مسألة وفصول : استحاضة المعتادة غير مميزة الدم .
مسألة : قال : فان لم يكن دمها منفصلا وكانت لها أيام من الشهر تعرفها أمسكت عن الصلاة فيها واغتسلت إذا جاوزتها .
هذا القسم وهي من لها عادة ولا تمييز لها لكون دمها غير منفصل أي على صفة لا تختلف ولا يتميز بعضه من بعض على ما ذكرنا في المميزة وكذلك إن كان منفصلا إلا أن الدم الذي يصلح للحيض دون أقل الحيض أو فوق أكثره فهذه لا تمييز لها فإذا كانت لها عادة قبل أن تستحاض جلست أيام عادتها واغتسلت عند انقضائها ثم تتوضأ بعد ذلك لوقت كل صلاة وتصلي وبهذا قال أبو حنيفة و الشافعي وقال مالك : لا اعتبار بالعادة إنما الاعتبار بالتمييز فان لم تكن مميزة استطهرت بعد زمان عادتها بثلاثة أيام أن لم تجاوز خمسة عشر يوما وهي بعد ذلك مستحاضة واحتج بحديث فاطمة الذي ذكرناه ولنا حديث أم سلمة وقد [ روي في حديث فاطمة أن النبي A قال : فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها فاغتسلي عنك الدم وصلي ] متفق عليه و [ روت أم حبيبة أنها سألت النبي A عن الدم فقال لها : امكثي قد ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلي ] رواه مسلم و [ روى عدي بن ثابت عن ابيه عن جده عن النبي A قال في المستحاضة : تدع الصلاة أيام اقرائها ثم تغتسل وتصوم وتصلي وتتوضا عند كل صلاة ] أخرجه أبو داود و الترمذي ولا حجة له في الحديث على ترك العادة في حق من لا تمييز لها .
فصل : ولا يختلف المذهب أن العادة لا تثبت بمرة وظاهر مذهب الشافعي أنها تثبت بمرة وقال بعضهم : تثبت بمرتين لأن المرأة التي استفتت لها أم سلمة رسول الله A ردها إلى الشهر الذي يلي شهر الاستحاضة ولأن ذلك أقرب إليها فوجب ردها إليه .
ولنا : أن العادة مأخوذة من المعاودة ولا تحصل المعاودة بمرة واحدة والحديث حجة لنا لأنه قال : [ لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها ] وكان يخبر بها عن دوام الفعل وتكراره ولا يحصل ذلك بمرة ولا يقال لمن فعل شيئا مرة كان يفعل وفي الحديث الآخر : [ تدع الصلاة أيام اقرائها ] والاقراء جمع أقله ثلاثة وسائر الاحاديث الدالة على العادة تدل على هذا ولا نفهم من اسم العادة فعل مرة بحال واختلف الرواية هل تثبت بمرتين أو ثلاث فعنه أنها تثبت بمرتين لأنها مأخوذة من المعاودة وقد عاودتها في المرة الثانية وعنه لا تثبت إلا بثلاث لظاهر الاحاديث ولأن العادة لا تطلق إلا على ما كثر وأقله ثلاثة ولأن أكثر ما يعتبر له التكرار اعتبر ثلاثا كأيام الخيار في المصراة .
فصل : وتثبت العادة بالتمييز فإذا رأت دما أسود خمسة أيام في ثلاثة أشهر أو شهرين على الرواية الأخرى ثم صار أحمر واتصل ثم صار في سائر الأشهر دما مبهما كانت عادتها زمن الدم الأسود .
