسقط عن الأم فإن مهنا نقل عنه في أم ولد قتلت سيدها عمدا تقتل وقال من يقتلها ؟ قال ولدها وهذا يدل على إيجاب القصاص على الأم بقتل ولدها وخرجها أبو بكر على روايتين إحداهما : أن الأم تقتل بولدها لأنه لا ولاية لها عليه فيقتل به كالأخ والصحيح الأول ل [ قول النبي A : لا يقتل والد بولده ] ولأنها أحد الوالدين فأشبهت الأب ولأنها أولى بالبر فكانت أولى بنفي القصاص عنها والولاية غير معتبرة بدليل انتفاء القصاص عن الأب بقتل الكبير الذي لا ولاية عليه وعن الجد ولا ولاية له وعن الأب المخالف في الدين أو الرقيق والجدة وإن علت في ذلك كالأم وسواء في ذلك من قبل الأب أو من قبل الأم لما ذكرنا في الجد .
فصل : وسواء كان الوالد مساويا للولد في الدين والحرية أو مخالفا له في ذلك لأن انتفاء القصاص لشرف الأبوة وهو موجود في كل حال فلو قتل الكافر ولده المسلم أو قتل المسلم أباه الكافر أو قتل العبد ولده الحر أو قتل الحر ولده العبد لم يجب القصاص لشرف الأبوة فيما إذا قتل ولده وانتفاء المكافأة فيما إذا قتل والده .
فصل : وإذا ادعى نفران نسب صغير مجهول النسب ثم قتلاه قبل إلحاقه بواحد منهما فلا قصاص عليهما لأنه يجوز أن يكون ابن كل واحد منهما أو ابنهما وان ألحقته القافة بأحدهما ثم قتلاه لم يقتل أبوه وقتل الآخر لأنه شريك الأب في قتل ابنه وإن رجعا جميعا عن الدعوى لم يقبل رجوعهما لأن النسب حق للولد فلم يقبل رجوعهما عن إقرارهما به كما لو أقر له بحق سواع أو كما لو ادعاه واحد فألحق به ثم جحده وإن رجع أحدهما صح رجوعه وثبت نسبه من الآخر لأن رجوعه لم يبطل نسبه ويسقط القصاص عن الذي لم يرجع ويجب على الراجع لأنه شارك الأب وإن عفا عنه فعليه نصف الدية ولو اشترك رجلان في وطء امرأة في طهر واحد وأتت بولد يمكن أن يكون منهما فقتلاه قبل إلحاقه بأحدهما لم يجب القصاص وإن نفيا نسبه لم ينتف بقولهما وإن نفاه أحدهما لم ينتف بقوله لأنه لحقه بالفراش فلا ينتفي إلا باللعان وفارق التي قبلها من وجهين : أحدهما : إذا رجع عن دعواه لحق الآخر وههنا لا يلحق ذلك والثاني : أن ثبوت نسبه تم بالاعتراف فيسقط بالجحد وههنا يثبت بالاشتراك في الوطء فلا ينتفي بالجحد ومذهب الشافعي في هذا الفصل كما قلنا سواء .
فصل : ولو قتل أحد الأبوين صاحبه ولهما ولد لم يجب القصاص لأنه لو وجب لوجب لولده ولا يجب للولد قصاص على والده لأنه إذا لم يجب بالجناية عليه فلأن لا يجب له بالجناية على غيره أولى وسواء كان الولد ذكرا أو أنثى أو كان للمقتول ولد سواه أو من يشاركه في الميراث أو لم يكن لأنه لو ثبت القصاص لوجب له جزء منه ولا يمكن وجوبه وإذا لم يثبت بعضه سقط كله لأنه لا يتبعض وصار كما لو عفا بعض مستحقي القصاص عن نصيبه منه فإن لم يكن للمقتول ولد منهما وجب القصاص في قول أكثر أهل العلم منهم عمر بن عبد العزيز و النخعي و الثوري و الشافعي واصحاب الرأي وقال الزهري : لا يقتل الزوج بامرأته لأنه ملكها بعقد النكاح فأشبه الأمة .
ولنا عمومات النص ولأنهما شخصان متكافئان يحد كل واحد منهما بقذف صاحبه فيقتل به كالأجنبيين وقوله : إنه ملكها غير صحيح فإنها حرة وإنما ملك منفعة الاستمتاع فأشبه المستأجرة ولهذا تجب ديتها عليه ويرثها ورثتها ولا يرث منها إلا قدر ميراثه ولو قتلها غيره كانت ديتها أو القصاص لورثتها بخلاف الأمة .
