فصول قصاص العبيد .
فصل : ويجري القصاص بين العبيد في النفس في قول أكثر أهل العلم روي ذلك عن عمر ابن عبد العزيز وسالم و النخعي و الشعبي و الزهري و قتادة و مالك و الشافعي و أبي حنيفة وروي عن أحمد رواية أخرى أن من شرط القصاص تساوي قيمتهم وإن اختلفت قيمتهم لم يجر بينهم قصاص وينبغي أن يختص هذا بما إذا كانت قيمة القاتل أكثر فإن كانت أقل فلا وهذا قول عطاء وقال ابن عباس : ليس بين العبيد قصاص في نفس ولا جرح لأنهم أموال .
ولنا أن الله تعالى قال : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد } وهذا نص من الكتاب فلا يجوز خلافه لأن تفاوت القيمة كتفاوت الدية والفضائل فلا يمنع القصاص كالعلم والشرف والذكورية والأنوثية .
فصل : ويجري القصاص بينهم فيما دون النفس وبه قال عمر بن عبد العزيز وسالم و الزهري و قتادة و مالك و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر وعن أحمد رواية أخرى لا يجري القصاص بينهم فيما دون النفس وهو قول الشعبي و النخعي و الثوري و أبي حنيفة لأن الأطراف مال فلا يجري القصاص فيها كالبهائم ولأن التساوي في الأطراف معتبر في جريان القصاص بدليل أنا لا نأخذ الصحيحة بالشلاء ولا كاملة الأصابع بالناقصة وأطراف العبيد لا تتساوى ولنا قول الله تعالى : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين } الآية ولأنه أحد نوعي القصاص فجري بين العبيد كالقصاص في النفس .
فصل : وإذا وجب القصاص في طرف العبد وجب للعبد وله استيفاؤه والعفو عنه .
فصل : ولو قتل عبد عبدا ثم عتق القاتل قتل به وكذلك لو جرح عبد عبدا ثم عتق الجارح ومات المجروح قتل به لأن القصاص وجب فلم يسقط بالعتق بعده ولأن التكافؤ موجود حال وجود الجناية وهي السبب فاكتفي به ولو جرح ذمي عبدا ثم لحق بدار الحرب فأسر واسترق لم يقتل بالعبد لأنه حين وجوب القصاص حر .
فصل : وإذا قتل عبد عبدا عمدا فسيد المقتول مخير بين القصاص والعفو فإن عفا إلى مال تعلق المال برقبة القاتل لأنه وجب بجنايته وسيده مخير بين فدائه وتسليمه فإن اختار فداءه فداه بأقل الأمرين من قيمته أو قيمة المقتول لأنه إن كان الأقل قيمته لم يلزمه أكثر منها لأنها بدل عنه وإن كان الأقل قيمة المقتول فليس لسيده أكثر منها لأنها بدل عنه وعنه رواية أخرى أن سيده إن اختار فداءه لزمه أرش الجناية بالغا ما بلغ لأنه إذا سلمه للبيع ربما زاد فيها مزايد أكثر من قيمته فإن قتل عشرة أعبد عبدا لرجل عمدا فعليهم القصاص فإن اختار السيد قتلهم فله قتلهم وإن عفا إلى مال تعلقت قيمة عبده برقابهم على كل واحد منهم عشر يباع منه بقدرها ويفديه سيده فإن اختار قتل بعضهم والعفو عن البعض كان ذلك له لأن له قتل جميعهم والعفو عن جميعهم وإن قتل عبد عبدين لرجل واحد فله قتله والعفو عنه فإن قتله سقط حقه وإن عفا إلى مال تعلقت قيمة العبدين برقبته فإن كانا لرجلين فكذلك إلا أن القاتل يقتل بالأول منهما لأن حقه أسبق فإن عفا عنه الأول قتل بالثاني وإن قتلهما دفعه واحدة أقرع بين السيدين فأيهما خرجت له القرعة اتقص وسقط حق الآخر وإن عفا عن القصاص أو عفا سيد القتيل الأول عن القصاص إلى مال تعلق برقبة العبد وللثاني أن يقتص لأن تعلق المال بالرقبة لا يسقط حق القصاص كما لو جنى العبد المرهون وإن قتله الآخر سقط حق الأول من القيمة لأنه لم يبق محل يتعلق به وإن عفا الثاني تعلقت قيمة القتيل الثاني برقبته أيضا ويباع فيهما ويقسم ثمنه على قدر القيمتين ولم نقدم الأول بالقيمة كما قدمناه بالقصاص لأن القصاص لا يتبعض بينهما والقيمة يمكن تبعيضها فإن قيل فحق الأول أسبق قلنا لا يراعى السبق كما لو أتلف أموالا لجماعة واحدا بعد واحد فأما إن قتل العبد عبدا بين شريكين كان لهما القصاص والعفو فإن عفا أحدهما سقط القصاص وينتقل حقهما إلى القيمة لأن القصاص لا يتبعض وإن قتل عبدين لرجل واحد فله أن يقتص منه لأحدهما ايهما كان ويسقط حقه من الآخر وله أن يعفو عنه إلى مال وتتعلق قيمتهما جميعا برقبته .
فصل : ويقتل العبد القن بالمكاتب والمكاتب به ويقتل كل واحد منهما بالمدبر وأم الولد ويقتل المدبر وأم الولد بكل واحد منهما لأن الكل عبيد فيدخلون في عموم قوله تعالى : { والعبد بالعبد } فقد دل على كون المكاتب عبدا [ قول النبي A : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ] وسواء كان المكاتب قد أدى من كتابته شيئا أو لم يؤد وسواء ملك ما يؤدي أو لم يملك إلا إذا قلنا إنه إذا ملك ما يؤدي فقد صار حرا فإنه لا يقتل بالعبد لأنه حر فلا يقتل بالعبد وإن أدى ثلاثة أرباع مال الكتابة لم يقتل به أيضا لأنه يصير حرا ومن لم يحكم بحريته إلا بأداء جميع الكتابة جاز قتله به وقال أبو حنيفة إذا قتل العبد مكاتبا له وفاء ووارث سوى مولاه لم يقتل به لأنه حين الجرح كان المستحق المولى وحين الموت الوارث ولا يجب القصاص إلا لمن يثبت حقه في الطرفين .
ولنا قوله تعالى : { النفس بالنفس } وقوله تعالى : { العبد بالعبد } ولأنه لو كان قنا لوجب بقتله القصاص فإذا كان مكاتبا كان أولى كما لو لم يخلف وارثا وما ذكروه شيء بنوه على أصولهم ولا نسلمه