فصل : والعادة على ضربين متفقة ومختلفة فالمتفقة أن تكون أياما متساوية كأربعة في كل شهر فإذا استحيضت جلست الأربعة فقط وأما المختلفة فإن كانت على ترتيب مثل ان كانت ترى في شهر ثلاثة وفي الثانية أربعة وفي الثالث خمسة ثم تعود إلى ثلاثة ثم إلى أربعة على ما كانت فهذه إذا استحيضت في شهر فعرفت نوبته عملت عليه ثم على الذي بعده ثم على الذي بعده على العادة وإن نسيت نوبة حيضناها اليقين وهو ثلاثة أيام ثم تغتسل وتصلي بقية الشهر وأن أيقنت أنه غير الأول وشكت هل هو الثاني أو الثالث جلست أربعة لأنها اليقين ثم تجلس من الشهرين الآخرين ثلاثة ثلاثة ثم تجلس في الرابع أربعة ثم تعود إلى الثلاثة كذلك أبدا ويجزئها غسل واحد عند انقضاء المادة التي جلستها كالناسية إذا جلست أقل الحيض لأن ما زاد على اليقين مشكوك فيه فلا نوجب عليها الغسل بالشك ويحتمل وجوب الغسل عليها أيضا عند مضي أكثر عادتها لأن يقين الحيض ثابت وحصول الطهارة بالغسل مشكوك فيه فلا تزول عن اليقين بالشك ولأن هذه متيقنة وجوب الغسل عليها أحد الأيام الثلاثة في اليوم الخامس وقد اشتبه عليها وصحة صلاتها تقف على الغسل فيجب عليها لتخرج عن العهدة بيقين كمن نسي صلاة من يوم ولا يعلم عينها وهذا الوجه أصح لما ذكرنا وتفارق الناسية فانها لا تعلم لها حيضا رائدا على ما جلسته وهذه تتيقن لها حيضا زائدا على ما جلسته تقف صحة صلاتها على غسلها منه فوجب ذلك فعلى هذه يلزمها غسل ثان عقيب اليوم الخامس في كل شهر وإن جلست في رمضان ثلاثة أيام قضت خمسة أيام لأن الصوم كان في ذمتها ولا نعلم أن اليومين اللذين صامتهما أسقطا الفرض من ذمتها فيبقى على الأصل ويحتمل أن يلزمها في كل شهر ثلاثة أغسال غسل عقب اليوم الثالث وغسل عق الرابع وغسل عق الخامس لأن عليها عقيب الرابع غسلا في أحد الأشهر وكل شهر يحتمل أن يكون في الشهر الذي يجب الغسل فيه بعد الرابع فيلزمها ذلك كما قلنا في الخامس .
وإن كان الاختلاف على غير ترتيب مثل أن تحيض من شهر ثلاثة ومن الثاني خمسة ومن الثالث أربعة وأشباه ذلك فان كان هذه يمكن ضبطه ويعتادها على وجه لا يختلف فالحكم فيه كالذي قبله وإن كان غير مضبوط جلست الاقل من كل شهر وهي الثالثة إن لم يكن لها أقل منها واغتسلت عقيبه وذكر ابن عقيل في هذا الفصل أن قياس المذهب أن فيه رواية ثانية وهي اجلاسها أكثر عادتها في كل شهر كالناسية للعدد تجلس أكثر الحيض وهذا لا يصح إذ فيه أمرها بترك الصلاة واسقاطها عنها مع يقين وجوبها عليها فاننا متى أمرناها بترك الصلاة خمسة أيام في كل شهر ونحن نعلم وجوبها في يومين منها في شهر وفي يوم في شهر آخر فقد أمرناها بترك الصلاة الواجبة يقينا فلا يحل ذلك ولا تسقط الصلاة الواجبة بالاشتباه كمن نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها وفارق الناسية فانها لا نعلم عليها صلاة واجبة يقينا والأصل بقاء الحيض وسقوط الصلاة فتبقى عليه .
فصل : ولا تكون المرأة معتادة حتى تعرف شهرها ووقت حيضها وطهرها وشهر المرأة عبارة عن المدة التي لها فيها وطهر وأقل ذلك أربعة عشر يوما تحيض يوما وتطهر ثلاثة عشر وإن قلنا أقل الطهر خمسة عشر يوما فأقصر ما يكون الشهر ستة عشر يوما وأكثره لا حد له لكون أكثر الطهر لا حد له والغالب أنه الشهر المعروف بين الناس فإذا عرفت أن شهرها ثلاثون يوما وأن حيضها منه خمسة أيام وطهرها خمسة وعشرون وعرفت أوله فهي معتادة وإن عرفت أيام حيضها وأيام طهرها فقد عرفت شهرها وإن عرفت أيام حيضها ولم تعرف أيام طهرها أو أيام طهرها ولم تعرف أيام حيضها فليست معتادة لكنها متى جهلت شهرها رددناها إلى الغالب فحيضناها من كل شهر حيضة كما رددناها في عدد أيام الحيض إلى ست أو إلى سبع لكونه الغالب