فصل : ولو قتل رجل أخاه فورثه ابنه أو أحد يرث ابنه منه شيئا من ميراثه لم يجب القصاص لما ذكرنا ولو قتل خال ابنه فورثت أم ابنه القصاص أو جزءا منه ثم ماتت بقتل الزوج أو غيره فورثها ابنه سقط القصاص لأن ما منع مقارنا أسقط طارئا وتجب الدية ولو قتلت المرأة أخا زوجها فصار القصاص أو جزء منه لابنها سقط القصاص سواء صار إليها ابتداء أو انتقل إليه من أبيه أو من غيره لما ذكرنا .
فصل : وإذا قتل أحد أبوي المكاتب المكاتب أو عبدا له لم يجب القصاص لأن الوالد لا يقتل بولده ولا يثبت للولد على والده قصاص وإن اشترى المكاتب أحد أبويه ثم قتله لم يجب عليه قصاص لأن السيد لا يقتل بعبده .
فصل : ابنان قتل أحدهما أباه والآخر أمه فإن كانت الزوجية بينهما موجودة حال قتل الأول فالقصاص على قاتل الثاني دون الأول لأن القتيل الثاني ورث جزءا من دم الأول فلما قتل ورثه قاتل الأول فصار له جزء من دم نفسه فسقط القصاص عنه ووجب له القصاص على أخيه فإن قتله ورثه إن لم يكن له وارث سواه لأنه قتله بحق وإن عفا عنه إلى الدية وجبت وتقاصا بما بينهما وما فضل لأحدهما فهو له على أخيه وإن لم تكن الزوجية بين الأبوين قائمة فعلى كل واحد منهما القصاص لأخيه لأنه ورث الذي قتله أخوه وحده دون قاتله فإن بادر أحدهما فقتل صاحبه فقد استوفى صاحبه حقه وسقط القصاص عنه لأنه يرث أخاه لكونه قتلا بحق فلا يمنع الميراث إلا أن يكون للمقتول ابن أو ابن ابن يحجب القاتل فيكون له قتل عمه ويرثه إن لم يكن له وارث سواه وإن تشاحا في المبتدىء منهما بالقتل احتمل أن يبدأ بقتل القاتل الأول لأنه اسبق واحتمل أن يقرع بينهما وهذا قول القاضي ومذهب الشافعي لأنهما تساويا في الاستحاق فيصيرا إلى القرعة وأيهما قتل صاحبه أولا إما بمبادرة أو قرعة ورثه في قياس المذهب إن لم يكن له وارث سواه وسقط عنه القصاص وإن كان محجوبا عن ميراثه كله فلوارث القتيل قتل الآخر وإن عفا أحدهما عن الآخر ثم قتل المعفو عنه العافي ورثه أيضا وسقط عنه ما وجب عليه من الدية وإن تعافيا جميعا على الدية تقاصا بما استويا فيه ووجب لقاتل الأم الفضل على قاتل الأب لأن عقل الأم نصف عقل الأب ويتخرج أن يسقط القصاص عنهما لتساويهما في استحقاقه لسقوط الديتين إذا تساوتا ولأنه لا سبيل إلى استيفائهما واستيفاء أحدهما دون الآخر حيف فلا يجوز فتعين السقوط وإن كان لكل واحد منهما ابن يحجب عمه عن ميراث أبيه فإذا قتل أحدهما صاحبه ورثه ابنه ثم لابنه أن يقتل عمه ويرثه ابنه ويرث كل واحد من الابنين مال أبيه ومال جده الذي قتله عمه دون الذي قتله أبوه وإن كان لكل واحد منهما ابنة فقتل أحدهما صاحبه سقط القصاص عنه لأنه ورث نصف مال أخيه ونصف قصاص نفسه فسقط عنه القصاص وورث مال أبيه الذي قتله أبوه ونصف مال أخيه ونصف مال أبيه الذي هو قتله وورثت البنت التي قتل أبوها نصف مال أبيها ونصف مال جدها الذي قتله عمها ولها على عمها نصف دية قتله .
فصل : أربعة إخوة قتل الأول الثاني والثالث الرابع فالقصاص على الثالث لأنه لما قتل الرابع لم يرثه وورثه الأول وقد كان للرابع نصف قصاص الأول فرجع نصف قصاصه إليه فسقط ووجب للثالث نصف الدية وكان للأول قتل الثالث لأنه لم يرث من دم نفسه شيئا فإن قتله ورثه في ظاهر المذهب ويرث ما يرثه عن أخيه الثاني وإن عفا عنه إلى الدية وجبت عليه بكمالها يقاصه بنصفها وإن كان لهما ورثه كان فيها من التفصيل مثل الذي في التي قبلها